«الحرانية».. جارة الأهرامات وموطن السجاد اليدوى

«الحرانية».. جارة الأهرامات وموطن السجاد اليدوى
- أذان الظهر
- أهرامات الجيزة
- أول معرض
- الأمير تشارلز
- الأميرة ديانا
- السجاد اليدوى
- الفنون التطبيقية
- المعارض الدولية
- المملكة المتحدة
- تخفيف العبء
- أذان الظهر
- أهرامات الجيزة
- أول معرض
- الأمير تشارلز
- الأميرة ديانا
- السجاد اليدوى
- الفنون التطبيقية
- المعارض الدولية
- المملكة المتحدة
- تخفيف العبء
أمام «نول» خشبى بسيط جلست منى على منهمكة فى نسج سجادة يدوية بدأتها منذ أيام قليلة، تمسك فى يدها أداة حديدية تسمى «مشط» تساعدها فى كبس الخيوط، بعضها فوق بعض، لترسم لوحة فنية على هيئة سجادة.
تروى «منى» رحلة عملها التى بدأتها حين كان عمرها 9 سنوات، حيث كانت تذهب مع والدها إلى مقر عمله بمركز «ويصا واصف» للفنون وتجلس بجواره على «الدكة» تنظر إلى حركات أنامله بتركيز، ورغم صغر سنها وعدم إلمامها بأصول المهنة حينها، فإنها كانت تسعى إلى تقليده: «كان أبويا شغال فى النسيج، ولما كنت أقعد جنبه كان يدينى فتلتين وخيط ويخلينى أجرب، ومع الوقت عرفت السجادة بتتعمل إزاى وبدأت أنتج شغل لوحدى».
أدوات بسيطة تستخدمها «منى» لعمل سجادة، إذ يحتاج الأمر، وفقاً لكلامها، إلى «مشط» وصوف ومقص وصبغات مختلفة الألوان، فضلاً عن «نول» أفقى أو رأسى، حسب الاستخدام، به طبقتان من القطن إحداهما أمامية وتسمى «النيل» وأخرى خلفية يسمونها «السدى» يفصل بينهما قطعة خشبية صغيرة، وبمجرد أن تستقر على رسمة معينة فى خيالها تبدأ فى نقشها بخيوط على هذا النول حتى تكتمل رسمتها تماماً.
{long_qoute_1}
«منى» لم تكن وحدها التى تعملت تلك المهنة.. فهنا فى قرية «الحرانية»، التى تبعد قليلاً عن أهرامات الجيزة، سبقها وتعلم معها العشرات من سيدات ورجال القرية الذين يمتهنون تلك الحرفة، وأصبحت شغلهم الشاغل، فقبل أكثر من 60 عاماً، اتخذ المهندس المعمارى الراحل رمسيس ويصا واصف «الحرانية» مقراً لتحقيق حلمه فى تأسيس ورشة لتعليم الأطفال النسج على الأنوال، حتى ذاع صيتها بين القرى المجاورة بصناعة السجاد اليدوى، وصار فى كل بيت فنان صغير تعلم داخل مدرسة «ويصا واصف» للفنون، التى بمجرد أن تطأ قدماك مدخلها المُزين بالورود الملونة، تجد على يسارك متحفاً صممه «ويصا واصف» ليضم مجموعة تماثيل خزفية، وعلى يمينك «حوش» يستريح فيه النساجون بين الحين والآخر لتناول وجبة أو للتسامر فيما بينهم لتخفيف العبء عنهم، ومن بعده وحدات صغيرة مخصصة للعمل، كل وحدة منها يجلس بها نساجون، ولكل منهم «نول» يعمل عليه بمفرده، وداخل إحدى تلك الوحدات، كانت نادية محمد، جالسة على كرسى خشبى، مرتدية عباءة سوداء وشالاً فوق رأسها، وأمامها «النول» الخاص بها، تعمل بهدوء فى نسج سجادة يدوية بدأت فيها بعدما تبقى من «السدية» جزء كبير، حيث قررت أن تعمل منه سجادتين صغيرتين، إحداهما 80 سم والأخرى 20 سم: «جيت المدرسة وأنا عندى 10 سنين، بدأت أتعلم بلف الصوف لحد ما تمكنت منها، وعملت سجاد صغير ولما عجبهم بقوا يخلونى أكمل ومع السنين بقى عندى خبرة كافية تخلينى أعمل أى سجاد بأى مقاس». تتوجه «نادية» يومياً إلى المدرسة فى التاسعة صباحاً لاستكمال نسج سجادتها، ومع أذان الظهر تعود إلى بيتها الذى يبتعد قليلاً عنها لإنهاء بعض واجباتها المنزلية، ثم تعود مرة أخرى إلى عملها وتستمر فيه حتى الخامسة مساء: «كل واحدة مننا معاها مفتاح الوحدة بتاعتها، وميزة المدرسة هنا إننا مش ملزمين بأى حاجة، باجى وقت ما أصحى من النوم، ولو فى البيت ولادى احتاجوا منى حاجة برجعلهم وبعد كده باجى أكمل شغلى عادى وأمشى وقت ما أخلص».
