فى مركز الكلى: جزيرة الرحمة.. اغسل كليتك بجنيه

كتب: صالح رمضان وأحمد العميد

فى مركز الكلى: جزيرة الرحمة.. اغسل كليتك بجنيه

فى مركز الكلى: جزيرة الرحمة.. اغسل كليتك بجنيه

لا يفصلك عن الزحام والسيارات المكتظة وأصوات الضجيج سوى خطوات بسيطة تحولك إلى شخص فى عالم آخر هادئ نظيف منظم، لا يعتقد أحد أنه قد يكون هناك أفضل من هذا المكان نظاماً وانضباطاً، بدءاً من رجال الأمن على مدخل مركز أمراض الكلى بالمنصورة المطل على شارع «جيهان» الشهير، والكشك الذى يجلس فيه مندوب من العلاقات العامة، الذى يطل بابه على الحديقة الكبيرة المبدورة بالورود وجو يبعث على الحياة.. هذا من الخارج.

فى الداخل ساعة ذات تصميم أفريقى مختلف أحضرها معه نائب رئيس زيمبابوى السابق كهدية للمستشفى فور إجرائه عملية زرع كلى منذ سنوات، ثم تخطو خطوات قليلة حتى تقف أمام طرقات منيرة وهدوء مستمر وورود مزروعة داخل أوعية تحاصر السجاد الطويل المنبسط على أرض الطرقات التى تذهب بك مباشرة إلى المعامل وغرف خاصة بالأطباء، بينما يجلس المرضى على أسرتهم المريحة فى الطوابق العليا، ويمنع الدخول إليهم، حيث المناعة الضعيفة، التى عليها أجسادهم لحين التصاق العضو الجديد المزروع بداخلهم.

طوال حياتها عاشت داخل قرية الخطارة بقنا لم تشعر بشىء يؤرق صحتها الجيدة واللعب مع الأطفال لتنمو وتصبح فتاة كبيرة تحصل على شهادة «دبلوم صنايع»، حتى تقف على المحطة الكبرى فى حياتها لتركب زينب أحمد محمد، 30 عاماً، قطار الزواج من «محمد» ابن الأقصر، الذى يعمل فى مجال السياحة بمرسى علم.. شاءت الأقدار أن يتزوجا ويستقرا فى مدينة القصير بالبحر الأحمر بجوار مقر عمل الزوج، لتُنجب «رويدا» فى عامها الأول، وتبدأ المعاناة هنا عند نقطة الأمومة التى كشفت النقاب عن إصابتها بالفشل الكلوى.

{long_qoute_1}

«حسيت بألم جامد فى جنابى بعد الولادة القيصرى، وماكنتش قادرة أمشى على رجلى من الألم، ورُحت عند دكتور قال لى اعملى تحاليل، وبعدها قالوا لى عندك فشل كلوى».. كانت هذه هى المرة الأولى التى تعرف بفشلها الكلوى للكليتين، لتبدأ من ذلك الوقت فى بداية 2014 رحلة الغسيل الكلوى المؤلمة، التى وضعت لحياتها حداً تقف عنده: «فى الوقت ده عرفت أن حياتى وقفت وهافضل أعانى على طول، ومش هاقدر أعيش زى الأول لما قالوا لى إن الكليتين فيهم فشل»، لكنها ظلت شهوراً عدة تجرى عملية الغسيل الكلوى فى أحد المستشفيات العامة بمدينة القصير، لكن زوجها فكر كثيراً فى عرضها على أطباء فى مدينة الأقصر لبحث ما إذا كانت هناك طريقة للتخلص من المرض وحله نهائياً، فثلاثة أيام فى الأسبوع، تُرهق زوجته التى تتكفل بتربية طفلته الصغيرة فى أجواء مشوبة بالحزن والاكتئاب.

