3 مراحل مظلمة فى حياته: الطلاق والتأميم والمرض

كتب: نورهان نصرالله

3 مراحل مظلمة فى حياته: الطلاق والتأميم والمرض

3 مراحل مظلمة فى حياته: الطلاق والتأميم والمرض

دائماً لها وجهان طالما كانت الحياة، والمجازفة هى التى تمنحها المذاق، ورغم صعوبتها قرر محاربتها ومواجهتها دون استسلام، فكانت فترات مظلمة فى حياة صانع البهجة قرر أن يواجهها، ثلاثية التأميم والطلاق والمرض سددت ضرباتها متتالية فى حياة الفنان محمد فوزى فأردته صريعاً وهو لم يتجاوز الـ48 عاماً.

لم تكن حياة «فوزى» عامرة بالبهجة والنجاحات، بل كانت سلسلة متواصلة من المحاولات، يليها التوفيق تارة والإخفاق تارات أخرى، فكان الفن بالنسبة له منفذاً للهروب من ضجيج البيت العامر بـ24 طفلاً فى مراحل عمرية مختلفة فلم يجد إلا الموالد والساحات العامة يخرج فيها موهبته البكر التى بدأت فى التشكل لتوها، فيكون القرار الوحيد أمامه الالتحاق بمعهد الموسيقى العربية، ولكن حياة الفن الزاهية ندهت الشاب الذى لم يتجاوز العشرين مفضلاً العمل فى كازينو على إكمال دراسته للموسيقى فى محرابها، فترة طويلة من التنقل ما بين الفرق الغنائية والكازينوهات بحثاً عن فرصة هنا أو أخرى هناك، حلم آخر يهد أمامه عندما ترفض الإذاعة اعتماده مطرباً، كيف وهو صاحب موهبة يشهد لها الجميع بالتميز، فرصة أخرى تتاح أمامه عندما يحل بديلاً للمطرب إبراهيم حمودة فى الفرقة المصرية للتمثيل والغناء، ولكن رفض الجمهور له فى أولى تجاربه التمثيلية بمسرحية «شهرزاد» لسيد درويش، كان مخيباً للآمال لدرجة كبيرة، ما أدى إلى إصابته بحالة من الإحباط، لم يخرجه منها سوى عرض بالتمثيل من المخرج محمد كريم ولكن تبعه بطلب أغرب وهو إجراء عملية جراحية تجميلية فى إحدى شفتيه، ليمتثل للأمر بحثاً عن النجاح والفرص الجديدة.

{long_qoute_1}

الفشل لم يكن خياراً مطروحاً أمامه بل كان مجرد دعوة لخوض التجربة مرة أخرى، والإصرار على نجاحها، حيث يروى فى أحد التسجيلات النادرة: «كانت لدى رغبة فى التجديد بالأغانى، فخطرت لى فكرة تقديم أغنية (يا نور جديد فى يوم سعيد) بطريقة جديدة معتمدة على 2 كورال كل منهما يقدم جملة بطريقة مختلفة، وعندما سمع أحد المسئولين فى الإذاعة الأغنية قال لى (ده كلام فارغ)، من يومها لم أدخل الإذاعة.

ومع عدد الأعمال والأغانى الرومانسية التى قدمها «فوزى» خلال مشواره الفنى، لم تكن حياته العاطفية بهذا القدر من النجاح، فكان زواجه الأول من السيدة «هداية» فى بداية مشواره الفنى بحثاً عن الاستقرار، حيث أنجب منها 3 أبناء، ولكن انتهى الأمر بالانفصال مع بداية علاقة جديدة تعتبر من أشهر الزيجات مع الفنانة مديحة يسرى، التى استمرت على مدار 10 سنوات، وجاء الانفصال بهدوء شديد، ولم يمر سوى عام واحد واقترن الموسيقار الراحل بآخر زوجاته «كريمة» فى عام 1960 واستمر زواجهما حتى رحيله.

الأزمة الكبرى التى زلزلت حياة «فوزى» ولم تعد الحياة كالسابق بالنسبة له كانت تأميم شركة «مصر فون» التى أنشأها عام 1958، لإنتاج الأسطوانات وفرّغ نفسه لإدارتها، لينتزعه التأميم من قيادتها ليصبح موظفاً بها يتقاضى 100 جنيه شهرياً مقابل إدارتها، بعد ما حملت اسم «أسطوانات صوت القاهرة»، فلم يكن تأسيسها بالنسبة له خطوة سهلة ولكن نتاج سنوات طويلة من التعب والمجهود وضع فيها كل ما يملك من أجل ضرب الاحتكار الأجنبى للأسطوانات الموسيقية وكان مشروعاً يعد الأول من نوعه فى الوطن العربى، وعلى مقدار الآمال كان السقوط والانهيار ففتح ذلك القرار الباب أمام الأمراض لتنهك جسد المطرب الشاب فى ذلك الوقت، فقدم بعدها مجموعة من الحفلات قبل أن ينهكه المرض نهائياً. ملامح كهل فى الـ48 على جسد ضئيل أقرب إلى طفل بعد ما فقد صاحبه 50 كيلوجراماً من وزنه، ولم يتبقَ له سوى 30 كيلو تضمن له وجوداً مادياً، لا يوجد تفسير، لا أحد يعلم السبب، ما بين لندن، القاهرة، ثم الولايات المتحدة، ثم ألمانيا رحلات قطعها بحثاً عن تفسير، يقسم الطبيب الألمانى إنه لم يرَ ذلك من قبل، الأعراض لا تشبه مرضاً معروفاً، فقط 5 على مستوى العالم حدث لهم ذلك، عدم وجود تفسير جعل منه «مرض محمد فوزى» قبل أن يصبح علمياً تليف الغشاء البريتونى الخلفى المبطن لتجويف البطن.

«أنا حاسس إنى أذوب كالشمعة، إن الموت علينا حق.. إذا لم نمت اليوم سنموت غداً، وأحمد الله أننى مؤمن بربى، فلا أخاف الموت الذى قد يريحنى من هذه الآلام التى أعانيها، فقد أديت واجبى نحو بلدى وكنت أتمنى أن أؤدى الكثير، ولكن إرادة الله فوق كل إرادة والأعمار بيد الله، لن يطيبها الطب ولكنى لجأت إلى العلاج حتى لا أكون مقصراً فى حق نفسى وفى حق مستقبل أولادى الذين لا يزالون يطلبون العلم فى القاهرة.. تحياتى إلى كل إنسان أحبنى ورفع يده إلى السماء من أجلى.. تحياتى لكل طفل أسعدته ألحانى.. تحياتى لبلدى.. أخيراً تحياتى لأولادى وأسرتى»، بتلك الكلمات ودع محمد فوزى جمهوره ومحبيه، حيث توفى بعد كتابة تلك السطور بساعات.

«تأميم شركته كان من أشد الأزمات التى مرت فى حياة محمد فوزى»، قالها الناقد محمود قاسم متابعاً: «كان جمال عبدالناصر مخطئاً فى قراره، وأعتقد أن ذلك القرار جاء بسبب أنه لم يقدم أغانى لتمجيد ثورة يوليو كما فعل العديد من المطربين فى ذلك الوقت أو بسبب إحدى الوشايات».

وتابع «قاسم» لـ«الوطن»: «زواجه بمديحة يسرى امتد لفترة طويلة، حتى بعد انفصالهما لم ترغب فى الإفصاح عن الأسباب، وكانا يحرصان على أن تظل علاقتهما جيدة حتى رحيل فوزى.


مواضيع متعلقة