صراع الثعالب

كلثوم بن الأغر كان قائداً فى جيش عبدالملك بن مروان وكان الحجاج بن يوسف يبغض كلثوم فدبّر له مكيدة جعلت عبدالملك بن مروان يحكم على كلثوم بن الأغر بالإعدام بالسيف فذهبت أم كلثوم إلى عبدالملك بن مروان تلتمس عفوه فاستحى منها لأن عمرها جاوز المائة عام.. فقال لها سأجعل الحجاج يكتب فى ورقتين الأولى يُعدم وفى الورقة الثانية لا يُعدم ونجعل ابنك يختار ورقة قبل تنفيذ الحكم فإن كان مظلوماً نجّاه الله. فخرجت والحزن يعتريها فهى تعلم أن الحجاج يكره ابنها والأرجح أنه سيكتب فى الورقتين يُعدم.. فقال لها ابنها: لا تقلقى يا أمّاه ودعى الأمر لى.. وفعلاً قام الحجاج بكتابة كلمة يعدم فى الورقتين وتجمّع الملأ فى اليوم الموعود ليروا ما سيفعل كلثوم.. ولما جاء كلثوم فى ساحة القصاص قال له الحجاج وهو يبتسم بخبث: اختر واحدة، فابتسم كلثوم واختار ورقة وقال: اخترت هذه. ثم قام ببلعها دون أن يقرأها فاندهش الملك وقال: ما صنعت يا كلثوم!! لقد أكلت الورقة دون أن نعلم ما بها! فقال كلثوم: يا مولاى اخترت ورقة وأكلتها دون أن أعلم ما بها ولكى نعلم ما بها انظر للورقة الأخرى فهى عكسها.. فنظر الملك للورقة الباقية فكانت «يعدم» فقالوا: لقد اختار كلثوم ألا يُعدم.. أين نحن من الدهاء فى السياسة؟ فقد تعجبت كثيراً من عصبية المملكة العربية السعودية وهى ترفض عضوية مجلس الأمن بحجة أنه مزدوج المعايير خاصة فى أزمة سوريا. قد يكون هذا سبباً ظاهراً ولكن الأكيد أن الرياض غاضبة من تقارب أمريكا وإيران فهذا يزعجها بشدة، ولكن ما يزعجنى أنا شخصياً هو عدم توقع الرياض ذلك وهى تساهم فى إفشال المشروع الأمريكى فى المنطقة عندما دعمت عزل محمد مرسى والإخوان من حكم مصر، فالإخوان كانوا حجر زاوية مشروع الشرق الجديد ومرسى تحديداً كان ساعى البريد الذى ينقل رسائل أمريكا لإيران. واختفاء موظف البريد جعل التواصل مباشراً بين أمريكا وإيران كنوع من العقوبة للرياض ودبى بل وكل من ساهم فى خلع مرسى والإخوان من حكم مصر وتعطيل المشروع الأمريكى المبنى على تغيير خريطة المنطقة ما بين الأتراك والعرب والأكراد وإيران وإسرائيل، وعنوان هذه الخريطة هو تبادل الأراضى وظهور دويلات جديدة فى المنطقة بدافع طائفى هو صراع السنة والشيعة أو بدافع قومى ما بين العرقيات التركية والكردية والفارسية والعربية، وعصبية الرياض فى رفض عضوية مجلس الأمن عكس شدة تخوفها من السيناريوهات المؤلمة التى تنتظر مملكة الرمال، ولكن الذى يدعو للتعجب إذا كان الورقتان مكتوباً فيهما إعدام، وعلى آل سعود أن يختاروا إحداهما، فلماذا لا يفعلون كما فعل كلثوم بن الأغر؟ فالسياسة ما هى إلا صراع أفكار بين الثعالب، والغلبة لمن يملك الدهاء كى ينجو من مكر الثعالب.