الفهد الأسود.. فَهد أم قِط؟!

أحمد عبده

أحمد عبده

كاتب صحفي

بلاك بانثر أو الفهد الأسود.. جلالة الملك "تيتشالا T'Challa" ملك واكاندا الشاب وحارسها الأمين، وبطلها الخارق صاحب المخالب الحادة والخاتم الملكي الذي ورثه عن والده، والجسد الصلب ذو القدرات الخارقة التي لا يمكن تخيلها، والتي اكتسبها من مسحوق العشب الذي يشبه القلب، والطقوس الواكاندية القديمة.. إنه أول بطل خارق أسمر البشرة من أصول إفريقية في تاريخ القصص المصورة العالمية، وليس في عالم مارفل فقط!

ظهرت شخصية الفهد الأسود لأول مرة على صفحات إحدى مجلات مارفل في سلسلة فنتاستك فور أو الأربعة الرائعون الأولى، تحديداً في العدد رقم 52 الذي صدر في يوليو 1966 و هو من كتابة المبدع و الأب الروحي لصناعة الكوميكس "ستان لي Stan Lee" و من رسوم و تصميم رسام الكوميكس الرائد صاحب المخيلة الخصبة "جاك كيربي Jack Kirby". منذ ذلك الحين و هو واحد من أنجح شخصيات الكوميكس في عالم مارفل و أكثرهم تميزاً واختلافاً و واحداً من الأبطال الخيالية القريبة لقلوب جميع القراء و المتابعين من حول العالم، حيث صدر له عدد كبير من سلاسل الكوميكس الخاصة الناجحة، أحدثهم سلسلة "يعيش الملك Long Live the King" من كتابة الكاتبة الإفريقية المذهلة "ناندي أوكرافور Nnedi Okorafor" في أواخر 2017. بالإضافة لعدد كبير جداً من العروض التلفيزونية و الرسوم المتحركة وألعاب الفديو التي ظهر فيها بلاك بانثر و حقق نجاحاً كبيراً فيها ومشاهدة عالية.

في عالم مارفل السينمائي الحديث MCU قدمت مارفل لأول مرة الفهد الأسود للسينما في فيلم "كابتن أمريكا: الحرب الأهلية" الذي عرض في عام 2016 كنوع من جس نبض الجمهور و معرفة مدى إستعداده و حماسه لمشاهدة هذه الشخصية الخارقة الجديدة على الشاشة و كانت الشخصية من تجسيد النجم الإفريقي المتميز "شادويك بوسمان Chadwick Boseman"، المفاجآة و التي ربما لم تتوقعها حتى مارفل هي أن الشخصية بمشاهدها القليلة في الفيلم قد لاقت نجاحاً منقطع النظير و شعبية رهيبة و إقبال كبير وصل لدرجة أن العديد لم يذكر من الفيلم إلا مشاهده تقريباً و بدأت المطالبة الحثيثة بين الجماهير بفيلمه الخاص مما حفذ مارفل لخوض المرحلة التالية و إطلاق فيلمه الخاص الأول في فبراير 2018.

الفيلم الجديد لـ بلاك بانثر تم إطلاقه للجماهير في 16 فبراير 2018 و هو من إنتاج استديوهات مارفل و التابعة بدورها لإستديوهات ديزني و هو من كتابة "جو روبرت كول Joe Robert Cole" بالتعاون مع "ريان كوجلر Ryan Coogler" و من إخراج ريان كوجلر أيضاً، و هو من بطولة عدد كبير من النجوم العالميين من الأصول الإفريقية في معظمهم و أهمهم في رايي النجوم: شادويك بوسمان في دور تيتشالا أو الفهد الأسود و "مايكل بـ. جوردان Michael B. Jordan" في دور الشرير الرئيسي في الفيلم إريك كيلمونجر و "آندي سركيس Andy Serkis" في دور يوليسس كلو و هو الشرير الإضافي و "لوبيتا نيونجو Lupita Nyong'o" في دور ناكيا حبيبة تيتشالا و "دانيا جوريرا Danai Gurira" في دور أوكويا حارسة تيتشالا الشخصية و"مارتن فريمان Martin Freeman" في دور إيفريت كـ. روس عميل المخابرات الأمريكية والذي تورط في أمور أكبر منه بكثير و"ليتيتيا رايت Letitia Wright" في دور شوري اخت تيتشالا المخلصة وخبيرة التكنولوجيا الأولى في واكاندا و"وينستون ديوك Winston Duke" في دور موباكو زعيم قبيلة الغوريلات البيضاء المنبوذين وأخيراً النجم "فورست ويتكر Forest Whitaker" في دور كاهن القبيلة وكاتم أسرار المملكة زوري.

