هنا «شارع السلخانة»: شاهدو حكايات العيد من «المدبح الجديد»

هنا «شارع السلخانة»: شاهدو حكايات العيد من «المدبح الجديد»
على طريق فرشته الدماء، وملأته رائحة الأحشاء، يستقبل «شارع السلخانة» أول طريق لـ «المدبح الجديد» بحى السيدة زينب زواره، شباب على قارعة الطريق أحدهم يحمل كيساً امتلأ باللحم وآخر بالكبدة وثالث بـ«الحلويات».
زحام وضجيج وأصوات تصاحب عمليات البيع والشراء، ميكروفونات تنادى على البضائع ما كان حياً منها أو مذبوحاً. «موسم بقى كل سنة وإنتم طيبين» يحيى بها الحاج عادل شحاته زبائنه، عادل دخل المدبح لأول مرة طفلاً فى العاشرة، ولم يفارقه حتى بعد بلوغه الخمسين «إحنا كارنا الفاكهة، بس فاكهة اللحمة، فشة وكرشة وممبار وكوارع وصلى على النبى وكُل» صوته يبدو مبتهجاً، فالزحام أمام المحل «بُشرة خير» هذا العام بعد عام «نحس» من حكم مرسى «السنة اللى فاتت كانت أسوأ سنة شفناها لكن السنة دى الحمد لله ربنا طرح البركة فى الحاجة».
40 عاماً فى المهنة و4 رؤساء لمصر ظل فيها «المدبح» كما هو لا يتغير سوى نقل موقعه من محيط مستشفى 57357 إلى مكانه الحالى «فيه ناس بتخاف من المدبح وأهله لكن كل اللى بيعاشرنا بيعرف إننا طيبين وما نحبش اللى بيلاوع» يشير بطرف يديه إلى أحد الخراف القريبة «المدبح بقى هو المكان الوحيد فى مصر من غير إخوان ومحدش فيهم يستجرى يعمل مظاهرة هنا ولا مسيرة جوه السيدة زينب هنعلقهم على طول».
«ذبح» فى نهر الطريق، أطفال يصطحبهم آباؤهم ليستشعروا بهجة العيد التى حُرموا من رؤيتها داخل منازلهم لضيق ذات اليد «أنا مش بقدر أشترى ضحية لكن الولاد بيبقى نفسهم يتفرجوا فبجيبهم المدبح أهو نشترى ونتفرج» قالها حسن مدرس الابتدائى الذى يعتبر «المدبح فسحة العيد بالنسبة لنا»، الأسعار التى زادت هذا العام بفارق جنيهات قليلة فى الكيلو المذبوح أو القائم لم تؤثر على حركة البيع، لكن حظر التجول كان له تأثير كبير «المحلات مكنتش بتقفل وبنشتغل 24 ساعة بس هنعمل إيه، آدى الله وآدى حكمته» الحاج محمد عبدالمنعم تاجر المواشى كانت أمنيته أن يلغى الحظر قبل العيد «الزباين كانت بتنزل تشترى الخرفان بعد 12 بالليل عشان المواصلات لكن دلوقتى الزبون بييجى يشترى فى عز الضهر ومش عاجبه».[SecondImage]
الابتسامة التى تعلو وجه بعض التجار لارتفاع مكاسبهم هذا العام مقارنة بالعام الماضى يعتبرها الشاب خالد، صاحب «النصل المدبب» كما يسمونه فى المدبح مجرد قسمة ونصيب «ربنا قسمها لهم السنة دى وما قسمليش، والإخوان هما السبب» لا يقصد خالد المظاهرات أو حظر التجول ولكنها خطة الإخوان التى أقبلوا على تنفيذها فى عيد الأضحى «كان بيجيلى ناس كتير سنية وجمعيات خيرية يشتروا منى، السنة دى ماحدش منهم جه».
على حلة الممبار، وقفت الست صباح لا تعرف عمرها ولا عدد السنوات التى قضتها فى المدبح، فكل ما يهمها أن تبيع محتويات الحلة قبل دخول الليل «الحمد لله كل حاجة كويسة وزى الفل بس أنا عايزة أبيع الممبار» ثم تلتفت لتنادى على بضاعتها «بـ 15 جنيه يا ممبار»، الأسعار لا تتفاوت كثيراً بين تاجر وآخر، فثمة اتفاق عرفى على توحيد الأسعار «إحنا بنشتغل إيد واحدة ومفيش حد بيخطف زبون جاى لأخوه والبركة فى الحلال» قالتها عائشة وهى تشير إلى محلين يعرضان الأسعار نفسها «الكوارع هتلاقيها من 40 لـ 45 للكندوز و20 للبتلو والممبار بـ 15 جنيه والكرشة بخمسة جنيه واللحمة بـ 45 والضانى بـ55».
«قرّب خد سكينة، قرب شوف الشوا والسيخ» يعلو النداء من وقت لآخر، نادراً ما يشترى أحدهم سكيناً جديدة ولكنه «يسن القديم»، بضع لفات على الحجر الدائرى وتعود السكين القديم تلمع من جديد بنصل حاد وقوى «السنة دى الجو نايم والحال واقف مع أن سوق اللحمة شغالة لكن سوق السكاكين نايم ولولا المسن كان الموسم باظ علينا»، فى شارع السلخانة لا يوجد أى شعار للإخوان أو صورة قديمة لـ «مرسى رئيساً» فيما حل الفريق أول عبدالفتاح السيسى ضيفاً على جميع مقاهى الحى، يشارك روادها جلساتهم ساعة العصارى «صورة السيسى مش بس متعلقة فى القهوة، دى متعلقة جوه قلوبنا ربنا يخليه لمصر ويجيب الخير على إيديه» دعاء الحاج مأمون صاحب مقهى السلخانة الذى ظل أياماً يواظب على الذهاب لمشرحة زينهم يقدم يد المساعدة لأسر ضحايا الإخوان بعد فض اعتصام رابعة العدوية «الموت كبير أوى وقصاده مفيش لا مرسى ولا سيسى.. كلنا مصريين».