أزمة تسميم «الجاسوس المزدوج» فى بريطانيا تهدد بتفجير «حرب» باردة جديدة بين روسيا وأوروبا

كتب: نادية الدكرورى

أزمة تسميم «الجاسوس المزدوج» فى بريطانيا تهدد بتفجير «حرب» باردة جديدة بين روسيا وأوروبا

أزمة تسميم «الجاسوس المزدوج» فى بريطانيا تهدد بتفجير «حرب» باردة جديدة بين روسيا وأوروبا

انضمت أستراليا، أمس، لنحو 20 دولة أوروبية طردت دبلوماسيين روسيين خلال الأيام الأخيرة، على خلفية محاولة اغتيال الجاسوس الروسى السابق سيرجى سكريبال، فى بريطانيا أوائل الشهر الجارى، باستخدام مادة كيماوية. ووصف رئيس الوزراء الأسترالى مالكولم تورنبول، الحادث بـ«الصدمة» إزاء استخدام سلاح كيماوى فى أوروبا لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، تسبب فى أكبر أزمة دبلوماسية بين أوروبا وروسيا منذ انتهاء الحرب الباردة بانهيار الاتحاد السوفيتى 1991، انعكست فى أكبر عملية طرد جماعية لضباط استخبارات روس فى التاريخ، لتبدأ روسيا ميراثاً جديداً من تدهور العلاقات الروسية - الغربية.

وأعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسى، ينس ستولتنبورج، طرد 7 أعضاء من البعثة الروسية وإلغاء اعتماد 3 آخرين، رداً على استخدام غاز «الأعصاب» من أجل تسميم العميل الروسى السابق سيرجى سكريبال فى المملكة المتحدة، بحسب ما أعلن الحلف فى بيان.

وقالت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماى، أمام مجلس العموم، إنها تقدّر القرارات التى اتخذتها الدول الصديقة والحليفة، وقالت: إن تلك أكبر عملية إبعاد جماعية لدبلوماسيين روس فى التاريخ. واعتبرت «ماى» أن الخطوة رسالة قوية لروسيا بأن الغرب لن يتسامح مع «محاولاتها المتكررة لانتهاك القانون الدولى وعرقلة قيم الغرب»، فيما تنفى «موسكو» أى دور لها فيما تعرّض له. وأدانت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، قرار دول الاتحاد الأوروبى قائلة: إن هذه الدول «تفسر التضامن مع بريطانيا بشكل مختلف»، وأكدت موسكو أنها سترد بشكل «مناسب» على القرار الأمريكى.

{long_qoute_1}

وطردت إسبانيا دبلوماسيين روسيين بعد ساعات من قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب طرد 60 دبلوماسياً روسياً من الأراضى الأمريكية، فيما أعلنت كل من ألمانيا وفرنسا وأوكرانيا أنها بدورها ستحذو حذو أمريكا، واتفق زعماء الاتحاد الأوروبى، الأسبوع الماضى، على أنه من المرجح أن تكون موسكو ضالعة فى التسميم، وكان رئيس المفوضية الأوروبية، دونالد توسك، أعلن أن 14 دولة من دول الاتحاد الأوروبى قررت إبعاد دبلوماسيين روس عن أراضيها تضامناً مع الموقف البريطانى، وهو العدد الذى ارتفع فيما بعد إلى 20 دولة.

خلال العقود الثلاثة الأخيرة شهدت العلاقات الروسية - الغربية العديد من التوترات، بلغت ذروتها خلال الأزمة الأوكرانية قبل أكثر من عامين، عكستها الرغبة الغربية فى معاقبة روسيا على دعمها الانفصاليين الأوكرانيين، وضمّها شبه جزيرة القرم. ودفعت روسيا فى المقابل برفع عدد قواتها فى سوريا لحماية آخر موطئ قدم بالشرق الأوسط بعد وصول علاقاتها مع الغرب لمرحلة «الحضيض». وشهدت الأيام الماضية أسوأ مراحل العلاقات الروسية مع الغرب، بعد أن بدأت تتحسن عقب سقوط الاتحاد السوفيتى 1991، بدأت بالطرد الدبلوماسى بين موسكو ولندن، فى إطار أزمة تسمم العميل الروسى المزدوج.

وينظر عدد من الدول الأوروبية، مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا، لأزمة تسميم العميل الروسى باعتبارها تهديداً حقيقياً للأمن الأوروبى، عكسه بيان إدانة جماعية من الدول الثلاث صدر فى أعقاب الأزمة، كأول موقف أوروبى جماعى ضد موسكو منذ انتهاء الحرب الباردة. وتشير التقارير الأولية إلى أن غاز أعصاب مخصصاً للأغراض العسكرية «نوفيتشوك»، أحد الغازات الكيماوية التى استخدمت خلال الحرب العالمية الثانية، ما يمثل أول هجوم تشهده دولة أوروبية باستخدام هذا الغاز منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية 1945.

