المطلوب قانون لحماية التظاهر السلمى
فاجأتنا الحكومة بعزمها إصدار قانون تحت اسم «تنظيم المظاهرات والاجتماعات»، وطرحت للنقاش المجتمعى مشروع القانون بناء على طلب المجلس القومى لحقوق الإنسان. وتؤكد قراءة هذا المشروع أنه يقيد بل يمنع حق التظاهر بما تضمنه من نصوص وأحكام، ويبدو أن من قام بصياغة هذا المشروع لا يعلم أن المجتمع المصرى فى حالة ثورية، وأن خبرة المصريين علمتهم أنهم لا يحصلون على حقوقهم إلا إذا مارسوا ضغطاً جماعياً جماهيرياً على صانع القرار من خلال المظاهرات والاعتصامات. من هنا فإن هذا القانون لو صدر سيموت بالسكتة القلبية، لأنه مهما كانت جهود رجال الأمن لن يتوقف الشعب عن التظاهر والاعتصام. وكان الأجدى بالحكومة أن تعطى الأولوية لإصدار قوانين تساعد على تحسين الأحوال المعيشية للمواطنين والسير خطوات ملموسة لتحقيق العدالة الاجتماعية، خاصة أن القوانين القائمة بالفعل مملوءة بنصوص كافية لمواجهة المخاطر التى يرغب القانون فى مواجهتها، فهناك قوانين ومواد تعاقب على قطع الطرق وتعطيل المواصلات وتخريب المنشآت، وبالتالى فإن المطلوب هو إصدار قانون لحماية التظاهر السلمى هدفه حماية المتظاهرين، وهذا هو الهدف من نص القانون على ضرورة إخطار أقرب قسم شرطة بالمظاهرة والجهة المنظمة لها والغرض منها وخط سيرها. يتطلب إصدار قانون حماية التظاهر السلمى تعديل مشروع القانون المطروح من مجلس الوزراء بشطب المادة السادسة التى تحظر حمل أسلحة أو ذخائر، لأن هذا الإجراء يتم معاقبة من يقوم به طبقاً للقوانين القائمة حالياً، وشطب المادة السابعة لأنها تتحدث عن تعطيل الإنتاج وبذلك تبرر منع الإضرابات العمالية، وتتحدث عن الإخلال بالنظام العام، وهو تعبير غامض يمكن أن يمنع أى فعل احتجاجى باستخدامه، كما أنها تتحدث عن تعطيل المواصلات وقطع الطرق، ومجال المحاسبة عليهما فى قوانين قائمة بالفعل. وشطب المادة الحادية عشرة التى تعطى لوزير الداخلية أو مدير الأمن المختص حق منع الاجتماع أو الموكب أو المظاهرة إذا توافرت معلومات عن نية المشاركين مخالفة القانون، وهو نص يمنع أى نشاط احتجاجى بهذه الحجة، والأحرى أن تتعامل أجهزة الأمن مع هذه الاحتجاجات إذا قامت بذلك فعلاً، وليس تخمين ما ينوى المشاركون فيها عمله. وإلغاء العقوبات المغلظة واستبدالها بعقوبات مناسبة لمخالفات التظاهر السلمى، ويتطلب ذلك إلغاء عقوبة الحبس تماماً وأن تكون الغرامة مبالغ تتناسب مع طبيعة المخالفة. كما يتعين تعديل المسافة التى لا تتجاوزها المظاهرة أمام المبنى الذى تطرح أمامه مطالبها، فلا تكون 100 - 300 متر بل تكون 50 متراً فقط، حتى يصل صوت المتظاهرين إلى المسئولين فى هذا المبنى. وينبغى إلغاء النص الخاص بعدم تحول المظاهرة إلى اعتصام، لأن الاعتصام شكل سلمى للاحتجاج ما دام أنه لا يعطل المواصلات، وهو ضرورى لإطالة المدة الزمنية اللازمة للضغط الجماهيرى على صانع القرار للاستجابة للمطالب. وتعديل المادة الخامسة التى تنص على حظر الاجتماع العام فى أماكن العبادة لغير غرض العبادة. أما عن الإخطار بالمظاهرة، فإنه يتم قبل 48 ساعة من موعدها، وليس قبل سبعة أيام كما جاء بمشروع القانون.
إن تعديل هذا المشروع وفقاً لهذه الملاحظات سوف يحوله من مشروع لتقييد حق التظاهر إلى مشروع لحماية التظاهر السلمى، وعلاوة على هذا فإنه من واجب الحكومة أن تعطى الأولوية فيما يتصل بحقوق المواطنين لإصدار عدة قوانين، منها القانون الخاص بتعريف التعذيب ومعاقبة من يرتكبه، وإصدار قانون ضد التمييز والطائفية وقانون حرية العقيدة. ومن المهم هنا توضيح حقيقة تغيب عن كثيرين ممن يتصدون لإصدار القوانين، وهى ضرورة أن يكون القانون منسجماً مع مواد الدستور، وسوف يكون هذا القانون غير دستورى إذا صدر على النحو الذى أصدره مجلس الوزراء.