لم يستمر الأمر طويلاً، فسرعان ما سمعت عن الحل الأمثل لعلاجها من خلال زرع كلى فى أحد المستشفيات بالمنصورة لتهرع مسرعة تقطع مسافة 800 كيلومتر إلى مركز أمراض الكلى والمسالك البولية التابع لجامعة المنصورة بمحافظة الدقهلية، لتجد طابوراً طويلاً على شباك تذاكر الدخول، لكنه يتحرك بسرعة، فقط ما يعطله هو البحث عن «فكة»، فثمن التذكرة هو جنيه واحد، لكن المشهد الذى رأته فور دخولها مختلف تماماً عما اعتادته فى الأقصر وفى مدينة القصير بالبحر الأحمر، مدخل فسيح وحدائق خضراء ومبانٍ تبدو جديدة لتوها، نظام لم تقع عليه عينها فى السابق، كان المنظر الرائع الذى تشاهده سبباً فى تهدئة روعها: «روحى اتردت لى لما دخلت المستشفى وشُفت نضافتها، حسيت أن المنظر حلو، والمستشفى كويسة، قلت ربنا يجعل شفايا على إيديهم، وكمان الدكاترة كويسين»، مشيرة إلى أنها أول تجربة مرضية تعيشها، وأنها لم تكن تعانى من أى مرض سابقاً، لكنها شعرت بأن الحل قد يكمن داخل هذا الصرح الطبى الكبير الأنيق، مركز أمراض الكلى بالمنصورة، حتى إن طالت فترة انتظارها التى حدّدوها بأن موعد إجراء عملية زراعة الكلى سيكون بعد ثلاثة أعوام، نظراً لكثافة الطلب على إجراء العملية من آلاف المرضى المتردّدين على المستشفى من جميع أنحاء الجمهورية، وخلال هذه الفترة أقامت داخل إحدى الوحدات السكنية بالمنصورة بجوار المركز الذى سيُجرى لها عملية نقل كلية من شخص آخر إلى داخل جسدها لتعمل بها وتنتهى من مشوار الـ«3 مرات» فى الأسبوع لغسل الكلى.

{long_qoute_2}

وتشير «زينب» إلى أنها عانت معاناة صعبة، لكنها بعد إجراء العملية شعرت بأن الحياة عادت إليها من جديد، ولم تصدق أن فى مصر مستشفى بهذا الحجم وهذه الخدمة، بل وتكون مجانية: «حسيت أن فيه أمل فى مصر، ودلوقتى ملكت الدنيا، مش لاقية كلام أقوله، يعنى خلاص مش هاغسل كلى تانى وأروح المستشفى كل يوم ويوم، أنا قبل العملية كنت حاسة أن الدنيا خلاص بتنتهى، بس خلاص، خلونى أحب الحياة ورجعوها لى تانى بفضل ربنا بعدما فقدت الأمل».

من جهته، يقول الدكتور باسم صلاح وديع، مدير مركز الكلى والمسالك البولية بالجامعة، إن المستشفى أجريت فيه أول عملية زرع كلى فى أفريقيا وفى المنطقة العربية والشرق الأوسط، وهو ما يعطى سمعة جيدة للمستشفى، ومنذ زمن إجراء العملية الأولى والمركز يسير فى تقدم وانضباط شديدين، مشيراً إلى أن المركز يتألف من ثلاثة أجزاء رئيسية، الأول مبنى رئيسى يطل على شارع «جيهان» بالمنصورة وبه العيادات الخارجية، وفرع فى منية سمنود بمركز أجا يبعد 22كم به 40 سريراً وغرفتا عمليات، المستشفى قائم على تخصص واحد وهو كلى ومسالك بولية تخصص جراحى وتخصص باطنى، وهو أمراض الكلى، وعدد المرضى الذين زاروا العيادات الخارجية فى عام 2017 نحو 136 ألفاً و500 مريض، دخل منهم المركز 13 ألفاً، ويستقبل المركز مصريين وعرباً وأجانب وأفارقة».

وعن تكاليف العلاج، يقول: «المستشفى يتبع جامعة المنصورة، وله موازنة خاصة، ونحن مؤسسة غير ربحية، ونعالج 86% مجاناً، لا يدفع المريض سوى تذكرة العيادة الخارجية، وهو جنيه واحد، فى حين تكلفة عملية الزرع تتكلف من 70 إلى 100 ألف جنيه، والتأمين الصحى بيغطى 5 آلاف فقط، وإذا كان المريض محظوظاً يغطى 10 آلاف»، لافتاً إلى أن قوائم الانتظار تصل إلى 3 سنوات، نظراً لعدد الحالات المتقدّمة، وهى بالفعل مواعيد طويلة لدى المرضى، ولدى المركز رغبة فى تقليل المدة، لكن المركز مقيّد بعدد الأسرة المتاحة.

