حرية الرأى وحقوق الآخر

حازم منير

حازم منير

كاتب صحفي

المقال الذى نشره الصديق ياسر عبدالعزيز الاثنين الماضى هنا على صفحات «الوطن» تحت عنوان «وقفة ضرورية مع السوشيال ميديا» له أهمية بالغة خصوصاً فى مصر، وهو عرض لكتابين صدرا مؤخراً عن وسائل التواصل الاجتماعى، الأول «عشرة أسباب لإلغاء حساباتك على مواقع التواصل الاجتماعى فوراً» والثانى «الإعلام المعادى للمجتمع كيف تمكن فيس بوك من الفصل بيننا وتقويض الديمقراطية».

أول ما لفت نظرى أن صدور أى من الكتابين فى مصر كان كفيلاً بانطلاق اتهامات فظيعة لكاتبه قبل مطالعة محتواه ومناقشته، حيث ستكتشف فجأة أنه عميل للحكم والحكومة وأمنجى ودولجى، وستنطلق تحليلات خزعبلية وتتحول إلى معلومات لولبية، كلها تؤكد أن هذه الكتب مقدمات متفق عليها فى إطار خطة لمحاصرة نشطاء المواقع وتقييد حريتهم واعتقالهم.

بالقطع فإن مؤلفى هذين الكتابين أفلتا بجنسيتهما الأوروبية من مدمنى التواصل الاجتماعى ونشطائه الذين يقضون الليل والنهار فى التحليل والتوصيف وإطلاق الاتهامات وتوزيعها على خلق الله وعمل جداول بتوصيفات مهنية لكل شخص يختلف معهم.

الحقيقة لا أدرى ما الصلة بين حرية الرأى والتعبير وبين «قلة الأدب»؟ ما الصلة بين انتقادك لرأى أو لموقف وبين اتهامك مخالفيك بألفاظ وتوصيفات يعف اللسان عن ذكرها؟ لماذا يعتبر البعض أن اختراق الخصوصية حرية وأن إساءة الأدب وسيلة للتعبير؟ وكيف نسمح لأنفسنا بالدفاع عن الإساءات ونطالب المُعتدى عليهم بالصمت والصبر رغم أن النقد بيّن والسب بيّن؟ لماذا اعتبر أنصار هذا المعسكر أن توقيع عقوبات على الإساءة للآخر والحط من قدره وسبه وقذفه واختراق خصوصيته بمثابة قيود على حريات الرأى والتعبير! ولماذا يعتبر هؤلاء أن من حقهم إشاعة أخبار كاذبة حتى ولو نقلاً عن الغير دون التدقيق فى شأنها، ويرفضون محاسبتهم لما يسببونه من أضرار فى حق أشخاص أو جماعات أو المجتمع كله؟ هل يجوز أن نعتبر أن رد الخبر الخطأ بالتصحيح كاف وأن رد الإساءة بالإساءة هو السبيل؟ الخبر فى مهنتنا كطلقة رصاص لو خرجت من القلم ستصيب من فى طريقها، والإهانة تلحق بصاحبها وتسىء له ومحيطيه، لذلك صدق مؤلف كتاب «الإعلام المعادى للمجتمع» حين أشار إلى أن الإغراق فى استخدام حسابات وسائط التواصل الاجتماعى أسهم فى الحط من شأن السياسة والسياسيين وقوض الأساليب الديمقراطية.

أن تتحول وسائل التواصل الاجتماعى إلى إعلام بديل يمارس فيه الناس نقدهم واعتراضهم أهلاً وسهلاً، إنما تصبح منصة لسب الناس وانتهاك خصوصياتهم والإساءة لهم فهذه ليست من حريات الرأى والتعبير ولا يمكن الدفاع عنها.