عودة «الوفد»

(1)

لو كان حزب الوفد جاهزاً فى 25 يناير 2011، لكان له شأن آخر.. لكن الحزب الذى صَمَدَ فى 25 يناير 1952 أمام بريطانيا العظمى.. وقدّم أداءً أسطورياً على مستوى السياسة والوطن.. لم يصمُد أمام بعض المغامرين وأنصَاف الموهوبين.. وحفنة من التنظيمات والائتلافات الركيكة.. التى ملأت فراغ ما بعد «مبارك».

ستون عاماً كاملة من يناير 1951 إلى 25 يناير 2011.. من الحزب الأكبر فى العالم الثالث، وأحد أشهر أحزاب العالم.. إلى الحزب الذى لم يعد قادراً على تعريف نفسه.. ولم يعد قادراً على وصف موقفِه وموقعِه.. وبدا فى بعض الأوقات كحزب صغير يتسوّل تحالفاً مع هذه الحركة، أو هذه الجماعة.

لم يكن قادة الحزب وحدهم المسئولين عمّا جرى.. بل يشاركهم الأداء قادة سابقون، ونخب وفديّة متعاقبة.. انصاعت وراء معارك داخلية بائسة.. وصراعات على استقطاب أبناء المحافظات بوسائل أكثر بؤساً.. دون أىّ تطوير للمنهج أو الرسالة.. للفكرة أو الحركة.

لقد استطاعت «حركة 6 أبريل الناشئة» أن تخطف الأضواء ثلاثة أعوام كاملة.. كممثل لليمين.. بعد أن انزاح «الوفد» عن واجهة المشهد.. بمثل ما استطاع «الاشتراكيون الثوريون» الذين لا تزيد أعدادهم على ملء فناء مدرسة.. اختطاف اليسار بعد تراجع التيارات الناصرية والقومية إلى دائرة «الأيديولوجيا المهجورة».

كان «الوفد» هو «البيت الوحيد» الذى يناسب كل النخب السياسية القديمة والجديدة.. التى اهتزت حساباتها بعد ثورة يناير. لم يكن هناك ملاذٌ مناسب لنخب الحزب الوطنى الذى تلاشى فى ساعات، كما لم يكن هناك ملاذٌ للتكنوقراط والشباب والسياسيين الجُدد سوى ذلك الحزب العريق.

لم يكن البيت جاهزاً لاستقبال أحد، بل إنّه لم يكن جاهزاً لاستقبال سكانه الأصليين.. لقد ضاقت بيوت «الوفد» بما رحبت.. وأصاب الاسم الكبير كثيرٌ من الدّوار والهزال.

(2)

جاءت ثورة يونيو وحزب الوفد يواصل الهبوط.. وطموحات أشخاص عاديين فيه تزداد قوة وشراسة.. بينما كبار الوفديين أسرى اليأس أو الابتعاد أو الإبعاد.

إلى حد كبير.. غابت المناصب الكبرى، والأسماء الكبرى، والعقول الكبرى.. غابت العائلات السياسية.. ونجوم الحركة الطلابية.. كما غاب أصحاب المكانة ورموز الريف ومن يمتلكون موهبة السياسة والإدارة.

كان هناك عدد من القابضين على جمْر الحزب.. يحاولون وينتظرون.. كما كانت نوايا القيادة طيّبة هى الأخرى.. تصحو بين الفترة والأخرى على ضرورة التجديد وإعادة الترميم.. واستعادة الثقة.

(3)

فى عام 2018.. ثمّة جديد.. ربمّا يكون جيّداً.. تمّت حماية الهيبة من عوامل الانكسار، وتمّ الحفاظ على الكيان الكبير من احتمالات الاندثار.

استمعتُ إلى رؤى متميزة من القادة الجُدد.. إنهم يتحدّثون عن المؤسسية، وعن استعادة المنشقين، وعن دعم الحزب الكبير برموز جديدة، ودعم الجمعية العمومية بأعداد كبيرة من الأعضاء.

لا يمكن القول إن حزب الوفد 2018 انطلق إلى حيث يجب أن يكون.

لم ينطلق حزب الوفد بعد.. ولا يمكن وصف ما يجرى بأنه استعادة للقوة.. لا يزال ذلك أمراً بعيداً.. لكنّ ما يمكن وصفه -بقدر كبير من الثقة- أن ما جرى هو «استعادة الأمل».

إن السياسة المصرية تشهد «عودة الوفد».. وهذا أمر رائعٌ حقاً.

حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر..