رجال أعمال وزارة الأوقاف

عادل نعمان

عادل نعمان

كاتب صحفي

هذه الدائرة أو هذه الحلبة هى حلبة الصراع، أو قل عنها «مساحة الخطر»، من اقترب منها تاه، ومن أراد كشف أسرارها وأرقامها ملعون وموقوف، لكن آن الأوان أن ندعو أصحاب الشأن والقرار وكل المسئولين عن أموال ومقدرات هذا الشعب أن يفتحوا هذا الملف، ويفكوا طلاسمه وأسراره ورموزه وحقائقه، وحجم أمواله واستثماراته وممتلكاته فى مصر وخارج مصر، وريعه وأرباحه من إيجارات وأرباح الشركات والبنوك وعوائد الأسهم، وكذلك الكشف عن مصادر الصرف من هذا الريع وهذه العوائد والأرباح، وما يُصرف على الدعوة والمساجد، وما يُصرف منها فى صورة أجور ومكافآت وأرباح وحوافز للقائمين على إدارة أموال الوقف فى هيئة الأوقاف التابعة لوزير الأوقاف. ولم تكن إحالة رئيس هيئة الأوقاف إلى المعاش، بعد أن شابت الشكوك والاتهامات عملية بيع ثمانية ملايين سهم مملوكة للهيئة فى بنك التعمير والإسكان بأربعمائة مليون جنيه بالأمر المباشر دون موافقة مجلس إدارة الهيئة وقبل جنى أرباحها من البنك بشهرين والتى وصلت إلى مائة وخمسين مليون جنيه، إلا صورة من صور الفساد والإهمال، لم يكن أول السيل أو نهايته، فالسيل ينهمر من سنوات عديدة، وكان السؤال بلا إجابة: لماذا اكتفت وزارة الأوقاف بالإحالة إلى المعاش، ولماذا لم يتم التحقيق فى الأمر، ولماذا لم تعلن على الرأى العام نتائج التحقيق إذا كان قد تم، وهل كان الأمر مقصوداً، وهل التستر على هذا الأمر مخافة أن يفتح على الناس أبواب الشياطين، وأسراراً ليس من المصلحة كشف الستار عنها؟ لقد كان يجب فتح هذا الملف على وسعه لمعرفة كل صنوف الفساد فى الهيئة، وليست هذه الصورة من التواطؤ أقل أو أكثر من صور تسهيل الاستيلاء على أموال الأوقاف وأصولها، وإهدار هذه الأموال عن عمد، من صورها التكاسل والتقاعس حول المطالبة بحقوق الأوقاف لدى الغير، ومنها الكثير من غضّ الطرف عن صور السطو على أموال وممتلكات الأوقاف.

وهيئة الأوقاف المصرية شخصية اعتبارية تتبع وزير الأوقاف، وتختص بإدارة واستثمار أموال الأوقاف، والتصرف فيها على أسس اقتصادية بهدف تنمية هذه الأموال الموقوفة، وتقدر قيمة الأصول المستثمرة بنحو خمسمائة مليار جنيه، بل ويزيد، هذا غير الأموال السائلة فى البنوك وحصص الهيئة فى العديد من الشركات، والأسهم والسندات، وبعض الأصول فى البلاد الأوروبية كاليونان والسعودية والتى لم يتم حصرها كاملة حتى الآن، يقول جمال حمدان فى وقته: «إن ربع ثروة مصر العقارية تمتلكه وزارة الأوقاف»، منها فيلات وقصور ما زالت مؤجرة بمبالغ زهيدة فى أرقى المناطق بالقاهرة والمحافظات دون مراجعة لها فى هذا الشأن، وتقدر الوحدات السكنية بنحو مائة وثلاثين ألف وحدة. أما عن الأراضى، سواء أراضى المبانى أو الأراضى الزراعية، فتقدر بمئات الآلاف من الأفدنة، وبالملايين من الأمتار الصالحة للبناء، ولو عرفنا أن حجم الاعتداءات على الأراضى المملوكة لهيئة الأوقاف يصل إلى أكثر من 2 مليون متر مربع لعرفنا حجم هذه الثروات.

والسؤال: هل تستطيع الهيئة التابعة لوزارة الأوقاف إدارة هذه المملكة إدارة علمية صحيحة، وهل لديها الكوادر الاقتصادية التى تستطيع متابعة هذه الممتلكات والحفاظ عليها من المتلاعبين والمتواطئين داخلها وخارجها، هل هناك حصر شامل جامع لممتلكات الهيئة وأموال الوقف بدقة فى مصر وخارج مصر، وهل لديها خطة شاملة لإدارة هذه المحفظة فى ضم البعض إلى الآثار، والبعض إلى البيع، والآخر إلى تطويره على أفضل ما يكون، هل لدى الهيئة حصر شامل ورقم محدد لهذه المحفظة، مع العلم أن عدم وجود هذا الحصر أحد العوامل الرئيسية المساعدة فى التلاعب والاستيلاء على أصول الهيئة والسطو عليها؟! نحن نريد إجابة شافية عن كل ما سبق، هذا أولاً. وثانياً، أطالب بنزع هذا السلطان من يد وزارة الأوقاف، وإنشاء جهاز بكوادر علمية صحيحة تدير هذا الوقف إدارة علمية صحيحة، تعود بالنفع على البلاد وعلى أطراف الوقف المحددة من قبَل أصحاب الشأن، وليس قصرها على الدعوة والمشايخ والمساجد وأصحاب الحظوة من رجال الأوقاف، فهناك مستشفيات تحتاج إلى أجهزة وأدوية، ومرضى فى حاجة إلى علاج، وطرق تحتاج إلى تمهيد ورصف، وقرى فى حاجة ماسة إلى خطوط الصرف الصحى والمياه النقية الآدمية، بدلاً من قصرها على المساجد وعلى مرتبات ومكافآت أصحاب الحظوة، ثم إذا كانت وزارة الأوقاف هى المنوط بها إدارة أموال الوقف لأنها أموال الله كما يقولون، فليس ثمة علاقة بين أن يكون مال الوقف هو مال الله المرهون بشرط الواقف، وأن تديره وزارة الأوقاف أو إحدى هيئاتها، فهى ليست مسئولة أو وكيلة عن الله فى إدارة أمواله، وهذا أمر موكول إلى ولى الأمر، أن يختار الأصلح والأنسب والأعلم فى إدارة هذه الأموال، فالله لا يرضى أن تدار أمواله على هذا النحو. لقد آن الأوان أن نرفع عن هذه الأموال سلطان وسطوة رجال الدين، وأن يحاسب رجل الدين كما يحاسب غيره، فلا حصانة دينية لأحد، ولا علم له فى أمر لا يخصه، ولا يتولى مهامَّ العلمُ فيها هو الفيصل والقرار، وإدارة الأموال علم، وتحصينها والحفاظ عليها ليس بالأحجبة لكن بالخبرة والعلم.