2014 عام الثقافة العلمية

خالد منتصر

خالد منتصر

كاتب صحفي

المثقف عندنا فى مصر هو الذى يحفظ الشعر ويقرأ الرواية ويستمع إلى الموسيقى الكلاسيك ويحضر حفلات الباليه، لا يدخل أبدا فى تعريف المثقف لدينا أى ملامح علمية؛ فمن الممكن جداً أن يكون ملما بكل ما سبق ومتذوقا له ولا يعرف شيئا عن «الدى إن إيه» ولا يدرك ما هو الإلكترون ويجهل ما هى المجرة! من العادى جدا، بل من قبيل التفاخر وراحة الدماغ من فهم المسائل المكلكعة التى يهتم بها فقط المعقدون أن يجهل مثقف كبير ما هو الجينوم، ما هو تفسير داروين للتطور، ما هى مبادئ نظرية الكم، ما هى نظرية الانفجار العظيم، ما هى مبادئ النسبية، ما هى أهمية ناسا وغزو الفضاء، ما هى الهندسة الوراثية، وماذا ستفعل فى مستقبل الطب والزراعة... إلخ؛ لذلك السبب أقدم تحية خاصة للمركز القومى للترجمة الذى جعل من عام 2014 عام الثقافة العلمية احتفالا واحتفاء بهذا الجزء المهمل والعمود الناقص من مبنى ثقافة الاستنارة والتحضر فى مصر، المركز القومى للترجمة الذى شهد نهضة عظيمة منذ ولادته على يد د. جابر عصفور، وهو رائد من رواد الصناعة الثقيلة للثقافة المصرية بمشروع الألف كتاب الثانى ها هو يستكمل المسيرة على يد د. رشا إسماعيل فى نقلة نوعية مهمة فى تاريخ الترجمة التى طالما ركزت على كتب الأدب والسياسة وأهملت كتب الفيزياء والكيمياء والبيولوجى وعلوم الكمبيوتر، لقد ظلت ترجمات الكتب العلمية مقصورة على الجهود الفردية لمناضلين كبار مثل د. أحمد مستجير ومصطفى فهمى ونبيل على وأحمد شوقى الذى فعل المركز خيرا بأن جعله مشرفا على المشروع، وكانت معظم تلك الكتب يحصل على حق طباعتها سلاسل شهيرة مثل عالم المعرفة الكويتية أو دور نشر خاصة لا تتحمل تكلفة ركن كتاب علمى على الرف مدة طويلة، ما يعنى خسارتها أمام جاذبية توزيع كتب الطبيخ والأعشاب ومذكرات الساسة، وكان لا بد أن تتدخل الدولة بإمكاناتها وإشرافها لدعم ترجمات هذه الكتب بشكل منظم، لا بد أولا أن ترتفع مكافأة ترجمة الكتاب العلمى ولا بد أن يتم تشجيع مترجمين شبان جدد لمثل هذه النوعية الصعبة المجهدة من الكتب، زيارة معرض فرانكفورت من المشرفين على الملكية الفكرية هى رحلة مهمة، لكن الأهم أن تزور تلك الكتب أمخاخ القراء وتسكن قصور الثقافة ومدارس الحكومة ومكتبات المؤسسات والوزارات، تطرق أبواب العقول وتصدمها وتوقظها وتغربل بديهياتها وتستفز كسلها، وأتمنى أن يكون هذا المشروع العظيم بداية تحفيز للفضائيات على صناعة وتقديم برامج علمية تستعين بأفلام وثائقية لنشر الثقافة العلمية لكل أطياف الشعب المصرى لتكتمل منظومة نشر التنوير ودعم العقل النقدى؛ فمن دون تلك الثقافة سيظل الفكر المتطرف المتخلف الفاشى ساريا فى نخاع المجتمع المصرى.