الضريبة العقارية.. لراغبى الرشاقة وإنقاص الوزن!

السطور التالية لا تمثل اعتراضاً على «الضريبة العقارية» أو دعوة للتهرب من سداد حق الدولة، خاصة بعد أن أقرت المحكمة الدستورية صحة فرضها قبل نحو 16 عاماً كاملة، وتحديداً فى عام 2002، بل هى مجرد صورة لتجربة ذاتية لمحاولة سدادها.

الداخل إلى أى مقر من مقرات «الضريبة العقارية» سوف يشعر بأنه قد هجر التاريخ والجغرافيا، فلا أى شىء يدل على أننا فى منتصف عام 2018، ولا المكان يحمل أى ملامح من القاهرة «الحديثة» -رغم معاناتنا منها- بل يشير إلى أى مكان عشوائى ينقصه فقط «توك توك» ليكمل صورته العشوائية.. حرارة عالية، رطوبة خانقة، زحام شديد، تلال من الأوراق المكدسة، عشرات من الدفاتر القديمة ملقاة على الأرض تماثل «دفتر التموين» الذى كان يحتفظ به «عم فتح الله» بقال الستينات!

حلقات من البشر تقارب تلك التجمعات التى تحيط بأى حادث مرورى وفق اعتيادنا لاستكشاف ما جرى، خليط من الرجال والنساء يتحلق حول «موظف برىء» فرضت عليه وظيفته أن يجلس إلى مكتب أقرب إلى «ترابيزة» فى مطعم فول متواضع للغاية، لا يحمل أى ملامح عصرية للمكتب سوى أنه يفتقد «دواية الحبر وريشة الكتابة»!

أصوات مزعجة تكاد تصل إلى حد الصراخ، عشرات من الأيدى تمتد بـ«كومة من الأوراق» التى تنفرط من الأيدى إثر اقتحام مفاجئ من جانب أحد ليسأل «عنوة» عن موقف شقته فى أحد الأحياء، بينما تصرخ سيدة لتؤكد للموظف أنها أنهت بالفعل تصوير الأوراق المطلوبة.. «طلقات من الأسئلة» المختلفة تُصوَّب باتجاه أذن ذلك الموظف «البائس» الذى يئن من ألم أصاب ظهره من كثرة «الانحناءات» ليلتقط دفتراً من على الأرض ليبحث فيه عن إجابة لسؤال مواطن يتصبب عرقاً!

رفض كامل من جانب المتحلقين حول الموظف لإعادة الانتظام فى طابور لإنهاء المهمة التى تقارب سلسلة أفلام «مهمة مستحيلة» بطولة توم كروز أو العميل إيثان هانت.. فتاوى متناقضة لتفسير بنود القانون من جانب تجمعات البشر هذه، الذين ربما أصابهم اليأس من نجاحهم فى انتزاع إجابة ترضيهم عن سؤالهم حول «حالات الإعفاء» من سداد الضريبة، فيتطوع أحدهم بالإجابة بدلاً من الموظف، ليعلو جدل متلاحق بين الموظف والمواطن الذى يحاول إقناعه بحقه فى الإعفاء رغم أنف اللائحة التنفيذية للقانون!

صعود سلالم وهبوط أخرى، وجولات تفتيش متلاحقة عن الموظف الموكل له تسلم الأوراق، وآخر للتوقيع عليها، وثالث لمنحها رقماً مسلسلاً، ورابع لختمها بخاتم لا تظهر منه أى ملامح تفيد بأنه ينتسب لوزارة المالية أو التموين.. باختصار، يصبح المواطن أشبه بـ«قرد الغابات» الذى يمضى يومه متنقلاً من فروع شجرة لأخرى!

ملحوظة على الهامش: قبل 14 عاماً، وتحديداً فى يوليو 2004، «نحت» الدكتور أحمد نظيف فى اليوم الأول لتوليه رئاسة الوزراء -دام فى موقعه حتى يناير 2011- تعبير «الحكومة الذكية» ليصف به حكومته لاعتمادها على الحاسبات الآلية ووسائل التسجيل والحفظ الحديثة، ولا لشىء آخر حتى، ولو كان «قدرة أعضاء حكومته على حل كامل مسابقات الكلمات المتقاطعة بالصحف»!

