التضخم بين أغنياء مصر وفقرائها.. كلاهما يتذمر

كتب: كريم سعيد

التضخم بين أغنياء مصر وفقرائها.. كلاهما يتذمر

التضخم بين أغنياء مصر وفقرائها.. كلاهما يتذمر

"قول للزمان.. ارجع يا زمان"، بهذه العبارة ردت "أم عواطف"، بابتسامة بشوشة وعينان متلألئتان، عندما سألتها عن سعر العيش فأجابت: "الخمسة بخمسة جنيه"، وذكرتها: "فين أيام مكان الخمسة بجنيه".

نظرت لي "أم عواطف"، المرأة الجالسة على قارعة الطريق بحارة "السقايين" المتفرعة من شوارع السيدة زينب، وقالت: "عارف أنا ربيت كام عيل من الفرشة دي، ومر العمر والعيال راحوا يشقوا طريقهم، وفضلت أنا وفرشة العيش نحارب لوحدنا، من أيام ما كان الجنيه بيجيب يجي 20 رغيف سياحي مش بلدي، بس مفيش حاجة بتفضل على حالها".

"أم عواطف" التي ربت عواطف بنتها الكبرى والمتزوجة حاليًا، وابنها محمد خريج دبلوم الصنايع ويعمل فني لحام والآخر يدرس في الثانوية العامة ويحلم بأن يكون مذيع، لم تكن تعلم أن معدل التضخم البالغ 14.3% بعدما كان 30.9% خلال عام 2017، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، الذي أعلن تراجع معـدل التضخــم السنـوي لشهر فبراير 2018 إلى 14.3% وهو تراجع نسبة الزيادة السنوية عن مثيلتها لشهر فبراير 2017، والذي كان مسجلاً 31.7%، هو السبب وراء "سجنها" داخل تلك المساحة الضيقة من الطريق، حاملة قفص العيش الذي "أكل عليه الدهر وشرب".

يعرف التضخم الاقتصادي في اللغة الإنجليزية باسم Economic Inflation، وهو الارتفاع التدريجي في مستوى الأسعار نتيجة حالة من زيادة العرض والطلب وارتفاع تكاليف الخدمات.

ومن أحد "الكافيهات" الشهيرة في منطقة التجمع الخامس، يرى أحمد السبكي، أحد المستوردين ورئيس شركة الروضة للاستيراد والتصدير أن  "التضخم مسابش حد في حاله". وقال لـ"الوطن": "أنا كمستورد تضررت من التضخم، فبعد ارتفاع قيمة الدولار من 8.5 جنيه إلى 18 جنيهًا، ارتفعت أسعار السلع بنسبة تصل إلى 300%".

وأشار السبكي، إلى معاناة المستوردين بعد تعويم الجنيه وارتفاع معدل التضخم، خاصة بعد مجموعة الإجراءات الحكومية لمواجهة زيادة الأسعار، أبرزها الحد من الاستيراد، وزيادة رسوم التخليص الجمركي، على حد قوله. ضاربًا مثال بأن الحاوية البالغ سعرها 60 ألف دولار "كانت جماركها لا تتعدى 70 ألف جنيه، أما اليوم أصبحت تبدأ الرسوم الجمركية بـ200 ألف جنيه على البضائع نفسها، وترتفع إذا كانت الحاوية تضم سلعًا استفزازية (الشوكولاتة وسماعة الدش وقمصان النوم، وغيرها) بحسب قرار الحكومة الأخير.

وعدد السبكي، أشكال تأثير التضخم على التجار والمستوردين، قائلًا: "الطلب انخفض بنسبة 80%، والمستهلك أصبح يتقشف حتى في احتياجاته الأساسية". مشيرًا إلى أن الحكومة "تفرض قيودا على المستوردين بداية بقانون الاستيراد، مرورًا بقرار إلزام التجار على استخدام مخازن مرخصة بشكل مفاجئ"، مما ترتب عليه تكدس البضائع في الميناء، وسداد 300 جنيه رسوم أرضية يوميًا، بالإضافة إلى 50 دولار لصالح شركات الشحن عن كل يوم تأخير للحاوية، وفرض رسوم على السلع الاستفزازية. وعلق قائلا: "أنا مش هخسر.. وهحمّل الزيادات على المستهلك، ومتسألنيش محدود الدخل يعيش إزاي دي مش مشكلتي".

وأكد السبكي، أن العميل لن يستغنى عن البضائع الاستفزازية المستوردة مثال "سماعة دش الاستحمام"، لأنها لا تصنع في مصر وإذا توفرت تصبح بجودة ضعيفة جدًا وغير قابلة للمنافسة مع البضائع المستوردة، لذلك يضطر العميل لتحمل السعر المرتفع والذي حمل عليه زيادة أسعار الجمارك، بجانب رسوم السلع الاستفزازية، لأن الدولة لم توفر له البديل المناسب.

وحذر رئيس شركة "الروضة" للاستيراد، من أن التضخم وارتفاع الأسعار في ظل ضعف الرقابة، على حد وصفه، "يؤدي إلى التفاف بعض المستوردين على القانون واستيراد بضائع صينية بجودة منخفضة، ويزورون أوراقهم لتدخل البضائع مصر على أنها صنعت في ماليزيا وإيطاليا، الأمر الذي قضى تمامًا على تجارة المستوردين الشرفاء ودفع بعضهم إلى التوقف عن العمل".

وتقول الدكتورة عالية المهدي، عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية السابقة بجامعة القاهرة، إن معدل التضخم أثر على جميع شرائح المجتمع بالسلب عدا الشرائح المستفيدة من ارتفاع الأسعار، و"هم من يزيد دخلهم أكثر من معدل ارتفاع الأسعار، سواء أصحاب الثروات المتخمة أو بعض الفئات ممن لديهم قدرة على التحكم في زيادة أجره وبالتالي زيادة دخله مثل: الأطباء والمحامون والمحاسبون والصنايعية المطلوبون بقوة حاليًا، نظرًا لارتفاع الطلب عليهم".

 وأضافت الدكتورة عالية أن معدل التضخم يؤثر بقوة على الفئات ذات الدخل الثابت ومتوسطي ومحدودي الدخل، وحتى رجال الأعمال المالكين لمشروعات ويقدمون خدمات، لأنهم في حال ارتفاع الأسعار يقل الطلب على منتجاتهم، و"يؤثر أيضا في القيمة الحقيقية لدخولهم".

 

{long_qoute_1}

أكدت عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية السابقة، أنه لا علاقة لارتفاع الاحتياطي النقدي وتجاوزه 42 مليار دولار، بانخفاض معدل التضخم، لأن الأول يأتي من مصادر تمويل خارجية، مثل القروض والسندات الدولارية، بينما يأتي معدل التضخم نتيجة الزيادة في الإصدار النقدي، واتساع فجوة عجز الموازنة، وضعف الإنتاج.

وعن كيفية مواجهة ارتفاع معدل التضخم لحماية محدودي الدخل وأصحاب الدخل الثابت، قالت المهدي: "ضروري تخفيض الإصدار النقدي، وتقليل عجز الموازنة، ووقف الزيادات في الأجور وخصوصًا الحكومية، وتخفيض سعر الفائدة على الإيداع لإجبار المواطنين على الاستثمار، ووقف التعيينات الحكومية".

وتتوقع عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية السابقة، أن يتراجع معدل التضخم لما بين 12% إلى 10%، خلال العام الجاري، "لو الحكومة لمت إيديها شوية في طبع النقود"، موضحة أنه لن ينخفض لأكثر من ذلك.

وتشاركها الرأي الدكتورة يمن الحماقي أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، بأن مؤشر التضخم أثر على جميع شرائح المجتمع، وتقول: "لاحظنا مؤخرًا انخفاض الإقبال على الأوكازيون، رغم إعلان العديد من المحال عن تقديم تخفيضات، وذلك لأن الأسر المتوسطة أعادت هيكلة ميزانيتها لمواكبة ارتفاع الأسعار، وخضعت ميزانية الأسرة لفكرة الأولويات، بل وانتقلت بعض السلع من خانة الأولوية إلى خانة الرفاهيات مثل بعض الملابس التي يمكن الاستغناء عنها".

وأشارت الحماقي إلى أن الطبقة المتوسطة هي الأكثر تأثرا من ارتفاع التضخم، لأنها ذات دخل ثابت وتشكل كتلة حرجة تؤثر على الإنتاج والاستهلاك والادخار، بينما طبقة محدودي الدخل هناك من يلبي احتياجاتهم إما من خلال الدعم المقدم من الدولة، أو من الاقتصاد غير الرسمي من خلال السلع المهربة أو المنتجة "تحت بير السلم".

وأرجعت الحماقي سبب التضخم إلى عدة قضايا، منها الخلل بين الإنفاق العام والإيرادات العامة، وبين الصادرات والواردات، والأجور والإنتاجية، والإنتاج والاستهلاك، والاستثمار والادخار بحيث "لا توجد مدخرات كافية لضخها في الاستثمار، والمديونيات على القروض الدولية"، وجميعها ضغوط تضخمية، على حد تعبيرها.

واستطردت الحماقي قائلة: "لا نملك طاقات إنتاجية كافية، ثم حررنا سعر الصرف لإعادة هيكلة الاقتصاد وفقاً لأسس اقتصادية، فأصبحت الواردات مرتفعة الثمن في ظل العجز عن التصدير، لأن تنافسيتك منخفضة، والصناعة بمصر مكونتها استيرادية ولم تنجح في أن يحل الإنتاج المحلي محل المستورد من خلال سلاسل إنتاج".

"انخفض معدل التضخم من 30% إلى 14.3% لا يعني عودة الأسعار لما قبل التعويم"، بهذه العبارة أوضحت الحماقي، أن انخفاض معدل التضخم لا يعني انخفاض أسعار السلع، أو تراجع الدولار من 17 جنيهًا إلى 8.8 جنيهات، ولكن معدل التغير في الأسعار هو الذي ينخفض بانخفاض معدل التضخم، أي أننا لن نشهد زيادات فلكية في الأسعار مجددًا.

 

{long_qoute_2}

ولفتت الحماقي إلى تقديرات صندوق النقد الدولي، في تقرير الصادر خلال يناير 2018، بمواصلة انخفاض معدل التضخم إلى 13% بنهاية العام الجاري وبداية 2019، استنادًا على عدة شواهد منها المشروعات التي نفذتها الدولة مثل مشروع المزارع السمكية، والمليون ونصف فدان، ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، ومشروع الصوب لإنتاج الخضار والفاكهة، والتجمعات الصناعية والتجارية، "جميعها آليات متوقع منها أن يكون لها آثار إيجابية لانخفاض معدل التضخم".

وقالت الاستقرار ضروري ولكن لا بد من وجود رؤية واضحة لزيادة الطاقات الإنتاجية في اتجاه التصدير، وإنتاج سلع تحل محل الواردات، ولا تزال الرؤية الواضحة للتصدير غائبة، و"المفروض على وزارة التجارة والصناعة الاستعانة بخبراء متخصصين وليس مجموعة من رجال الأعمال".

 

 


مواضيع متعلقة