أمريكا والصين.. تهديدات «الحرب التجارية» تلقى بظلالها على العالم

كتب: نادية الدكرورى

أمريكا والصين.. تهديدات «الحرب التجارية» تلقى بظلالها على العالم

أمريكا والصين.. تهديدات «الحرب التجارية» تلقى بظلالها على العالم

«صانع الأزمات».. هكذا لقب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، من قبل عدد من المراقبين، بعد أن بات كل صباح يحمل معه قراراً جديداً يغيّر مسار العالم، سواء على الصعيد السياسى أو العسكرى، فالأسابيع الأخيرة شهدت قراراً تحاول الولايات المتحدة من خلاله زعزعة عرش منافسها الثانى فى الاقتصاد العالمى، وهو الصين بعد أن فرض «ترامب» رسوماً على واردات صينية إلى الولايات المتّحدة بقيمة 50 مليار دولار، وبعدها بساعات ردّت الصين بفرض رسوم جمركية جديدة على 106 منتجات أمريكية بقيمة موازية لما فرضته أمريكا، لتبدأ ملامح حرب تجارية بين قطبى الاقتصاد العالمى تمثل نذيراً للاقتصاد العالمى.

«تجلب كارثة للاقتصاد العالمى».. هكذا علّق وزير التجارة الصينى تشونج شان، على ما وصفه بـ«حرب تجارية مع الولايات المتحدة، بعد فرض الأخيرة رسوماً جمركية على المعادن، فى أول تدهور للعلاقات الاقتصادية بين البلدين منذ 40 عاماً تجاوزت الاستثمارات المتبادلة 230 مليار دولار»، إلا أن الحكومة الصينية أعلنت استعدادها للقتال، فى بيان لوزارة التجارة الصينية، قالت فيه: «لا نريد حرباً تجارية لكننا لسنا خائفين من قتالها، ولن نتردّد فى المقاومة بأى ثمن»، فى حين برّرت أمريكا هذه الخطوة بحماية الملكية الفكرية الأمريكية، وهو التبرير الذى لم يُخفّف حدة انتقادات الحزب الجمهورى الذى ينتمى إليه الرئيس الأمريكى. ووصف السيناتور بن ساس نبراسكا، تلك الخطوة بأنها «أغرب طريقة ممكنة للقيام بذلك». وانتقد تجار التجزئة الأمريكيون إعلان «ترامب»، متّهمين إياه «بلعب لعبة الدجاج مع اقتصاد البلاد».

وذكر بيان الاتحاد الوطنى للتجزئة، وهو مجموعة صناعية، فى بيان، أنه «بينما اتفق على ضرورة التعامل مع الممارسات التجارية غير العادلة فى الصين، فإن هذه الإجراءات التجارية قد تجعل من الصعب على الأمريكيين فى جميع أنحاء البلاد تحمل تكاليفها». وتنامى القلق لدى الشركات الكبرى فى مجال السيارات والطيران، أبرزها «جنرال موتورز» التى أعلنت أن الصين تمثل سوقاً لـ600 مليار دولار للاقتصاد الأمريكى. كما أن الصين هى ثانى أكبر سوق لشركة «بوينج»، بتحقيق إيرادات بلغت 12 مليار دولار للشركة العام الماضى. وتدير الشركة مصنعاً صينياً، مما يجعل الشركة على الخطوط الأمامية للحرب التجارية مع الصين، نظراً لقلة البدائل فى مجال صناعة الطائرات النفاثة المتنامية بسرعة، وواجهت الصين صعوبة فى إنشاء شركة منافسة فى هذا المجال.

{long_qoute_1}

«الفول الصويا» كان السلاح الأنسب الذى اختارته الصين، فى أول دفاع لها أمام القرار الأمريكى، باختيار فرض تعريفات على الصادرات الأمريكية من المنتجات الزراعية للصين بفرض تعريفة بنسبة 25% لبيع الفول فى البلاد، ليضرب بعنف أكثر من 300 ألف وظيفة للعمال الأمريكيين والمزارعين، والشركات تعتمد على هذا النوع من الزراعات. وانحصر الرد الأمريكى فى نداء استغاثة من «ترامب» لوزارة الزراعة الأمريكية بوضع خطة لحماية المزارعين.

وتعد الصين أكبر مشترٍ للفول الصويا من الولايات المتحدة بقيمة 12.3 مليار دولار العام الماضى، وفقاً لبيانات وزارة الزراعة الأمريكية. ويعد «الفول الصويا» من أهم الزراعات التى تصدّرها أمريكا بحجم مبيعات 21.6 مليار دولار العام الماضى، 60% منه يصدر إلى الصين، الذى تستخدمه الأخيرة مصدراً للبروتين فى العلف الحيوانى.