وأضاف الدكتور أيمن الرفاعى، رئيس وحدة الكلى بالمركز، أن «المركز أنشئ قبل 42 عاماً، وعدد حالات زرع الكلى وصل إلى 2921 حالة، واقتربت من 3 آلاف حالة نهاية 2018، وبرنامج المركز متميز جداً، ونتعامل مع المتبرّعين الأقارب فقط، إلا فى ظروف استثنائية تتعلق بوجود أمراض وراثية، فوقتها نطلب أن يكون المتبرع خارج الأسرة»، مشيراً إلى أن المركز يقوم بمتابعة حالاته حتى بعد العملية وتقديم العلاج والعقاقير المثبطة لهم، وهى ذات كلفة عالية، لأنها مستوردة من الخارج، ويتم صرف هذه العقاقير أحياناً بصور مجانية مدى الحياة، رغم أن كلفتها عالية قد تصل إلى الآلاف شهرياً، متابعاً: «المريض أول ما يحس بتعب بييجى على المركز، لو احتاج علاج، المركز بيقدمه ليه، وإذا احتاج دخول المركز بيدخل بشكل فورى، أضف إلى ذلك أن عمليات زرع الكلى تتم فى ظروف صعبة، عيوب خلقية فى مجرى البول أو فى المثانة، لكن هنا تتم بنجاح، نتيجة خبرة تراكمية من 3 آلاف حالة».

ويقول: «الشىء المهم أن نتائجنا فى زرع الكلى تضارع النتائج العالمية فى أوروبا وأمريكا، من حيث معدلات الإعاشة، سواء فى الكلى أو المرضى، واللى لا بد من عمل بحث علمى على مستوى عالٍ فى المجلات، والدوريات العلمية المفهرسة تعج بكثير من الأبحاث العلمية اللى خارجة من هذا المكان، سواء فى نشرها بالمجلات العلمية أو حتى فى مؤتمرات دولية، فده كان نتاج مشرف، على مستوى البحث العلمى».

وعن المرضى الذين يحصلون على أولوية فى زرع الكلى، أضاف أن المركز يُعطى أولوية للمرضى الأطفال أو الحالات الخطيرة، والأطفال يحصلون فى العادة على التبرّع من أحد والديهم، ويكون حجم الكلى كبيراً على الطفل، لكن جراحياً يكون ممكناً: «يوجد عندنا حالة شُفتها، وهى فى المرحلة الثانوية، وكانت أمها تتبرع لها بكليتها، ثم رأيتها وهى فى المرحلة الجامعية، ثم مع خطيبها، ثم وهى حامل، ثم أجرت عملية ولادة مرة، ثم أتت لتُجرى عملية ولادة ثانية، لكن فى هذه المرة كانت والدتها تلد هى الأخرى، فأصبحت هى ووالدتها هنا تلدان فى يوم واحد».

لمشاهد الفيديو اضغط هنــــــــــــــــــــــا

اقرأ أيضًا:

جولة فى المحافظات الدقهلية.. عاصمة الشفاء

مركز الجهاز الهضمى بالمنصورة.. خدمة «فايف ستار» وأعلى نسبة نجاح للعمليات.. والمرضى: «مش مصدقين أنها حكومى»

رئيس جامعة المنصورة: لدينا 17 مستشفى ومركزاً جعلت المدينة «عاصمة الطب»

«المنصورة الجديدة».. «سيمفونية» عمل لبناء 159 ألف وحدة سكنية

عمال بناء «المنصورة الجديدة»: «بنبنى مستقبل»

سوق الخواجات هنا يباع «شوار العروسة» من «الإبرة إلى الصاروخ»

«جمصة» ترفع شعار «التجارة شطارة» وتبيع الطاقة الشمسية لـ«الكهرباء»

محافظ الدقهلية: انتهاء المرحلة الأولى من «المنصورة الجديدة» قريباً

حاضنة أعمال الدقهلية: منطقة صناعية تضم 13 مشروعاً فى قلب المنصورة

«الأسمدة الورقية»: تجربة جديدة لتحسين إنتاجية المحاصيل بموافقة وزارة الزراعة

«الصندوق الاجتماعى»: «تعالى بعقد إيجارك وإحنا علينا التمويل والتسويق»


مواضيع متعلقة