سوق ليبيا.. من الازدهار إلى الكساد والديون

كتب: محمد سعيد الشماع ومحمد بخات

سوق ليبيا.. من الازدهار إلى الكساد والديون

سوق ليبيا.. من الازدهار إلى الكساد والديون

تمر السنوات ويمضى عام تلو الآخر ويظل سوق ليبيا وجهة المُصيفين فى موسم الصيف، رغم تأثره الواضح بالعديد من الأحداث السياسية والاقتصادية، بداية من الأحداث التى مرت بها الدولة الليبية فى عام 2011 وقلة البضائع والسلع الآتية من هناك، مروراً بالحريق الهائل الذى تعرض له السوق منذ 6 سنوات، وغرق على أثره التُجار فى الديون، وأخيراً بالارتفاع الكبير فى الأسعار، ليختلف حاضر سوق ليبيا عن ماضيه، وينتظر التُجار وصول المُصيفين والزبائن بعدما كان السوق يمتلئ عن آخره على مدار اليوم.

يمتلك «محمود البغدادى»، 61 عاماً، محلاً لبيع مستحضرات التجميل بسوق ليبيا بمطروح، «البغدادى» أحد أقدم التُجار بالسوق منذ عام 1992 عندما كان السوق فى مقره القديم بجوار مبنى المحافظة، قبل أن يتم نقل السوق بالكامل فى عام 1995 إلى مقره الحالى، حسبما أكد «الرجل الستينى»، متحدثاً عن سبب شهرة سوق ليبيا قائلاً: «البضائع اللى فيه 85% منها مستورد، وأسعاره أقل من بره بكتير سواء على مستوى محافظة مطروح أو على مستوى الجمهورية كلها، وهنا هامش الربح كمان قليل خالص لكن البيع كتير، ودى الطريقة اللى كان يعتمد عليها التُجار فى سوق ليبيا».

{long_qoute_1}

«البغدادى» يعمل فى تلك المهنة منذ «26 عاماً» موضحاً أن سوق ليبيا كانت بضاعته تأتى كلها عن طريق ليبيا، وأن أحد أهم أسباب تأثر السوق فى حركتى البيع والشراء الأحداث التى مرت بها ليبيا وانخفاض كمية السلع الآتية عن طريقها، متابعاً: «الأول كان التاجر بيبيع فى اليوم بألف جنيه، لكن دلوقتى لو باع بـ200 جنيه يبقى زى الفل، والوضع اختلف تماماً فى السوق عن زمان، والحركة التجارية بقت خفيفة، ده كان البيع زمان فى موسم الصيف 24 ساعة شغالين طول اليوم، لكن دلوقتى البيع بقى من بعد صلاة المغرب كده ولحد الساعة 1 بالليل، وخلاص على كده، وزى دلوقتى ماكناش نلاقى الدنيا فاضية ومفيش مكان قادر تعدى منه من كتر الناس»، مؤكداً أن التُجار بدأوا فى تعويض النقص الذى حدث من الناحية الليبية بالعديد من البلدان الأخرى «دلوقتى التُجار بقوا بيسافروا بره ويجيبوا بضاعة ويرجعوا».

يرى «البغدادى» أن الحالة الاقتصادية التى تمر بها الدولة المصرية جعلت المُصيف يضع الكثير من الأولويات فى السفر أو غيره، مضيفاً: «المُصيف بقى جاى مطروح عشان ينزل البحر وخلاص ولو مش محتاج حاجة مش هييجى سوق ليبيا، لكن الأول كان لازم المُصيف ينزل السوق هنا بمجرد ما ييجى مطروح، وبصراحة هفضل معتقد بأن اللى مجاش سوق ليبيا يبقى مجاش مطروح، لأنه فيه كل حاجة ممكن تحتاجها الناس بأسعار أقل»، مشيراً إلى أنه على الرغم من الحالة الاقتصادية الصعبة التى تمر بها مصر إلا أنه يشعر أن الوضع سيتحسن فى الفترة المقبلة.

{long_qoute_2}

وأمام أحد المحلات التجارية لبيع الملابس التى يعمل بها فى سوق ليبيا يجلس «ياسر زكريا»، 28 عاماً، على كرسى بلاستيكى، فى انتظار وصول الزبائن، موضحاً أنه يعمل فى ذلك السوق منذ 4 سنوات، وأن حركة البيع تغيرت عن السنوات الماضية تماماً، قائلاً: «الأول كان البيع حلو والناس بتشترى بكميات كبيرة، والدنيا هنا كانت زحمة جداً ومحدش يقدر يمشى جوه السوق، وماكناش بنبقى قاعدين القعدة ومش لاقيين وقت حتى نولع سيجارة، لكن دلوقتى اللى كان بيشترى من عندى فى المحل هنا 3 قطع بقى بيشترى قطعة واحدة، ده غير إنه بقى بيفاصل ويتعبنا فى السعر كمان»، مشيراً إلى أن الأسعار زادت بشكل كبير، والزبائن لم تعد تستطيع تحمل تلك الزيادات فى أسعار البضاعة.

