مائة عام من عطاء العلامة معوض إبراهيم
فى هذا الشهر يبلغ العلامة الداعية الأزهرى الجليل، والأديب اللغوى البارع الشيخ معوض عوض إبراهيم الحنفى الأزهرى أمين عام الفتوى سابقا بالأزهر عامه المائة، أطال الله عمره، حيث ولد فى 1912 بكفر الترعة الجديد بشبين بالدقهلية، وهو أحد أبرز العلماء الذين أنجبهم الأزهر الشريف.
مائة سنة.. من العطاء والبذل لعالم كبير، ألَّف وكتب ودرَّس وعلَّم وخطب وحاضر وسافر، مائة عام.. عفَّ فيها لسانه، فلم يتهم مخالفه بشرك ولا كفر، وصحب الأئمة الأعلام كالدجوى، ومخلوف، وخاطر، وبيصار، وأبوشهبة، والغزالى.
وتلقى العلم على أيدى الأكابر كالأودن، وعلى سرور الزنكلونى، وأبوزهرة، والمراغى، وعبد الحليم محمود، والخضر حسين، والزرقانى.
ويُذكر أن العقاد أول من أُعجب به، وتنبَّه لموهبته الأدبية، فنشر له قصيدة فى مجلة السياسة الأسبوعية بعنوان: «استعذاب العذاب».
وقد مدحه الشاعر عبدالرحمن نجا فى ديوانه «فى رحاب الله والوطن» المطبوع 1970 بقوله:
إلى معوض إبراهيم أهديها/ قصائد فى رحاب الله أنشيها/ يا من نشرت لدين الله رايته/ من بعد ما كادت الأحداث تطويها/ قد بارك الله جهدا أنت تبذله/ به الشريعة قـد نالت أمـانيها/
وذكر لى الشيخ معوض أنه قابل الأستاذ البنا مؤسس الإخوان فى سنة 1942، وكان يأبى البنا أن يتكلم قبل الأزهريين، ويقول: علماء الأزهر هم الخيرة فالزموهم، وكتب البنا خطابا لسكرتيره عمر إبراهيم يقول فيه: أريد أن أنتفع بعلم الشيخ معوض.
يقول الشيخ معوض: ما رأيت أعف لسانا من لسان البنا، كان إذا أتى بلدا سأل عن علماء الأزهر الشريف، ولما جاء خبر استشهاده بكيت كما لم يبك أحد من قبل.
ومع أن الشيخ الجليل يسكن فى المطرية، وهو مكان بعيد إلى حد ما عن قلب القاهرة، فإن منزله خلية نحل، حيث يتردد على زيارته خلق من العلماء والطلبة من مصر والعالم، على رأسهم مفتى الجمهورية، ويحرص القرضاوى على التواصل معه، ويقدمه شيخ الأزهر للحديث قبله، تقديرا لمكانته، والشيخ يتخلق بخلق النبوة فى إكرام ضيفه.
وإن أكثر ما يؤذى الشيخ أن يُمس منهج الأزهر الشريف أو يتطاول الصغار على علمائه، لأن حب الأزهر يجرى فى دمه، ولما رأى أناسا يلبسون زى الأزهر خداعا للناس، ويسبون منهجه، ويتطاولون على علمائه كتب مقالته الماتعة: (يحاولون أن يحجبوا نور الشمس بأكفهم)، جاء فيها: إن الشمس فى علوها وارتفاعها لا يضرها النباح، وعلماء الأزهر هم شموس العلم، وكواكب المعرفة، والأزهر كعبة الإسلام الثانية، ورابع المساجد التى تشد إليها الرحال، وإذا أتتك مذمتى من ناقص/ فهى الشهادة لى بأنى كامل.
ومن شعره فى مدح الأزهر:
أنت هلالا قد صرت بدرا منيرا/ فى اعتلاء منذ انبلاج الهلال/ تختفى الشمس تارة ونرى/ كوكب العلم فى الضحى والليالى/
إن عالمنا الجليل جدير بالتكريم والاحتفاء، وقد أقيمت احتفالية بنادى الزهور تكريما له، ويستعد أزهريون لعمل تكريم آخر لائق بمئويته، كما أن هناك رسالة ماجستير يعدها الباحث محمد حسنى السوهاجى عن الشيخ معوض ودوره فى خدمة الإسلام، كما ترجم له كثيرون، منهم تلميذه الأستاذ محمد عبداللطيف الأزهرى فى مجلة الوعى الإسلامى عدد جمادى الأولى 1433، وقد قُرأت على الشيخ هذه الترجمة وأقرها.
إن كثيرين لا يعرفون الشيخ معوض بسبب اختلال معايير القيم، وموازين التقييم، لأننا نستسمن ذا ورم، ونحتفى بالنكرات ممن يدَّعون العلم، وأكثرهم من الطحالب التى تطفوا على السطح، بفتاوى نشاز، ورؤى عليلة، لم تعتصم بعلم ولا منهج، وقد شقيت بهم المنابر والمساجد، ولذا تصبح الكتابة عن إمامنا الجليل الشيخ معوض والاحتفاء به من واجبات الوقت.