البيئة عودة وزارة ومراجعة خطط

مجدى علام

مجدى علام

كاتب صحفي

بصرف النظر عن الاتفاق والاختلاف مع الوزير السابق للبيئة فإن الرجل منذ دخوله الوزارة لم يأل جهداً لتصنيف العاملين فيها بين عدو وحبيب، فكل من لم يتبعه عدو وكل من والاه حبيب، وخرج بهذا من منطق الاستماع للرأى والنقد بهدف المصلحة إلى الشخصنة، وهى آفة إن أصابت مسئولاً فثق تماماً أنه انتهج نهج الفشل التام، وهو ما حدث، فقد شغل نفسه بثلاثة أشياء لم يخرج منها للواقع البيئى سوى التصريحات والخطط والمطبوعات، فكان أولها أن خصص نصف وقته أو أكثر للصحافة والإعلام الشخصى لا الوعى البيئى، وشعر أن أقسام الصحافة البيئية لن تسعفه فانتقل لكبار الصحفيين والكتاب ليتحدث عن نفس الخطط والبرامج الطموحة التى لن تظهر نتائجها إلا بعد عام 2028.

وثانيها أنه فكك جهاز البيئة وشرد قياداته وقسمهم شيعاً وأحزاباً وجعلهم يدورون فى كراسى موسيقية، كل قيادة لا تستمر أكثر من ٣ شهور، ما ألحق بهم الضرر المعنوى والمادى البالغ، وهدفه ألا يعرف اسم فى مجاله ولا يبرز قائد فى تخصصه، فقد عانى شخصياً من القيادات الكبيرة للجهاز أثناء عمله بمؤسسة فريدريش إيبرت منظماً لاجتماعات ومؤتمرات جهاز البيئة، وكانوا جميعاً من التخصص والعلم ما يصعب معه أن ينافسهم.

وثالثها كل سنة مؤتمر دولى وخطة عمل وبرنامج تدريب للدعاية الإعلامية التى لا تظهر نتائجها فى الواقع البيئى، فلا مشروع واحد يحسب له لخفض التلوث، ولذا خرج من الوزارة ومعدلات التلوث زادت، وأصبحت القاهرة ثانى مدن العالم تلوثاً، ونافس المحافظين فى النظافة ففشل فى الإسكندرية وإمبابة وعاد مرة أخرى لطريقة الثمانينات لإزالة مقالب القمامة بتكلفة رهيبة تأكل الموازنة، والأولى به غلق المقالب والاهتمام بالجمع من الشارع والنقل لموقع جديد، حتى لا تضيع الأموال فى نقل المخلفات من المقلب القديم ولا تجد تمويلاً لنظافة الشوارع.

ومن الواضح أن الرجل الذى كان يفتخر أنه لا يحتاج جهاز شئون البيئة، وأنه يدير العمل بمكتبه فقط، نسى أو تناسى أن القانون الذى يحكمه ليس فيه وزارة للبيئة، وإنما وزير دولة يرأس مجلس إدارة جهاز شئون البيئة، الجهة الوحيدة المكلفة بعمل البيئة، وأن الوزارة لا بد دستورياً أن يصدر قرار بإنشائها وأن يكون لها ديوان عام بدرجاته المختلفة، وحاول الرجل مراراً إقناع الجميع أنها وزارة وليست جهازاً، بحثاً عن تضخم فى موقع يشغله إلا أن القوانين لم تسعفه، وقد ناقض نفسه حينما ورث من الوزيرين مصطفى حسين وليلى إسكندر مقترح قانون هيئة حماية الطبيعة وقانون مقترح لإنشاء هيئة وطنية لحماية المناخ، فكان أن سار القانون الأول لإنشاء هيئة للطبيعة، والثانى لإنشاء المجلس الوطنى لتغير المناخ، ما رسخ قانوناً أنه وزير دولة يشرف على هيئات أضاف لها جهاز تنظيم المخلفات، وعدد المتخصصين فى مجال النظافة فى جهاز البيئة يعد على أصابع اليد، فأصبح لديه ٣ أجهزة، هى جهاز البيئة وهيئة الطبيعة وجهاز المخلفات، بالإضافة إلى المجلس الوطنى للمناخ، وهو ما جعل وزير الدولة لشئون البيئة متخماً بهيئات ولا إمكانيات لديه، والعاملون تضخموا بالجهاز ولم يستفد منهم غير فى دوريات مكافحة قش الأرز، ووقع فى الفخ المتوقع لكل من سار مساره فى تحويل جهاز البيئة من جهاز رصد وخطط وسياسات ودعم لأجهزة الدولة لدمج البعد البيئى إلى منافس لوزارات الزراعة والتنمية المحلية فى القش والنظافة، فضعف دوره فى جهاز البيئة كمفتش عن التلوث ومسيطر عليه، ففشل فى ذلك واختلط عليه دوره فى حماية الطبيعة من حمايتها إلى تجارتها بالسياحة، وهذا دور وزارة السياحة وليس دوره، فكم لديه من كوادر ترويج السياحة البيئية حتى يتبناها!

