عام على المقاطعة العربية: قطر ما زالت معزولة

كتب: محمد حسن عامر

عام على المقاطعة العربية: قطر ما زالت معزولة

عام على المقاطعة العربية: قطر ما زالت معزولة

12 شهراً مرت منذ إعلان الرباعى العربى، الداعى لمكافحة الإرهاب، مقاطعة قطر، رفضاً لممارساتها التى أغرقت المنطقة ودولاً عربية كبيرة بها فى الاقتتال الداخلى والإرهاب والفوضى. ففى الخامس من يونيو 2017 كان القرار المصرى السعودى الإماراتى البحرينى بمقاطعة قطر كزلزال هز أركان الإمارة الخليجية الصغيرة التى أرادت أن تلعب دوراً يتجاوز حدود حجمها الجغرافى والتاريخى والسياسى، وليس هذا بعيب، فهى بلد عربى، لكن «الدوحة» اختارت أن تلعب هذا الدور على حساب أشقائها ووحدة أبنائهم وأراضيهم.

قاطع «الرباعى العربى» قطر واتخذ سلسلة إجراءات جعلت «الدوحة» تغرق فى بحر العزلة بين أشقائها، مرتمية فى أحضان الغرباء: تركيا وإيران. والآن تدخل الأزمة عامها الثانى ولا يبدو أن قطر تريد الاستجابة لمطالب الرباعى العربى التى لا تتجاوز المطالبة بوقف النظام القطرى ممارساته الداعمة للإرهاب، والتخلى عن العناد والمكابرة، فى الوقت ذاته فإن الدول الأربع يبدو أنها تجاوزت تلك المرحلة ولم تعد قطر تعنيها فى شىء بعد أن تحولت أزمتها إلى بند هامشى صغير فى أجندة التحديات التى تواجهها تلك الدول.

{long_qoute_1}

خلال عام من قرارات السعودية والإمارات والبحرين ومصر بمقاطعة قطر ظهرت جملة من المؤشرات الاقتصادية التى تؤكد تأثر اقتصاد الدوحة سلبياً بتلك الإجراءات، الأمر الذى أدى إلى فرار الاستثمارات الأجنبية من قطر، ولجأت قطر إلى بيع حصص استثمارية للحصول على سيولة نقدية، فضلاً عن تخفيض تصنيف الشركات والبنوك القطرية، وإلى جانب المؤشرات الاقتصادية كانت «الدوحة» تغوص فى بحر معزول، لكنها حتى الآن لم تتراجع ولم تنفذ أياً من مطالب الدول الأربع الـ13 التى قدمتها لها فى بداية الأزمة، ويأتى على رأسها وقف دعم وتمويل الإرهاب، معتمدة، وفق كثير من التقارير الغربية، على قدراتها المالية للتعايش مع الأزمة.

وحتى مع اقتراب الأزمة من عامها الثانى، اتخذت قطر قبل أيام عدة قرارات حملت عدة رسائل بأنها مستمرة فى سياساتها وأنها لن تقدم تنازلات، بعد أن أعلنت مقاطعة المنتجات الخاصة بدول الرباعى العربى الداعى لمكافحة الإرهاب: مصر والسعودية والإمارات والبحرين. كما أعلن مدير الخطوط الجوية القطرية «أكبر الباكر» أن بلاده تدرس خطة إنقاذ لشركاتها حال استمرار المقاطعة، وهى إجراءات تتماشى مع الصفقات العسكرية والمواءمات السياسية التى فضّلتها «الدوحة» على الاستجابة للمطالب. {left_qoute_1}

وقال سفير مصر الأسبق فى قطر، محمد المنيسى، لـ«الوطن»: «أكدتُ منذ بداية الأزمة أنها ستستمر لمدة طويلة جداً، يمكن أن تستمر عدة سنوات، لأن قطر كان لديها نقطة قوة وهى امتلاكها أموالاً هائلة واحتياطات نقدية تمكّنها من تحمل تكاليف المقاطعة اقتصادياً، خاصة الإجراءات التى اتخذتها المملكة العربية السعودية على وجه التحديد، والتى من شأنها خنق الاقتصاد القطرى، وبالتالى تحملت الدوحة تكلفة الفرق بين النقل البرى والنقل الجوى عن طريق تركيا أو إيران مثلاً، وراهنت على ذلك، أى على قدراتها المالية». وأضاف «المنيسى»: «فى المقابل فإن لدى دول الرباعى العربى موقف ثابت لم يشهد أى تراجع والبنود الـ13 التى قُدمت للحكومة القطرية فى بداية الأزمة، قطر لم تستجب لأى منها، وبالتالى فنحن أمامنا وقت طويل لحل الأزمة».

وتابع «المنيسى»: «قطر تراهن على علاقتها بإيران وتركيا، لكن الدولتين لديهما كثير من الأوضاع الصعبة، اقتصادهما يعانى، وهما مطالبتان بإعادة النظر فى اتجاهاتهما نحو المنطقة، والتطور الأهم تغيير وزير الخارجية الأمريكى السابق، ريكس تيلرسون، وكان رئيس مجلس إدارة شركة تيكسون للغاز وهى أكبر شركة أمريكية تعمل فى الغاز القطرى، ومن قبله هيلارى كلينتون، والاثنان نجحا فى وضع كثير من المتعاطفين مع قطر فى أروقة الإدارة الأمريكية، وهذا عكس الذى سيتبعه وزير الخارجية الجديد، مايك بومبيو».