الفيلم يختلف حقاً عن كل ما جاءت به استديوهات مارفل من قبل و عن كل ما قدم من عالم مارفل الفسيح للسينما، قصة الفيلم في مجملها و بدون حرق تدور حول " تيتشالا" ملك واكاندا الجديد الذي يصعد للعرش في هذه الدولة الإفريقية المنعزلة و المتقدمة تكنولوجياً، لكن استحقاقه للعرش يتم اعتراضه و مواجهته من قبل دخيل حاقد كان في طفولته ضحية لخطأ والد تيتشالا الكبير و الغامض جداً!

لقد نجح فريق عمل الفيلم حقاً في تخيل و بناء هذه الدولة الخفية المعزولة عن الجميع و المتطورة تكنولوجياً و التي تدعى "واكاندا" و التي بنيت حضارتها بالكامل على معدن الفايبرينيوم Vibranium الخيالي المنيع و الذي لا يوجد مثله في مكان آخر على الأرض و الذي أعطاهم قوة وإمكانيات هائلة في كل تقنياتهم وأسلحتهم وأدواتهم.

فعلاً لقد انبهرت بكل هذا الكم من تصميمات المركبات الطائرة و وسائل النقل والأسلحة والتقنيات والمعامل والأزياء والألوان والأدوات الخاصة جداً والتي لا يوجد مثلها في مكان آخر على وجه الأرض بدون مبالغة.. فعلاً لقد نجحوا في إيصال هذا الإحساس للمشاهد بأنها دولة خصبة معزولة بشكل كامل ومحكم لم تتشارك بتقنياتها وخبراتها وثقافاتها وحضاراتها ومواردها مع أي دولة أخرى.. كل هذا ودون الخروج عن تصميمات واكاندا في الكوميكس وعوالمها.. فعلاً شيء رائع و مذهل!

مراسم تتويج الملك في واكاندا للجلوس على العرش و الصراع مع المعارضين على قمة الشلال الرهيب المرتفع جداً، كانت قمة في الروعة و الحماسية حقاً و في بعض المشاهد قد تحبس الأنفاس فنتيجة هذا الصارع الخطير قد تقلب كل الأمور رأساً على عقب بشكل لا يمكن توقعه و الخاسر نهايته مميتة لا محالة...إما مطعوناً و غارقاً في دمائه على جُرف هذا الشلال العظيم أو راقداً في قاع النهر للأبد بعد سقوطه من هذا الإرتفاع الشاهق و الماء يغمره من كل جانب!

تصميمات الأزياء كلها مذهلة و عبقرية و تتوافق بشكل كبير مع التصميمات في الكوميكس و خصوصاً في الإصدارات الحديثة منها، تصميمات زي بلاك بانثر من البداية رائعة و تتمتع بمخالب حادة قابلة للإنسحاب و هي مصنوعة بالكامل من نسيج الفايبرينيوم المنيع و الذي يمكنه تصدي نيران الأسلحة الثقيلة ولكن ما أضيف على كل هذا في الفيلم الجديد هو أنه أصبح يرتدي نسخة جديدة من البذلة بمقدورها امتصاص القوة الحركية (ممثلة بالأضواء الأرجوانية في الفيلم) وإطلاقها بعد ذلك في صورة موجات صادمة تجاه الخصم بعد تجميع القدر الكافي منها! كما يمكن للبزة ان تطوى بالكامل في قلادة فضية عجيبة!

لابد و أن أشيد بالطبع بقدرات ريان كوجلر الإخراجية، فهو أصغر المخرجين العالميين سناً و واحداً من أفضلهم و أميزهم بدون مبالغة...لم يترك شيء للصدفة داخل العمل و لمساته و أفكاره كانت واضحة في كل جنبات الفيلم. كما لابد أن اشيد بالنجم شادويك بوسمان في دور تيتشالا فقد جسد شخصية الفهد الأسود كما في الكوميكس تماماً و نجح أن يوصل للمشاهد روعة هذا البطل ومدى حزنه لفقدانه والده ملك واكاندا الأكبر وكم المسئوليات التي اصبحت على عاتقه وحده تجاه هذه البلد التي يثق شعبها به والمهام والصعاب التي لابد من مواجهتها وخوضها بدون تراجع، أيضاً إصرار بوسمان على استخدام لكنة إفريقية خالصة طوال الفيلم لجميع سكان واكاندا جعل من الفيلم أكثر مصداقية وأوصل الأحاسيس والجو العام للعمل بشكل صحيح!