لا يشكك خبراء الاقتصاد فى تدهور الاقتصاد العالمى جراء الحرب التجارية الدائرة، حيث وصف الدكتور أحمد على، رئيس قسم إدارة الأعمال بمركز البحوث الاقتصادية لبلدان البحر الأبيض المتوسط التابع للاتحاد الأوروبى، تأثيرات الحرب بـ«الجدية» على تدهور التجارة العالمية يمكن أن تمتد آثارها لفترات طويلة، لافتاً فى تصريحات لـ«الوطن» إلى أن أمريكا بدأت خلال الفترة الأخيرة إجراءات حمائية ضد كتل كثيرة حول العالم، بما فيها دول بالاتحاد الأوروبى، وليس فقط الصين. المكسيك، على سبيل المثال، ردّت على السياسات الأمريكية من خلال فرض تعريفة عالية على واردات السلع من الولايات، مثل السكر والذرة، مما تسبب فى ضرر كبير للمنتجين الأمريكيين. ولفت «على» إلى أنه تاريخياً تسبب اتخاذ إجراءات برفع تعريفة الاستيراد فى اندلاع أزمات اقتصادية حادة وحروب، وإغلاق السوق المحلية، لافتاً إلى ضرورة لجوء الدول النامية لإيجاد حلول بديلة تخفّف من خلالها الآثار السلبية التى تخلفها السياسات التجارية الأمريكية.

اللجوء لمنظمة التجارة العالمية، أحد الحلول المطروحة لإنهاء هذه الحرب، وهو ما انعكس على تصريحات المدير العام لمنظمة التجارة العالمية روبرتو أزيفيدو، بعد إعلان «ترامب» عن خطته المثيرة للجدل من أن «الحرب التجارية ليست فى مصلحة أحد»، مضيفاً أن «منظمة التجارة العالمية ستراقب الوضع عن كثب».

وتتوقع الدكتورة يمن الحماقى، رئيس قسم الاقتصاد الأسبق بجامعة عين شمس، أن تنجح منظمة التجارة العالمية فى إلغاء الرسوم بمجرد رفع الصين قضية أمام المنظمة تطالب فيها بالتعويض، ومن المرجّح أن تحكم المنظمة بمخالفة أمريكا للقواعد، خصوصاً أنه لا يوجد ما يُبرر رفع الرسوم، وفى حال صدور حكم من المنظمة سيكون ملزماً لأمريكا، وقد يكون إلغاء القرارات الأخيرة.

من جانبه، قال الدكتور آندرو كاينى، الزميل المشارك فى برنامج آسيا والمحيط الهادئ بالمعهد الملكى للشئون الدولية فى لندن لـ«الوطن»: إن العالم «لا يزال فى المراحل المبكرة الأولى لأى حرب تجارية»، لافتاً إلى أن كلا البلدين أعلن قرارات ولم ينفذ أى شىء بعد. وأضاف: «مع ذلك، هناك خطر حدوث ضرر حقيقى فى التجارة العالمية فى حال الدخول فى أوضاع لا يستطيعان التراجع عنها بسهولة، وقد يقلل كل من الصين والولايات المتحدة من شأن التصميم على مواجهة الجانب الآخر والاستعداد لمواجهة الخسائر الاقتصادية من أجل إرضاء الدعم المحلى فى البلدين، إلا أن التأثيرات السلبية ستنعكس على الاقتصاد العالمى». ولفت «آندرو» إلى أن الصين فى وضع أفضل بكثير الآن لمواجهة القرارات الأمريكية مقارنة بخمس أو عشر سنوات ماضية، والصادرات هى عنصر أقل أهمية بكثير للنمو الصينى من ذى قبل. ونجحت الحكومة الصينية فى اتباع هذا النهج لتعويض آثار الأزمة العالمية لعام 2008. ومع ذلك، فهم لا يريدون خوض مواجهة لأن ذلك سيؤخر جهود الإصلاح وسيزيد من تفاقم مشكلة الديون الصينية. مقابل ذلك، سيشعر ترامب بسرعة بمعارضة من المتضررين (مثل مزارعى فول الصويا فى ميدويست فى حال تطبيق القرارات الصينية.

الصورة لن تكون قاتمة، حسب ما يراه «آندرو»، حيث يمكن أن يتكيف العالم بشكل عام وتصبح البلدان الأخرى أكثر قدرة على المنافسة ضد السلع الأمريكية أو الصينية ذات التعريفات الجمركية، لكن ذلك يتطلب ضبط النفس.


مواضيع متعلقة