يوم الاثنين الماضى تحدثت بعض وسائل الإعلام الدولية والخليجية عن تحركات كويتية جديدة للمصالحة، مع توجه أمير قطر تميم بن حمد آل ثانى إلى الكويت، فى زيارة هى الأولى له منذ مقاطعة دول الرباعى العربى لبلاده. وقبل تلك الزيارة بيوم، استقبل العاهل السعودى، الملك سلمان بن عبدالعزيز فى «جدة» عبداللطيف الزيانى، الأمين العام لمجلس التعاون الخليجى، لكن يبدو أن الوساطة الكويتية فقدت مفعولها، خاصة بعد تصريحات وزير الخارجية القطرى تزامناً مع زيارة «تميم» إلى الكويت التى قال فيها إن الوساطة الكويتية «ما زالت موجودة، غير أن فرص الحل أصبحت بعيدة»، مشيراً إلى أن العلاقة لن تعود إلى سابق عهدها مع هذه الدول، حال انتهت الأزمة، واصفاً مواقف وإجراءات الدول الأربع بـ«العدائية» تجاه بلاده.

من جهته، قال الكاتب الصحفى الكويتى فؤاد الهاشم، فى اتصال لـ«الوطن»، إن «نظام الحمدين فى قطر مستمر فى العناد والمكابرة، ومستمر فى سياساته مهما كلف ذلك الدول العربية، ومهما تسبب ذلك فى إراقة دماء العرب والمسلمين، حتى وصلت الأزمة إلى العام الثانى، والحقيقة أنى كنت أتوقع أن الأزمة لن تنتهى خلال أشهر، لكن ما حدث أن الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب سوّت قطر ونظامها على نار هادئة». وأضاف «الهاشم»: «بالنسبة للوساطة الكويتية، فإنها ماتت وانتهت، والحقيقة أنه لم تعد هناك وساطة كويتية، وإنما تحول دورها حالياً فى الأزمة إلى ما يشبه شركة علاقات عامة، دورها توصيل رسالة من قطر إلى هنا ومن هنا إلى قطر، والنظام القطرى يتمسك بالوساطة الكويتية كنوع من التنفيس عنه، ولكن الحقيقة هذا النظام أفشل كل محاولات الحل، ولم يستجب لأى من مطالب الرباعى العربى، ويحاول استغلال الوساطة لتكون مجرد جسر من خلاله تتراجع دول الرباعى العربى عن مطالبها، لكن هذا لن يحدث».

{long_qoute_2}

وعن محاولات الولايات المتحدة الأمريكية لتقريب وجهات النظر بين طرفَى الأزمة، قال «الهاشم»: «الولايات المتحدة لا تريد حل الأزمة، ولم تقدم أى تصورات تساهم فى ذلك، بل هى تدير الأزمة الحالية بما يخدم مصالحها، وما يحقق لها مكاسب مالية واقتصادية». وتابع الكاتب الصحفى الكويتى: «مثلاً واشنطن لن تقدم أى حل للأزمة فى ظل مساعى قطر المستمرة لشراء صفقات أسلحة بمليارات الدولارات، وهى اللغة التى تفهمها الإدارة الأمريكية وتحبها».

من جهتها، وبالتزامن مع دخول الأزمة عامها الثانى، خصصت وسائل الإعلام القطرية مساحات واسعة للحديث عما وصفته بـ«تجاوز الحصار»، وهو الوصف القطرى لإجراءات المقاطعة، وقالت الكاتبة البحرينية، فوزية رشيد، فى اتصال لـ«الوطن»، إن خطاب قطر الذى لا يزال يعتمد على مقولة إن هناك «حصاراً ومظلومية» يعنى عدم الاعتراف بالخطأ ويوحى بأنه لا تفكير حقيقياً فى التراجع عن السياسات الخاطئة بدلاً من المماطلة. وأضافت: «قطر حاولت اللعب على لغة الارتباط بين المصالح الاقتصادية والاستفادة منها سياسياً، ولا تزال تراهن على تركيا وإيران، وما دامت قطر لم تغير من واقعها، فبالتالى لن تغير دول الرباعى العربى من مواقفها». وتابعت: «ما يحدث أن هناك ضغوطاً أمريكية وغربية على دول الرباعى العربى لكى تتراجع عن مواقفها، وأن توقف بعض إجراءات المقاطعة، هذه الضغوط تجرى على دول الرباعى العربى فى الوقت الذى لم تنفذ فيه قطر أياً من المطالب التى قُدمت لها، إذاً نحن أمام محاولة الضغوط على الدول الأربع وليس على قطر». وقالت: «لكن أعتقد أن الدول الأربع لن تستجيب لهذه الضغوط، حتى تستجيب الدوحة للمطالب، أو على الأقل توقف دعمها للإرهاب الذى لا يزال مستمراً». وعن مستقبل مجلس التعاون الخليجى فى ظل هذه الأزمة تابعت: «أعتقد أن مجلس التعاون سيستمر بشكل أفضل دون قطر، قطر هى التى تهدد الأمن القومى لدول المجلس، وبالتالى يمكن للدول الباقية أن تستمر دون الدوحة».


مواضيع متعلقة