لا يمكن أن نتجاهل أيضاً النجم مايكل بـ. جوردان في دور إريك كيلمونجر فهو شرير مختلف حقاً ولا يملك قدرات خاصة و تعرض لظلم كبير جداً في طفولته و قد يكون له الحق أيضاً في العرش تماماً مثل تيتشالا إذا ما تبنينا وجهة نظره و رؤيته للأمور! وهو ذكي جداً ويعرف ماذا يفعل بالمناسبة! كما لا يمكننا تجاهل المذهل آندي سركيس في دور يوليسس كلو أو نسيانه.. لقد أبدع حقاً في تجسيد هذا الدور.. فهو الرجل المستغل العبقري الذي نجح في دخول أرض الخيرات والبدع المعزولة عن الجميع "واكاندا" والخروج منها بدون اي مكروه او اذى، بل والأدهى انه نجح في خداعها واستغلال بعض تقنياتها الحديثة المتفردة والاحتفاظ بها لنفسه! هو الوحيد الذي نجح في هذا على وجه الأرض.. يا له من شخص خبيث مراوغ.. وقد نجح في إظهار هذا!

الدور النسائي في الفيلم كان له أهمية و تأثير كبير جداً في مجريات الأحداث، لقد أعطاهم العمل حقهم بوضوح كبير فنجد أوكويا هي حارسة الملك الشخصية بطولها الواضح و جسدها الممشوق وقوتها التي قد لا يمكن لرجل أن يحل محلها فعلاً وقد جسدت دانيا جوريرا الدور بنجاح فعلاً وكانت هي المثالية لهذا بدون مبالغة. أيضاً نجد شوري أخت تيتشالا ورائدة العلوم والتكنولوجيا المتفردة في واكاندا بأداء رائع من ليتيتيا رايت. ونجد الفاتنة السمراء لوبيتا نيونجو في دور ناكيا حبيبة تيتشالا وأحد الشخصيات المحورية في الفيلم والتي ستساعد كثيراً الملك الشاب في أخذ العديد من القرارات! فعلاً كل هذا مميز حقاً!

المؤثرات البصرية و الصوتية كانت متقنة و مثالية إلى أبعد الحدود و كانت كفيلة بجودتها أن تدخلك في عالم الفهد االأسود و عالم واكاندا بكل سهولة و يسر، أما تقنية العرض ثلاثي الأبعاد فكانت جيدة جداً و ساعدت على هذا بشكل كبير. الموسيقى التصويرية للفيلم كانت رائعة حقاً و في مكانها الصحيح، جميع التراكات الصوتية كانت مميزة و حماسية و خاصة أغنية المذهلان ويكند The Weeknd وكندريك لامار Kendrick Lamar والتي تحمل عنوان "Pray For Me أو صلوا من أجلي" فعلاً هي الأفضل في رايي وتحمل كل معاني الفيلم الإنسانية.. كانت ملهمة حقاً!

الجدير بالذكر أن الأرقام القياسية التي كسرها الفهد الأسود بمجرد عرضه في السينما كانت مذهلة و عديدة جداً، أهمها في رايي "فيلم الأبطال الخوارق الأعلى تقييماً" فنجد أنه على موقع روتن توميتوز Rotten Tomatoes و هو الموقع النقدي الأكبر و الأدق للأفلام و السينما العالمية، قد حصل على تقييم 97% و بهذا يكون قد تفوق على الرجل الحديدي Iron Man (94%) و لوجان Logan (93%) بل و المنتقمين Avengers و ثور راجناروك Thor: Ragnarok و سبيدرمان هومكامينج Spider-Man: Homecoming فجميعهم يقفون على التقييم 92% منذ وقت طويل! أيضاً هو " فيلم الأبطال الخوارق الأعلى أرباحاً من حيث التذاكر المسبقة داخل و خارج أمريكا" فنجد أنه حتى الأن فقط قد تعدى الـ $170 مليون دولار داخل أمريكا و بهذا يكون قد كسر الرقم الذي حققه فيلم زاك سنايدر باتمان ضد سوبرمان: فجر العدالة Batman V Superman: Dawn of Justice، ومازالت الأرقام في تزايد مستمر!

ولا تنسوا أن مدة عرض الفيلم هي ساعتان و 14 دقيقة وهناك مشهدان خفيان أو Hidden Scenes في نهاية الفيلم!

في المجمل أرى أن الجزء الأول من بلاك بانثر كان ممتازاً حقاً وجاء على المستوى المطلوب وتفوق في رايي المتواضع على أفلام كوميكس عديدة ولكنه على الرغم من كل شيء ليس الأفضل!

تقيمي العام للفيلم 9 من 10 وهو بالطبع عمل فني متكامل يستحق المشاهدة!

لا تنسوا أن كل هذه مجرد أراء واجتهادات ومحاولات ولهذا ننتظر ارائكم واستنتاجاتكم في الردود بالأسفل.. الفهد الأسود.. هل هو فَهد حقاً أم مجرد قِط؟!