صاحب أقدم محل عطارة بالغورية: «طول ما فيه فقرا فى مصر هيفضل العطار موجود»

صاحب أقدم محل عطارة بالغورية: «طول ما فيه فقرا فى مصر هيفضل العطار موجود»
وسط عشرات الأجولة التى تحوى مساحيق ناعمة وخشنة وأعشابا جافة ورطبة، يجلس إلى مكتبه.. عن يمينه ويساره تمتد أرفف خشبية تمتلئ عن آخرها بمواد شبيهة بتلك المكدسة فى الأجولة، على زجاج الأرفف الخارجى ثبتت قطع ورق صغيرة مكتوب عليها أسماء الأصناف داخل الأرفف. تسأله عن أغلى صنف لديه فيجيبك: «العنبر الأشهبى، الجرام الواحد منه بـ240 جنيها»، أما أرخص الأصناف فهى «التوابل العادية زى الشطة والكمون، ودى بنبيع منها بخمسين قرش»، تداعبه بالسؤال عن متى ستندثر مهنته كما اندثر غيرها من مهن الزمن القديم فيرد جاداً: «العطارة مش ممكن تندثر أبداً طول ما فيه فقير موجود هتلاقينا، عشان ما حدش هيعرف يطبطب على الفقرا ويمسح دمعتهم غير العطارين».
ومثل كل العطارين يضع عبداللطيف حراز، 69 سنة، بضاعته فى أجولة تحتل واجهة محله القديم الذى يطل على شارع تحت الربع بمنطقة الغورية، يتحدث حراز عن محله بنوع من التقدير، فيقول إن له تاريخاً يمتد منذ أنشأه جده الكبير محمد عبدالرحمن حراز سنة 1885 «بعد افتتاح قناة السويس بعشر سنين».. هكذا يضيف حراز الحفيد ليكمل المعلومة، وهو يقول: إن المحل أنشئ فى نفس المكان الموجود فيه حالياً، وإنه حافظ على طابعه القديم فلم يغيَّر فيه شىء، فظلت الأرفف على حالها، والأجولة مرصوصة كما كانت ترص من قديم الزمان، والبضاعة متوارثة كما المهنة أباً عن جد.
ولأن المهنة متوارثة فقد تعلمها حراز الحفيد كما يقول من والده الذى ورثها بدوره عن الجد الكبير، فقد عرف الحفيد الطريق للمحل وهو ابن 12 سنة ليساعد والده فى عمله، ثم راحت خبرة الصغير تزيد وتكبر مع الأيام فقرر أن يتخذ من العطارة مهنته، وعندما حصل على الثانوية العامة اختار أن يدخل كلية الزراعة ليصقل خبرته بالدراسة، وعندما توافرت له الفرصة اشترى مزرعة فى النوبارية وقصر الزراعة فيها على الأعشاب والنباتات الطبية التى يقول إن عددا كبيرا منها نادر ولم يعد يزرع فى أى مكان بمصر.
يملك حراز الحفيد خبرة كبيرة فى مجال التداوى بالأعشاب أو العطارة، وهو يقول: إن الأعشاب الطبية لها شهرة واسعة فى علاج كثير من الأمراض؛ فالكمون مثلاً مفيد جداً فى التخسيس وطرد الغازات، والزعفران يستخدم فى العلاج النفسى والتوتر ومقويا عاما، وكذلك لعلاج الضغط. ونبات المورينجا يحتوى على 45 حامضا أمينيا ويستخدم مقويا للقلب والشرايين وضغط الدم وعلاج السكر والتهاب الكبد والكلى. أما الخردل الأبيض فزيته يستخدم لعلاج الشعر والجلد والشرايين، ويقول إن التدواى بالأعشاب ليس له مخاطر التداوى بالأدوية الكيميائية المعروفة بآثارها الجانبية.
وبسبب كثرة المرضى الذين يترددون عليه طلباً للعلاج بالأعشاب فإن حراز يستطيع أن يعرف مرض الشخص من مجرد النظرة الأولى فيقول إن أكثر من يترددون على محله مصابون بأمراض الكلى بسبب تلوث مياه الشرب، وكذلك أمراض الكبد بسبب تلوث الخضراوات، أما السيدات فيعانين بشكل عام نقص الكالسيوم الذى يتسبب فى آلام المفاصل وسقوط الشعر، ويقول إن زبائنه من كل الطبقات، وأغلبهم أطباء وصيادلة يعرفون قيمة التداوى بالأعشاب الطبية.
خبرته فى التداوى بالأعشاب وضعته فى مكانة مرموقة بين العطارين من زملائه، وأهلته لأن يحاضرهم كل يوم خميس داخل محله، ويعلمهم أهمية كل عشب وكل بذرة يستخدمونها ويعالجون بها الناس، والأهم تذكيرهم على الدوام بأهمية الرسالة التى يقومون بها؛ فهو مؤمن بأن «العطارة رسالة»، ويقول إنها تحتاج لضمير ممن يمارسها؛ إذ فى غياب الضمير يمكن أن يفعل العطار أى شىء، وهو يقول إنه يعرف عطارين كثيرين خربت بيوتهم بسبب عدم تحكيم ضمائرهم، الأمر الذى يجعله يضع موضوع الضمير على قائمة أولوياته عندما يحاضر زملاءه من أرباب مهنته.
الضمير الغائب فى العطارة قد يؤدى بصاحبها لأن يفعل أى شىء، كأن يتاجر فى المخدرات مثلاً، وهو ما حدث مع أبطال فيلم «العار» الذى قام ببطولته نور الشريف وتم تصويره فى أحد محلات حراز الموجودة بشارع تحت الربع. يتذكر حراز الحفيد الفيلم الذى كان رب العائلة يقوم فيه بالتجارة فى المخدرات إلى جوار العطارة، ويقول إن ذلك ربما يرجع إلى أن المخدرات كانت قديماً تدخل فى باب العطارة قبل أن يصدر قانون يجرم الاتجار فيها، غير أن العطارين ظلوا لفترة، كما يقول حراز، يبيعون بذرة الخشخاش بتصريح من جهات الأمن، حتى ألغى التصريح ودخلت البذرة أيضاً فى حيز التجريم. وبعيداً عن تجريم القانون فإن حراز يقول إن المخدرات مثل أى شىء فى الدنيا لها عيوب ومميزات؛ فالأفيون مثلاً الذى يستخدم كمخدر لو تم تسخينه مع بعض الأعشاب الأخرى يمنع ظهور الشعر نهائياً، كما يمكن استخدامه كمسكن للآلام الشديدة، أما الحشيش فهو يرى أنه مفيد فى علاج أمراض كثيرة، لكنه استخدم فى مصر استخداما خاطئا بتدخينه كمخدر.
لا يتوقف البيع والشراء فى محل حراز على مدار العام، لكن رمضان له نكهة خاصة؛ فأغلب من يترددون على المحل من ربات البيوت الذين يكثرون من شراء التوابل لاستخدامها فى طعامهن، أما الياميش فهو لا يتاجر فيه، ويستعيض عنه بالتمر الجاف الذى يقول إنه رائج جداً طوال رمضان.