قطارات السكة الحديد: تأخير متكرر.. وازدحام على الأرصفة

كتب: منة عبده

قطارات السكة الحديد: تأخير متكرر.. وازدحام على الأرصفة

قطارات السكة الحديد: تأخير متكرر.. وازدحام على الأرصفة

«قطار رقم 919 قادم إلى المحطة.. رصيف نمرة 6».. تتردّد الجملة عبر الإذاعة الداخلية بمحطة مصر، وعلى أثرها يتصارع الركاب على الوصول إلى الرصيف المعلن عنه، ورغم ذلك يصل القطار بعد الإعلان بوقت طويل قد يقترب من الساعة، أو أكثر.

قطارات كثيرة شهدت محطة مصر بميدان رمسيس تأخرها عن ميعادها، وسط سخط الركاب وغضبهم، وبعد أيام قليلة من زيارة وزير النقل للمحطة وتوقيعه جزاءات على بعض المسئولين بسبب تأخر مواعيد القطارات.. «الوطن» أمضت يوماً كاملاً داخل محطة مصر، لترصد خط سير القطارات، ومدى التزام سائقيها بمواعيد الانطلاق والوصول.

{long_qoute_1}

بعباءة سوداء، جلست سيدة فى أواخر الأربعينات، رفضت ذكر اسمها، على رصيف نمرة «٦»، تنتظر أخاها الأكبر منها سناً، المقيم بمحافظة الإسكندرية، والذى أبلغها أنه قادم إلى القاهرة، ليجلس معها يومين أو أكثر، فتقول: «أخويا كلمنى إمبارح، وقال لى إنه جاى النهارده فى قطار الساعة ١ الضهر، ماصدقتش نفسى من كتر الفرحة»، جاءت السيدة إلى المحطة فى تمام الثانية عشرة ظهراً، متشوقة للقاء أخيها: «جيت قبل ميعاد وصوله بساعة كاملة، خُفت يوصل بدرى ومايلاقينيش مستنياه، علشان هو واحشنى جداً، وبقالى زيادة عن ٣ شهور ماشفتهوش»، تقطع حديثها رنة هاتفها من أخيها، ليُبلغها أنه وصل إلى المحطة، لكنه على رصيف آخر، لتهم مسرعة إليه، وكان ذلك فى تمام الساعة الواحدة والنصف، وهو ما يعنى أن القطار تأخر عن موعده نصف ساعة.

«نفسى فى مرة القطار ييجى فى ميعاده مايتأخرش».. قالها محمود إبراهيم، وهو يقف على الرصيف وسط ثلاثة من أصدقائه، منتظرين قطار المنصورة، حيث مسقط رأسهم، فيقول العشرينى، بنبرة صوت غاضبة: «لو قاصدين يعذّبونا فى المحطة، مش هيعملوا فينا كده». وأضاف «محمود» أنه يعيش فى القاهرة مع أصدقائه، ليُكمل دراسته فى جامعة الأزهر، إذ إنه يدرس بالفرقة الثانية بكلية الشريعة الإسلامية، ويسافر إلى المنصورة إلى أهله يومين كل أسبوع ليقضى معهم إجازته من الجامعة: «كل لما آجى أسافر باستسهل القطار أحسن من المواصلات، لكن مفيش فايدة، كل مرة لازم يتأخر». وانتهى بقوله: «بقالنا ساعة فى المحطة، ولسه القطار ماوصلش.. ربنا يجيبه بالسلامة».

{long_qoute_2}

ببنطلون وقميص، ظهر مصطفى أحمد، ٣٤ عاماً، على أحد مقاعد الرصيف بالمحطة، بجانب زوجته وطفلته التى لا يتجاوز عمرها السنوات الثلاث، وبجوارهم عدة حقائب من القماش، تحوى أمتعتهم، التى توحى بطول إقامتهم فى المكان المتجهين إليه، ينتظرون انطلاق قطار الإسكندرية من المحطة، الذى ظل موجوداً بالمحطة قرابة الساعة والنصف، فيقول: «جيت المحطة علشان أسافر أنا ومراتى وبنتى عند والدتى، ما صدقت أخدت إجازة من شغلى، وقطعت تذاكر قطار الساعة ١ إلا ربع». ثم تنهد، وتابع بقوله: «القطار بقاله أزيد من ساعة واقف فى المحطة، نزلنا منه علشان بنتى اتخنقت من الزحمة فى القطار»، يقطع حديثه قيام ابنته من على المقعد وجريها على الرصيف، ليلحقها، وذلك خوفاً عليها من السقوط وزحمة الرصيف أيضاً، لينتهى قائلاً: «كرّهونا فى ركوب القطارات من كتر ما هما بيتأخروا علينا».

