دار «الحرية».. ملاذ الهاربين من العنف الأسرى والتشرد

كتب: نجلاء فتحى

دار «الحرية».. ملاذ الهاربين من العنف الأسرى والتشرد

دار «الحرية».. ملاذ الهاربين من العنف الأسرى والتشرد

بنظرات اندهاش وحيرة، بداية من باب دار الحرية لرعاية الأطفال بلا مأوى بمنطقة عين شمس، حتى انتهاء جولتنا، تطلع إلينا أطفال الدار، عدد منهم أظهر جرأة وآخر أبقى على تحفّظه، وظل هادئاً، وآخرون كانوا خفيفى الظل وتحدّثوا بطريقة توحى بخبرتهم فى الحياة رغم حداثة أعمارهم، وقليل منهم ما زال يسيطر عليه الخوف والقلق نتيجة التجربة التعيسة التى مر بها فى الشارع مشرداً وبلا مأوى.

«الوطن» زارت دار الحرية لرعاية الأطفال بلا مأوى، بعد عام من إطلاق ذلك المشروع القومى، باعتبارها أول دار تم تجديدها ورفع كفاءتها وتجديد البنية التحتية بها لتكون ملائمة لأنشطة البرنامج، حيث تم ترميم ملعبها الرياضى وإنشاء حمام سباحة بها وغرفة للموسيقى وغرفة للرسم ومكتبة كبيرة بها عدد من الكتب لتنمية ثقافة الأطفال. {left_qoute_1}

ومن داخل الدار، رصدنا قصصاً واقعية من حياة الأطفال المقيمين بها، ويقول صابر ناصر رمضان: «هربت من البيت بسبب ضرب أبويا ليا، عندى 8 سنين وهربت من شهرين، بسبب اعتدائه علىّ من غير سبب، وكان كل يوم يتخانق مع أمى على مصروف البيت، وهربت وفضلت ماشى، وقابلت ناس قلت لهم عاوز أروح الحى العاشر، وحد منهم اتصل بصندوق تحيا مصر، وأخذونى للمؤسسة، وأنا مبسوط هنا أكتر من البيت بكتير علشان بنلعب مع بعض، وحاسس بالأمان ومحدش بيضربنى». ورغم صغر سنه، يقول: «أجلس كثيراً فى مكتبة الدار لحبى لقراءة كتب التاريخ، ونفسى لما أكبر أشتغل شغلانة محترمة بعيداً عن أهلى».

وقال محمد السيد النجار: «بابا قال لى روح اشترى حاجة حلوة، وسابنى على الرصيف ومشى، ونفسى أبقى ظابط علشان محدش يضربنى». وأضاف: «عندى 9 سنين بابا كان شغال فى مصنع طوب، وكل يوم ياخدنى معاه أشتغل أرص طوب، وكان بيكتفنى ويضربنى كل شوية».

وتابع بعينين ممتلئتين بالدموع، قائلاً: «فى يوم كنت معاه بره البيت بيخلع ضرسه، وبعدها قعدنا على الرصيف وادانى فلوس، قال لى روح اشترى حاجة وتعالى، روحت ورجعت مالاقيتوش وقعدت أعيط، والناس اللى كانوا ماشيين فى الشارع أخدونى، وفيه حد فيهم اتصل بتحيا مصر جم أخدونى». وأضاف: «بابا لو جه ياخدنى مش هاروح معاه، هنا أحلى، ومحدش بيضربنى، ونفسى أطلع ظابط شرطة علشان محدش يقدر يضربنى بعد كده».

وقال عيسى إبراهيم أشرف: «نفسى أشوف أختى تانى، أنا عندى 10 سنين، بقالى 5 شهور فى الدار، وبابا ساب ماما ومشى ومانعرفش راح فين. ليا أخين أشرف وهاجر، ماما أخدتنى أنا وهاجر، ودتنا دار مكة، واشتغلت دادة فى نفس الدار، وبعدها رحلونى لوحدى على دار الحرية.. هنا أحسن من البيت، وبناكل كويس وبنلبس وبنزل حمام السباحة، وباتعلم، بس أنا نفسى أشوف هاجر أختى».

وقال كريم محمد طه: «مستنى ماما تيجى تاخدنى، هى مش بتكدب، جابتنى هنا، وقالت لى اقعد يومين، وهاجى آخدك تانى، وأنا قاعد مستنيها، ومش حابب الدنيا هنا علشان العيال الكبيرة بتضربنى، وعاوز أبقى أمين شرطة». وقال يوسف عمرو: «كل أما أقول لأبويا خدنى معاك وخرجنى من الدار يقول لى المرة الجاية».

وفى غرفة الموسيقى يجلس يوسف عمرو بمحافظة القاهرة، البالغ من العمر 10 سنوات، صامتاً وحينما سرد قصة قدومه إلى الدار، قال: «طلاق أبويا وأمى هو سبب نزولى الشارع، وكنت باقعد فى ميدان السيدة عائشة لحد ما قابلت فريق وزارة التضامن». وتابع قائلاً «مشيت من البيت بمزاجى، ولما كنت عايز أمشى بامشى وأسكن فى الشارع، ولما أحب أرجع أرجع، ولما أبويا طلق أمى مارجعتش تانى».

