إسرائيل.. وعشرية المساعدات العسكرية المقبلة

خالد عكاشة

خالد عكاشة

كاتب صحفي

معهد دراسات الأمن القومى الإسرائيلى هو مركز فكر تأسس عام 2006م كمركز أبحاث مستقل وغير حزبى. يعمل خارج المؤسسة الحكومية والأمنية، لكنه يحظى بموقع متقدم فى تحليل الوضع الإستراتيجى لإسرائيل، فالمركز ينصب نشاطه الرئيسى على القضايا المرتبطة بأمن إسرائيل القومى عبر أبحاثه الموجهة سياسياً، مستهدفاً إعلام صناع القرار فى إسرائيل، بل يمتد إلى التأثير فى القرار ذاته، وإمكانية صناعته بناءً على المعرفة، والتقديرات، والسبل الجديدة للتفكير.

كما يعد المركز مصدراً أساسياً للجهات المعنية بالتعامل مع الإستراتيجية الأمنية الإسرائيلية، بالنظر إلى باحثيه، الذين ينحدرون من خلفيات مرتبطة بالعلاقات الدولية والأمن وصنع السياسة، حيث شغل أغلبهم مناصب رفيعة فى مؤسسات الجيش، ووزارة الخارجية، ولجنة الطاقة الذرية فى إسرائيل. هذا جعل البرامج البحثية العديدة التى يعمل عليها المركز بالغة الأهمية. لكن يظل برنامجه الرئيسى والأشمل هو «برنامج الشئون العسكرية والاستراتيجية».

منذ أيام نشر المعهد، عبر هذا البرنامج، تقريراً بعنوان «خطة المساعدات الأمريكية لإسرائيل: تأثيرات استراتيجية وميزانية»، كتبه كل من شموئيل إيفين وساسون حداد كورقة تقدير استشرافية للعقد المقبل، فيما يخص المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل، حيث اعتُبرت عاملاً مهماً فى القوة العسكرية الإسرائيلية على مدار 45 عاماً. فهى تعد مصدر تمويل وإمدادات أدوات القتال الأكثر تطوراً فى العالم للجيش الإسرائيلى، لاسيما منذ حرب «يوم الغفران»، لتمثل طوال هذه الفترة 20% من ميزانية الأمن الإجمالية، يتم بموجبها تقديم المساعدات من خلال اتفاق متعدد السنوات لمدة عقد، مما يسمح للجيش بالتخطيط والشراء على المدى الطويل، كما أنه يقدم مساعدة كبيرة للصناعات العسكرية الإسرائيلية.

ذكرت الورقة الإسرائيلية أن لجنة المخصصات بالكونجرس الأمريكى صادقت فى يونيو 2018 على بند المساعدات الخارجية للسنة المالية 2019 التى ستبدأ أكتوبر 2018. وهى الخطة التى تعتمد على مذكرة تفاهمات وقعتها إسرائيل مع إدارة باراك أوباما سبتمبر 2016، والتى أقرت حزمة متكاملة من المساعدات لـ«10 سنوات» بقيمة 38 مليار دولار، تقسم إلى 33 مليار دولار من ميزانية وزارة الخارجية الأمريكية، و5 مليارات دولار من ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية لتمويل مشاريع مشتركة. هذه الخطة الأحدث والأضخم ليست الأولى بل هى الثالثة لعشر سنوات مقبلة، حيث سبقها خطتان مساعدات لسنوات (1999-2008) و(2009-2018)، لكن جاءت الأخيرة ببعض من الالتزامات الجديدة والنقاط التى وقفت أمامها ورقة المعهد الإسرائيلى.