{long_qoute_2}

«غير متوقعة».. هكذا علّق الدكتور جاسم محمد، رئيس المركز الأوروبى للدراسات، على الأزمة الأوروبية، لافتاً إلى أن العلاقات بين روسيا ودول أوروبية تحسنت خلال فترة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، ولم يتوقع أحد هذا التدهور المفاجئ، متوقعاً فى تصريحات لـ«الوطن» أن طرد الدبلوماسيين تعقبه عقوبات اقتصادية قد تفرضها دول أوروبية على روسيا فى القريب. ولفت «جاسم» إلى أن أزمة العميل المزدوج استغلت سياسياً من قِبل بعض الدول مثل أمريكا، كما أنها تُلقى بظلالها على الاقتصاد الروسى الذى سيتأثر بدعوات مقاطعة كأس العالم، التى تنظمها روسيا خلال هذا العام، من قِبل عدد من الدول الأوروبية فى أعقاب أزمة تسميم العميل فى لندن.

«لن تصل لمستوى حرب باردة جديدة».. هكذا استبعدت الدكتورة نورهان الشيخ، أستاذ العلاقات الدولية والمتخصصة فى الشأن الروسى، أن تؤدى العقوبات الدبلوماسية ما بين بريطانيا وروسيا لهذا النوع من الحروب ثانية، لافتة إلى أن ظروف إشعال الحروب الباردة ترتبط بالأيديولوجيات فى العادة، وأن الأزمة الأخيرة تأتى فى ظل قلق أمريكى - بريطانى بسبب تصاعد الدور الروسى خلال الفترة الأخيرة بالشرق الأوسط. واستبعدت «نورهان»، فى تصريحات لـ«الوطن»، أن تكون روسيا متورطة فى محاولة قتل العميل الروسى لعدد من الشواهد، أبرزها أن العميل كان موجوداً فى روسيا لمدة ست سنوات قبل عملية تبادل الجواسيس مع بريطانيا، وكان من الممكن التخلّص منه حينها، بجانب أن التوقيت الذى حدثت فيه محاولة القتل لم يكن فى صالح روسيا التى تبدأ الآن انتخابات الرئاسة، وهو ما يجعل الأصابع تتجه نحو حكومة تيريزا ماى البريطانية بضلوعها فى تدبير محاولة القتل، فى محاولة لإثارة الفوضى فى ظل وجود مؤشرات بنجاح الرئيس الروسى فلاديمير بوتين لست سنوات مقبلة، ما يزيد من استمرار الوجود الروسى المتصاعد بالمنطقة.

ونشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية أن بريطانيا تمكنت من إقناع دول الاتحاد الأوروبى بطرد الدبلوماسيين الروس بعد حصولها على دعم زعيمَى ألمانيا وفرنسا خلال لقاء منفصل معهما فى بروكسل. وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون اقترح موعداً للإعلان الرسمى عن هذا القرار.

واتفق «ماكرون» و«ميركل» مع تيريزا ماى، على الخطوات المقبلة قبل إقامة مأدبة العشاء الرسمية بمشاركة كل قادة دول الاتحاد الأوروبى فى 22 مارس، كما اقترحت فرنسا دعماً فنياً على بريطانيا فى تحليل الأدلة فى هذه القضية، وخلصت إلى نفس الاستنتاجات التى توصلت إليها لندن. واتفق رؤساء الحكومات والدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى على أدلة وبراهين قدمتها «الثلاثية» بحلول صباح 23 مارس، واقترح الرئيس الفرنسى على جميع المشاركين فى القمة ببروكسل الإعلان عن الطرد الجماعى للدبلوماسيين الروس، الاثنين 26 مارس. ونقل أحد مصادر الصحيفة عن «ماكرون» قوله: «لنفعل ذلك الاثنين فى الساعة 15:00». واتخذ القرار النهائى فى صباح 26 مارس أثناء لقاء الاتحاد الأوروبى على مستوى السفراء فى بروكسل. وتم إعداد نص البيان الرسمى لرئيس الاتحاد الأوروبى دونالد توسك، الذى شارك آنذاك فى قمة تركيا - الاتحاد الأوروبى بمدينة فارنا البلغارية. وأضافت الصحيفة أن بعض الدول الأعضاء فى الاتحاد التى تربطها علاقات ودية بروسيا امتنعت عن طرد الدبلوماسيين الروس، مشيرة إلى نقص الأدلة اللازمة للتأكيد على أن موسكو مسئولة عن تسمم «سكريبال».


مواضيع متعلقة