ومن المؤكد أن الرجل تمسك بكرسيه إلى أقصى درجة ولم يتصور أنه سيخرج منه، حتى إنه بعد أن خرج أراد لبيان نشره فى وسائل الإعلام أن يقول إنه هو الذى اختار الوزيرة الجديدة، وإنها ستنفذ سياساته، كما أنه تصور أنه صاحب قضية البيئة وليس وزير الدولة المسئول عن رئاسة مجلس إدارة جهاز البيئة، فكل من انتقده من خبير أو صحفى فهو عدو شخصى له، وسعى لدى المؤسسات الصحفية لتغيير أى صحفى لا يعجبه، وحاول بشتى طرق الترغيب والترهيب استخدام اسم الدولة فى قمع آراء منتقديه، والأغرب أن أى برنامج حوار يذهب إليه يشترط ألا يحاوره أحد بل إنه رفض أن يحاوره عضو مجلس شعب، وعدة مرات يمنع حوارات الخبراء الذين ينتقدونه من إذاعتها فى البرامج التى يظهر فيها، وترك عمله متفرغاً للدعاية الشخصية، وهكذا نقل نفسه من وزير دولة يدير جهازاً إلى مالك شئون البيئة فى الجمعيات الأهلية التى يطاردها إن خرجت عن طوعه وهواه ليجعل له شلة جمعيات، كما جعل لنفسه شلة الإعلام وشلة النواب وشلة الخبراء، فكل من قال له نعم من شلته وكل من اختلف معه فى رأى من أعدائه، وانتقل بذلك من تفكيك جهاز شئون البيئة إلى تفكيك أسرة البيئة الواسعة الأطياف لتشمل المجتمع المدنى والقطاع الخاص والمجتمع العلمى الذى انفصل عنه تماماً لولا أن فرض عليه شريف إسماعيل الاستعانة بأكاديمية البحث العلمى فى قضية أسماك القرش بعد مقال لى فى هذا الشأن.

إننى وأنا أهنئ وزيرة البيئة الجديدة لتكون ثالث وزيرة تتولى هذا الموقع بعد نادية عبيد وليلى إسكندر، أذكرها بموقف هاتين الوزيرتين اللتين دخلتا التاريخ، فالأولى اختلفت مع نائب رئيس الوزراء واتهمت وزير الزراعة بمسئولية حرق قش الأرز فخرجت من منصبها، والثانية اختلفت مع رئيس الوزراء بسبب الفحم فخرجت من منصبها، ولكن الفرق بينهما وبين الوزير السابق الذى كان يسمى فى مجلس الوزراء بلقب الوزير الموافق دائماً لا يرفض لوزير طلباً ولا لرئيس الوزراء مطلباً، حتى وإن كان ضرره على البيئة واضحاً جلياً، وتنازل طوعاً عن اختصاصات جهاز البيئة لكل من هيئة التنمية الصناعية ووزارة الاستثمار، فكان الفرق بينه وبينهما أنهما دخلتا تاريخ البيئة باحترام ومواقف لن تنسى، وهو مجرد موظف بدرجة وزير لم يعرف عنه موقف ولا رأى يعترض فيه لا على وزير أو غفير يلوث البيئة، بل تحول إلى محلل لتلوث البترول والفحم والأسمدة الكيماوية والأسمنت ومصانع كيما التى لولا تدخل الرئيس السيسى ما تم حل مشكلة تلوث نهر النيل منها.

وختاماً: إن رسالتى بسيطة جداً لوزيرة البيئة، أولاً أن تراجعى كل السياسات للوزير السابق لتكون فى صالح المواطن وصحته وليس المستثمر وموازنة الدولة، مع تقديرى لأهميتهما الاقتصادية، إنك مؤتمنة على صحة الإنسان والحيوان والطيور والأسماك والنبات وليس على محفظة الدولة ولا الاستثمار، الذى تحدث عنه الوزير السابق بأكثر ما تحدث عن الناس، فاجعلى خفض التلوث مهمتك الأولى وراجعى كل خطط الوزارة فى هذا الشأن.

وثانياً اتركى كل اختصاصات الوزارات الأخرى لها واجعلى جهاز البيئة كما هو أصل مهمته مراقب ومحذر وناصح بالآراء والدعم الفنى والمالى لا منفذ للنظافة والسياحة وقش الأرز وحماية الشواطئ، فخفض التلوث وظيفتك وحماية الأنواع مهمتك والباقى دعيه لأجهزة الدولة المعنية وراقبيها، واجعلى من تقرير حالة البيئة حساباً سنوياً لكل وزارات الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدنى، ماذا فعلوا للبيئة من حماية أو ضرر، فتلك هى وظيفة هذا التقرير تنبيه الدولة كلها لدورها دون نفاق أو رياء أو خوف من فقدان كرسى، فالكل زائل ويبقى هذا الوطن أمانة فى أعناقنا جميعاً.