وفق ما ذُكر، تنظر إسرائيل إلى نطاق خطة المساعدات الخارجية للعقد المقبل، فيما هو من ميزانية الخارجية الأمريكية، على أنه ارتفع فقط من 30 مليار دولار فى خطة (2009-2018) لـ33 مليار دولار (3.3 مليار دولار سنوياً). باعتبار أن حزمة المساعدات زادت بشكل رمزى، بمقدار 3 مليارات دولار. لذلك هى تنظر بشك، فيما إن كانت هذه الزيادة ستعوض ارتفاع الأسعار فى العقد المقبل، حيث نطاق الخطة الجديدة فعلياً لا يزيد على سابقته بقيم حقيقية. كما ترى أن تخصيص 5 مليارات دولار للخطة المقبلة (500 مليون سنوياً)، بإدراجها فى مذكرة التفاهمات كإطار لتمويل مشاريع مشتركة مع وزارة الدفاع الأمريكية يُلزم الجانب الإسرائيلى بالإسهام بمبلغ مماثل فى هذا النطاق. ورغم ما تشير إليه الورقة من أهمية العنوان الذى ستعمل عليه تلك الشراكة، وهو مشروع «الصواريخ والمنظومات الدفاعية» المضادة لأشكال التهديد المستحدثة، التى تستهدف عبرها إسرائيل أن تحقق تفوقاً نوعياً، على أى دولة منفردة، أو ائتلاف محتمل لمجموعة من الدول، فإنها تسجل تحفظاً حول قيود استخدام أموال المساعدات فى غير الأغراض المخصصة لها، وتشير صراحة إلى عدم قدرة إسرائيل على استخدام أموال المساعدات لشراء الوقود من الولايات المتحدة، بالأخص (وقود الطائرات) اعتباراً من عام 2019، حيث يلزم إسرائيل سنوياً منه ما يقدر بـ(400 مليون دولار) بحسب أسعار سوق الوقود الحالية.

التحفظ الثانى، له علاقة بحصة المساعدات التى يمكن لإسرائيل تحويلها من «دولار» إلى «شيكل»، لإتاحة الفرصة أمامها لشراء صناعات محلية، فوفق الخطة المقبلة، ستتقلص تدريجياً من 815 مليون دولار سنوياً، لـ450 مليون دولار عام 2025، ولـ«صفر» فى 2028. نتيجة لذلك، من المتوقع أن يشترى الجيش الإسرائيلى المزيد من الصناعات الدفاعية من الولايات المتحدة، ومن (المصانع الإسرائيلية فى الولايات المتحدة)، وبشكل أقل من المصانع فى إسرائيل. فالأمر حينئذ سيتطلب زيادة كبيرة فى نفقات الشراء، خصوصاً أن شراء الجيش الإسرائيلى من الصناعات المحلية يعتبر أرخص بكثير من الشراء من الولايات المتحدة لنفس أنواع المنتجات. هكذا جاءت التحفظات الإسرائيلية، بنص ورقة معهد دراسات الأمن القومى.

لكن يضمن التقدير، فى نهايته، ما سماه «مدلولات إستراتيجية»، حيث ينظر إلى الخطة العشرية المقبلة باعتبارها تعكس استمرار التزام الإدارة الأمريكية بالحفاظ على الأفضلية النوعية لإسرائيل، المعرف تفصيلاً من قبل الكونجرس منذ العام 2008. حيث يشمل: استخدام آليات عسكرية مجدية، ومتوافرة بكميات كافية، بما فيها من سلاح، آليات سيطرة ورقابة، اتصال، أجهزة الاستخبارات، للمتابعة وقدرات جمع المعلومات، التى تتفوق مميزاتها التقنية على الدول الفردية أو ائتلاف محتمل لدول أو للاعبين غير سياسيين.

كما يعد ترسيخ الميزانية لخطة الدفاع الصاروخية لعشر سنوات ذا أهمية كبيرة على القدرة فى صياغة خطة طويلة الأمد، لتطوير وتجهيز منظومات اعتراض ضد صواريخ وقذائف، وتعزيز أجيال جديدة من الدفاع. باختصار، إن خطة المساعدات الأمريكية للفترة (2019-2028) وفيرة، ومتوائمة مع احتياجات إسرائيل. لكنها وفق الورقة تضع تحديات أمام إسرائيل، تتمثل أولاً: فى تخطيط واستغلال جيد لإطار المساعدات، والشراء لتعظيم قدرات الجيش الإسرائيلى، خصوصاً فى ضوء التغير فى طبيعة المساعدات (دولارات أكثر، وشيكلات أقل). ثانياً: منع ضرر كبير فى الاستقلال التكنولوجى العسكرى الإسرائيلى، من خلال تقييمات مناسبة للصناعات الأمنية فى إسرائيل، مع وجوب الاعتراف بأن خطوة وقف التحويل من دولار لشيكل هى أمر واقع.