وقال محمود عبدالسلام، مدير دار الحرية: إن عدد الأطفال داخل الدار 75، جميعهم فى مراحل تعليمية مختلفة، ولكل طالب دفتر توفير خاص به، ونسبة أرباح كل شهر ناتجة عن مساهمته فى بعض أنشطة الدار، ومصروف يومى على حسب المرحلة العمرية والتعليمية.

وأضاف أنه ليس كل الأطفال التى تأتى للدار «بلا مأوى»، فهناك 3 أنواع، الأول أطفال أيتام يتم تحويلهم من دور أيتام مع سن الدراسة، لأن دور الأيتام تكون صغيرة الحجم ويصعب الإقامة بها، والنوع الثانى أطفال تعانى من تفكك أسرى، والأسرة نفسها هى التى تجلب أبناءها إلى الدار، سواء الأب أو الأم، لكن يتم عمل بحث للأسرة للتأكد من عدم تمكن الأسرة من تربية الطفل، ولو ثبت ذلك، يُقبل الطفل داخل الدار، والنوع الثالث هم أطفال الشارع الذين هربوا من عنف الأسرة إليه.

وعن سلوكيات أطفال الشوارع، ومدى اختلافها من حالة إلى أخرى، يقول «يختلف سلوك الأطفال حسب مدة إقامتهم فى الشارع فيوجد أطفال يتم إيواؤهم بشكل سريع، وهناك بعض الأطفال أقاموا فى الشارع لسنوات، وبالتالى يختلف سلوكهم وطريقة التعامل معهم، لكن العدوانية ثابتة فى الأنواع الثلاثة بنسب مختلفة لأن الطفل يرى نفسه غير طبيعى ولا يتمتع ببعض الحقوق التى يتمتع بها باقى الأطفال، وأهمها وجود أسرة، ويتم توعيته اجتماعياً ونفسياً داخل الدار حتى نغير هذه الفكرة داخله لينشأ فرد سوى قادر على التعايش والاندماج داخل المجتمع». ويضيف أنه يتم فصل الأطفال داخل الدار على حسب السن فى ممارسة الأنشطة، وأوقات النوم، ولكل إخصائى اجتماعى مجموعة عمرية معينة يتولى الإشراف عليها ومتابعتها باستمرار.

أنشطة عديدة تنفذها الدار، ويقول عنها «عبدالسلام»: «هناك أنشطة رياضية مثل حمام السباحة والبلياردو والتنس والطاولة، وتوجد مكتبة كبيرة يوجد بها العديد من الكتب من ضمن الأنشطة الثقافية وهناك رحلات ترفيهية ومعسكرات، ودار الحرية الوحيدة التعليمية بخلاف بعض المؤسسات الأخرى التى بها ورش تدريبية، كورش نجارة وغيرها لتعليم الأطفال حرفة».

وفى حال طلب والد طفل مقيم بالدار إعادته إلى الأسرة، يقول مدير الدار: «فى هذه الحالة نبحث عن أسباب نفور الطفل من الأسرة، ويتم عمل جلسات توعية لهم، وهناك بعض الأسر تستجيب لترك الطفل مدة كفترة انتقالية حتى تتحسّن الأوضاع داخل الأسرة ويتم أيضاً توعية الطفل، ثم يتم تسليمه لأسرته بعد فترة، وهناك فرق متابعة لمثل هذه الحالات للتأكد من تحسن أوضاعه».

ويوضح «عبدالسلام» أن الطفل يمكنه الخروج من الدار فى سن 18 عاماً، ومنذ بداية سن 15 عاماً، يتم السماح له بفترة إجازة صيفية، بالخروج للعمل، لكى يتعلم الاعتماد على نفسه والتعامل مع الناس والمجتمع، حتى يستطيع الاندماج بعد ذلك.

وعن تمويل أنشطة الدار يقول: «من وزارة التضامن الاجتماعى مباشرة لدفع مرتبات الموظفين، ومن محافظة القاهرة للإنفاق على تغذية الطلاب ومصروفهم اليومى». أما المشكلات والتحديات التى تواجهها الدار، فقال: «تواجهنا مشكلة عجز الجهاز الوظيفى، حيث قام برنامج أطفال بلا مأوى بمد الدار بإخصائيين اجتماعيين ونفسيين بمرتباتهم، لكن هناك مشكلة البنية التحتية والبرنامج حل هذه المشاكل فى جميع مؤسسات رعاية الأطفال حتى تستطيع القيام بدورها وتقديم أفضل خدمة للطفل، فمؤسسة الحرية من ضمن 6 مؤسسات طورها البرنامج تطويراً شاملاً من بنية تحتية لتجهيزات لتمويل وتجديد، وافتتحت بعد التجديد فى أبريل 2017».


مواضيع متعلقة