وعن تأثير زيادة الأسعار على التُجار، يقول «ياسر»: «بنحاول نقلل من مكسبنا فى البضاعة عشان نقدر نبيعها، عشان الدنيا تمشى على الأقل ونجيب إيجار المحل ومصاريفنا من سجاير وأكل وشرب، ويا ريتها قادرة كمان تغطى المصاريف، ولا حتى معانا إيجار المحل كمان، دى الناس بتيجى هنا من الساعة 8 بالليل لحد الساعة 2 كده، لكن زمان كان البيع بيبقى لحد بعد الفجر كمان».

«عطا حسين»، 42 عاماً، صاحب محل ملابس داخل سوق ليبيا، ينتظر هو الآخر مجىء الزبائن إلى المحل، مؤكداً أن الغالبية العظمى من البضاعة كانت تأتى من ليبيا، وكان سبب اختيار ليبيا هى أن المستورد المصرى يأتى بسلع رخيصة وجودتها منخفضة، لكن نظيره الليبى يأتى إلينا بسلع نظيفة وجودتها أفضل، «المُصيف اللى جاى من القاهرة وإسكندرية محتاج بضاعة أفضل من اللى بيشوفها عشان تشجعه يشتريها سواء سعر أو جودة»، مشيراً إلى أنه بعد الأحداث الليبية، بدأ «عطا» فى تعويضها بسلع مصرية خامتها أفضل.

وعن الارتفاع الكبير فى الأسعار، يقول «عطا»: «بسبب زيادة الأسعار فى الوقت الحالى الإقبال بقى ضعيف خالص عن الأول، ده احنا كنا فى الوقت ده منبقاش قاعدين بالشكل ده خالص فى المحلات، ده احنا كنا بنبيع والدنيا كانت تمام، لكن دلوقتى البنطلون اللى كان بـ80 جنيه وصل سعره 250 جنيه، والتيشرت اللى كان برضه بـ80 جنيه بقى سعره 200 جنيه».

حريق سوق ليبيا بعد ثورة 25 يناير، كان من أكثر الأسباب التى أثرت بشكل كبير على التُجار فى سوق ليبيا، حسبما أكد «عطا» مضيفاً: «كنت ساعتها فى الدكان على الفجر كده ومشيت ومع شروق الشمس سمعنا إن فيه حريق فى السوق، جينا لقينا السوق كله على الأرض، ومحدش عرف مين اللى عمل كده لحد دلوقتى، والمحافظ اتدخل وعمل مظلة كبيرة للسوق وركبوا بلاط، وكل واحد فينا خد تعويض مادى».

قامت المحافظة بإعطاء تعويض مادى قدره 5 آلاف جنيه لكل صاحب محل داخل سوق ليبيا المُحترق، ولكن ذلك المبلغ لم يُرض أصحاب المحلات ولم يجدوا أمامهم سوى الحصول عليه، حسبما أكد «عطا»، متابعاً: «عندى بـ150 ألف جنيه بضاعة وخدت 5 آلاف جنيه تعويض، وبضاعتى كلها اتحرقت، وطبعاً المبلغ معملش أى حاجة معانا، بس ما كانش فى إيدينا حاجة ساعتها، والتجار بقى عليها كتير من الديون، وفيه ناس لحد دلوقتى بتسدد فى ديونها، وفيه ناس كتير مشيت من السوق مديونة وعليها أحكام كمان، لأن كان فيه ناس فاتحة محلين وتلاتة وجايبين بضاعة كتيرة كلها اتحرقت فمشيوا وسابوا السوق، وأعرف ناس منهم معرفة شخصية وأصحابى قفلوا خالص وقاعدين دلوقتى فى بيوتهم».

ومن التُجار والبائعين إلى الزبائن، يتجول «محمد محسن»، 44 عاماً، مدير إحدى شركات السياحة، على المحلات داخل السوق بحثاً عما يريده بأفضل سعر، جاء «محسن إلى مطروح أكثر من مرة، وفى كل زيارة يتجه إلى سوق ليبيا لشراء ما يحتاجه، حسب ما أكد، قائلاً: «الخامات هنا كويسة وبتعيش والهدوم مش بتبهت والجزمة بتستحمل وبتعيش»، يصمت «محسن» برهة ثم يتحدث عن سبب اختيار المُصيفين لسوق ليبيا، قائلاً: «السعر هنا فى السوق بالمقارنة بأسعار القاهرة يكاد يكون النصف تقريباً، وكمان المعاملة هنا مع التُجار والبائعين مُريحة وكويسة وتقدر تتكلم معاهم فى السعر وتنزله شوية، لكن فى القاهرة المعاملة بتبقى أقل وتلاقى التاجر بيتكلم من تحت ضرسه».

ويختتم «محسن» حديثه عن سوق ليبيا وارتفاع الأسعار قائلاً: «الأسعار السنة دى لاحظتها زادت نحو 20% عن السنة اللى فاتت، كمان مستغرب قوى إن السوق فاضى بالطريقة دى، ده ماكانش فيه مكان الواحد يحط فيه رجله فى نفس الوقت زى دلوقتى ده، احنا الساعة 7 بالليل أهو ومفيش حد فى السوق».


مواضيع متعلقة