محار السيسى..!!
لم يعجبنى الجانب التبريرى فى حوار السيسى رغم انضباط الأفكار الذى غلب على الأجوبة لأسئلة ياسر رزق، فالأمن القومى لا يحتاج إلى تبرير، كما أن مشهد عام فائت يكفينا لنطلق أحكاماً دون اللجوء إلى استثناء المحللين أو تنظيرات أساتذة العلوم السياسية، فالهوى لأبناء كهف المقطم كان موجهاً لإنسانية وإسلامية المصريين وطريقة حياتهم، ومباشرتهم لاستهداف الدولة المصرية لتدخل حظيرة التنظيم الظلامى كانت بادية منذ لحظات ما بعد يناير 2011، فالأطماع التى تحركها أجندة دولية مرتبطة بمشروع ثلاثى «أمريكى تركى قطرى» لا يمكن إفلاتها من إطار عام للأحداث والوقائع التى لو استرجعناها لأيقنا تماماً ما كانت مصر مقبلة عليه، فالتماس مع هذه الجماعة والاقتراب منها، خاصة فى دنيا الصحافة والإعلام يؤدى بك إلى تصورات عن تناقضات الداخل الإخوانى «انحراف وتبتل.. كيف يجتمعان؟» و«وطنية وأممية.. كيف تتفقان؟» «تسمع الشىء وضده عند حصد الفرص وجنى المكاسب ثم يرفعون لافتة التجرد!»
ولنعد إلى «السيسى»، الذى رأيت حواره مع «المصرى اليوم» انتخابياً بامتياز، فأى مرشح يقدم نفسه للناس ينبغى له أن يدرك فرصة الحديث ومناسبته رغم نفى النفى الذى أعتبره إثباتاً، لأن مسار الحديث للرجل الذى يعد حالياً بطلاً شعبياً لا يمكن تجاوزه بتحليل مناسباتى عن الظهور يوم الاحتفال بانتصارات أكتوبر بعد دحر الإخوان المظلمين، بل من الواجب وضعه فى إطار انتخابى بحت يتماس مع رغبة جماهير تنتظر كلمته، رغم اعتراض البعض الذى ينطلق من ذهنية وطنية تحمى خارطة الطريق وتضمن مستقبلاً بعيداً عن إنتاج عسكرى للحكم مرة أخرى، وبين هذه الرؤية وتلك المعضلة، يتردد السيسى لكنه سراً لا يملك سوى الإصغاء لكلمات يرددها مخلصون ومزايدون أيضاً، فما يريده المخلصون هو حكم رشيد يلتف حوله المصريون، أما المزايدون فهم فتات أزمنة الفساد والاستبداد ويبحثون عن صيغة تحميهم وتعيدهم إلى فسادهم ونفوذهم، السيسى مشدود بين هؤلاء وهؤلاء وأيضاً فى ذهنه استحقاقات الترشح التى تجعله هدفاً للنقد والتجريح أيضاً، فضلاً عن المساس بأهداف يونيو النبيلة وثورة الملايين التى ستصبح فى مرمى نيران المتربصين والمظلمين ومعها استهانة بما حدث واستهانة بالدماء، فهذه أفكار ينشغل بها السيسى قطعاً فى مواجهة رغبة جماهيرية لا يمكن إنكارها، لكن تبعات الواقع وتحدياته أكبر بكثير من قدرة أو شعبية شخص، فهى محكومة بظروف كثيرة أهمها تاريخ قريب وآخر بعيد عبر عنه السيسى نفسه «إنتوا اللى بتجيبوا الحكام وإنتو اللى بتمشوهم!»
تحكى الروائية أحلام مستغانمى فى «فوضى الحواس» عن عودة بوضياف إلى الجزائر فى مشهد مهيب، ليرى الجزائريون من خلاله بصيص نور بعد الحقبة الدموية، عندها قال: «الجزائر قبل كل شىء» وسألته زوجته يومها إن كان جاء بنية الانتحار، فرد عليها: «إنه الواجب.. كل أملى أن يمهلونى بعض الوقت».
حوار الفريق السيسى جزء من مشهد كبير يجب تقديره جيداً من جانب الممسكين بالأمر دون تسرع المحترقين وطمع المتعجلين ومراهقة المتقاعدين، هى خلطة سياسية يجب أن تتحلى بصبر المحار على آلامه، عندما يدخله رمال أو جسم غريب، فيحمى نفسه من الآلام والمخاطر فيصنع للبشرية اللؤلؤ!