ملحوظة أخرى: فور أدائه اليمين الدستورية أمام الرئيس السيسى فى 14 يونيو الماضى خرج الدكتور محمد معيط، وزير المالية، على الصحفيين ليؤكد أن وزارته ستعتمد نظام «الشمول المالى» للإقلال من التداول النقدى، وجذب المواطنين إلى إنجاز معاملاتهم المالية عبر الإنترنت والبنوك؟

وعلى الرغم من صدور قانون الضريبة العقارية عام 2008، فإن تفعيله لم يبدأ سوى عام 2013، أى قبل 5 سنوات كاملة. وعلى الرغم من أن الوزارة قررت مد مهلة سداد الضريبة حتى 15 أغسطس الحالى دون توقيع أى غرامة تأخير على الممولين، إلى جانب استمرار العمل بجميع مأموريات الضرائب العقارية طوال أيام الأسبوع، فإن «قلبها الأبيض» قد دفعها لتعود مرة أخرى لتمديد هذه المهلة حتى 15 أكتوبر المقبل فى إطار التيسير على المواطنين والتخفيف من حدة الزحام على مكاتب التحصيل.

غير أن السؤال هنا: ألا تكفى مدة الخمس سنوات -منذ بدء إقرار تحصيل الضريبة حتى يومنا هذا- لربط كل مكاتب الضريبة العقارية بشبكة كمبيوتر واحدة، خاصة أن حصيلة الضرائب العقارية قد حققت 1.8 مليار جنيه خلال السنة المالية 2017/2018، مقابل 969 مليون جنيه فى السنة السابقة عليها، طبقاً لبيانات وزارة المالية؟ هذا من جانب، ومن جانب آخر فإنه قد سبق للوزارة دعوة المواطنين فى عام 2013 للتقدم لتسجيل عقاراتهم مقابل إيصال بتسلم أوراق التسجيل، ولا يزال العديد من المواطنين محتفظين به.. أم أنها عادة حكومية بأن تقر نظاماً تنفق عليه ملايين الجنيهات من أموال الشعب ثم تقرر إلغاءه دون أى مبرر، وهو ما جرى أيضاً مع كروت البنزين؟!

وسؤال آخر: هل من المنطق أن نكلف المواطن بتصحيح خطأ الحكومة بتأجيل تحصيل الضريبة 5 سنوات ونصف، ونجبره فجأة على سدادها على دفعتين فقط، على الرغم من أن هذا المواطن لم يكن له أى ذنب فى هذا التأجيل؟!

وسؤال أخير: إذا كانت معايير تقييم المبنى تقوم أساساً على إذا ما كان يطل على النيل أو حديقة أو يوجد فى شارع رئيس أو غيره، فهل جرى احتساب «أكوام القمامة» المتناثرة فى معظم شوارع المدن الرئيسية وغيرها ضمن هذه المعايير؟!

ربما تكون الحسنة الوحيدة فى الإقدام على تلك «المهمة المستحيلة» هى أنك ستفقد الكثير من وزنك بعد أن تدخل مقر الضريبة بسبب تلك الحرارة التى تماثل «غرف الساونا» فى أى جيم، إضافة إلى فقدانك الآلاف من «السعرات الحرارية» بسبب صعود وهبوط سلالم المبنى، لتصبح بالفعل «الضريبة العقارية لراغبى الرشاقة وإنقاص الوزن»!

==== ======

ورد عن طريق الخطأ غير المقصود اسم «المؤسسة الدولية للعلوم والإدارة.. وكيل رسمى لأكثر من 30 جامعة فى مختلف التخصصات فى روسيا» ضمن سطور مقال «للنصب مواسم وأدوات أخرى» الذى نشر فى ذات المساحة يوم السبت الماضى.. ولذا وجب الاعتذار.