{long_qoute_2}
كان لـ«ويصا واصف» قواعد يتبعها مع النساجين حتى لا يفقدوا حوافزهم الطبيعية، من بينها عدم انتقاد عمل الغير أو التدخل فيه، بجانب الاعتماد على جمال الطبيعة فى رسم السجادة دون التأثر بأى ظواهر خارجية، وبعد وفاته ظلت تلك القواعد تُتبع فى مدرسته، على حد قول «نادية»، التى أكدت أن ما يميز العمل داخل تلك المدرسة هو الحرية، سواء فى مواعيد العمل أو الرسمة التى تختارها لسجادتها: «لما بتخطر على بالى رسمة بتناقش فيها مع غيرى والألوان بنختارها سوا، ولو كنت بعمل رسمة وجت فى بالى حاجة تانية أفضل بفك الخيط وأعمله من جديد».
انشغلت السيدة الخمسينية بعملها، حيث أخذت تمرر خيوط «اللحمة» بألوانها المختلفة من بين «السدية» التى تشكل سطح النسيج لتبدأ الرسمة فى الظهور، خيطاً تلو الآخر: «كانت بنتى بتشتغل معايا هنا لكن بعد زواجها قعدت فى البيت لكن أنا ماقدرش أسيب مهنتى أبداً لأنى بحبها وبطلع فيها كل اللى جوايا»، تتذكر «نادية» التى تعلمت تلك المهنة على يد بنت خالتها، حين سافرت إلى إنجلترا وكان عمرها لا يتجاوز الـ20 عاماً للمشاركة مع المدرسة فى أحد المعارض الدولية التى أقيمت هناك، حيث قابلتها الأميرة ديانا، زوجة ولى عهد المملكة المتحدة الأمير تشارلز ويلز، بحفاوة شديدة، حين رأت منتجاتها المعروضة: «كل الناس اللى حضرت كانت مبهورة بشغلنا وعلى رأسهم الأميرة ديانا كانت مبسوطة بينا ومستغربة إزاى نقدر نطلع الشغل ده، خصوصاً أن منتجاتنا كانت مختلفة تماماً عن الشغل المعروض».
ثريا حسن، تجلس مع «منى» فى نفس الحجرة، وتقول: «من سنة 1975 وأنا باجى المكان ده، وبقى يعتبر بيتى التانى، وطول عمره سبب فرحتى من وأنا عيلة لأن اسمى بيتحفر مع كل سجادة بخلصها».
{long_qoute_3}
وفى نهاية الحارة التى توجد بها الوحدات، كانت تقع حجرة محروس عوض، 50 سنة، الذى كان له النصيب الأكبر من السفر لعرض منتجاته خارج مصر، حيث سافر منذ 10 سنوات إلى لندن للمشاركة فى أحد المعارض، فضلاً عن سفره إلى روما فى الثمانينات، حيث لا يكتفى بعرض السجاد فقط، إنما يقوم بعمل نماذج مصغرة منها أمام الزوار، على حد قوله.
رسومات «محروس» وزملائه تعتمد على الطبيعة، حيث يخرج كل منهم إلى الحديقة الملحقة بالمدرسة، ثم يعود منها برسمة جديدة يغلب عليها الطابع الريفى، فلا تخلو لوحاتهم من «قلة» أو «زير» أو «خضرة» أو«غنم»، مستخدماً خيوطاً من الصوف صبغت بألوان نباتية طبيعية زرعها «ويصا واصف» فى حديقته، إذ يستخدم «النيلة» للون الأزرق، و«الكونشيل» للون الأحمر، و«الرزيدا لبتيولا» للأصفر والأخضر.
وبحسب ما رواه لنا إكرام نصحى، مدير مركز رمسيس ويصا واصف للفنون، فإن «رمسيس» اختار «الحرانية» لطبيعتها الريفية البسيطة، بجانب أنها كانت تخلو فى ذلك الوقت من أى حرفة أخرى، حيث بدأت المدرسة نشاطها بـ12 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 8 و10 أعوام، وصاروا يعرفون بالجيل الأول للنساجين، ثم انضم إليهم جيل ثان يضم نحو 35 نساجاً يعملون فى نسيج القطن والصوف، تتراوح أعمارهم بين 35 و55 عاماً.
يختلف النساجون الذين تعلموا داخل مركز «ويصا واصف» عن أى نساج آخر تعلم فى كلية الفنون التطبيقية، لأن الأخير تعرض لأنماط مختلفة من النسيج ثم بدأ يحاكيها حتى أصبح له أسلوب خاص به، أما نساجو الحرانية فهم يبدعون رسوماتهم من خيالهم. عرضت أعمال الجيل الأول من النساجين، بحسب «إكرام»، بعد مرور سنوات قليلة على تأسيس المركز، حيث أقيم فى عام 1957 أول معرض محلى للسجاد، وبعدها بعام أقيم أول معرض دولى للنسجيات والسجاد بسويسرا.