«مفيش يوم يعدّى على قطارات محطة مصر من غير تأخير»، جملة بدأ بها «أبومحمد»، بملامح يشوبها الزهق، لطول الانتظار على رصيف المحطة، إذ توجّه الأربعينى إلى محطة مصر كعادته كل يوم، وذلك فى تمام الثانية عشرة ظهراً، ليأخذ القطار المتجه إلى الإسكندرية، فيقول: «أنا زهقت من كتر الوقفة على الرصيف، بقالى حوالى ساعة ونص واقف ومفيش أى قطر طلع»، ثم نظر إلى الرصيف، وأشار بأصبعه إلى الركاب المنتظرين القطار أيضاً، وقال: «الناس دى كلها وراها مصالح، ربنا يعينها على اللى هى فيه.. يخلى عندهم رحمة بالناس شوية.. ويخافوا عليهم»، وانتهى قائلاً: «بقينا متعودين على التأخير.. مابقيناش نتفاجئ بيه».

قطع صوت ضجيج الركاب على الرصيف، صوت صفارة قطار الإسكندرية المكيف، معلناً عن القدوم إلى المحطة، وبعد أن استقر على الرصيف، وقف الكمسارى على بوابة «2» بوجه طويل بعض الشىء، وبشرة تميل إلى الاسمرار، وعينين حمراوين، وشيب غزا شعره، تدل ملامحه على كسر حاجز الستين من عمره، مرتدياً البنطلون والبلوفر رمادى اللون، ومطبوع على الجزء العلوى من البلوفر ناحية اليسار رمز «س.ح.م»، يبدأ الكمسارى عمله بتوجيه الركاب إلى مقاعدهم بالقطار، حسب تذاكرهم، يشير بإصبعه إلى العربات المفترض توجّه الراكب إليها، ويمنع آخرين من دخول العربة التى يقف على بواباتها، وهى العربة الثانية مكيّفة، ويقول: «مش العربية دى هى اللى فى التذكرة.. روح العربية الأخيرة».

{long_qoute_3}

فى حين جلس سيد على، 25 عاماً، بملابس مهندمة، ممسكاً فى يده رواية، أخذ يقرأ فيها لحين إقلاع القطار المتّجه إلى الإسكندرية من المحطة، وبجانبه حقيبة صغيرة من الجلد البنى، جعلته هذه الرواية منفصلاً عما يدور حوله على رصيف المحطة، حيث لم تُعطه الفرصة فى النظر يميناً أو يساراً، فيقول: «القطار مفروض يطلع من المحطة الساعة واحدة إلا ربع، والساعة داخلة على اتنين ولسه ما اتحركش». يصمت «سيد» قليلاً، ثم يأخذ نفسه، ويتابع: «أنا أصلاً من إسكندرية، بس حالياً شغال فى القاهرة، مندوب فى شركة مبيعات، وباسافر إسكندرية يومين فى الأسبوع بالقطار، وللأسف كل مرة بيتأخر أوى عن ميعاده».

جلباب وقفطان، ارتداهما «أبوإسماعيل»، البالغ من العمر 55 عاماً، دلّت ملابسه للوهلة الأولى أنه من أصل صعيدى، وليس قاهرياً، وقف بهما على رصيف رقم «11»، لينتظر قدوم قطار أسيوط، فى تمام الثانية والنصف ظهراً: «أول مرة آجى المحطة، وألاقى القطر ييجى فى ميعاده»، قالها بملامح يكسوها الفرح، إذ إنه تفاجأ بتلك اللحظة التى وصل فيها القطار فى موعده المحدّد.وأضاف: «أنا من أسيوط، بس ساكن فى الجيزة مع مراتى وعيالى، بس جالى تليفون بالليل من أخويا الصغير، وقال لى إن والدتى تعبانة شوية»، هذه المكالمة جعلته يستيقظ مبكراً ويرتدى ملابسه ويتّجه إلى المحطة، ليحجز تذكرة على أول قطار متجه إلى أسيوط: «ماروحتش شغلى النهارده، وجيت المحطة، والحمد لله القطار جه فى ميعاده.. ربنا عالم بيا».

على مقعد من مقاعد رصيف رقم «9» جلست سيدة عبدالله، بملامح يكسوها الشيب من الكبر، مرتدية عباءة سوداء، وملتفة بشال متعدّد الألوان، وبجانبها ابنتها الكبرى، ومعها طفلاها، وأخذت تحضر لهما ساندوتشات، ليأكلاها لحين وصول القطار المتجه إلى سوهاج، فتقول الستينية، إنها حرصت على الوصول إلى المحطة قبل موعد وصول القطار بمدة كبيرة: «أنا جيت القاهرة علشان آخد بنتى وعيالها يقعدوا معايا يومين فى سوهاج»، رغم كبر سنها، وصعوبة حركتها، لا تزال تخاف «سيدة» على ابنتها: «الطريق طويل وأخاف على بنتى وعيالها إنهم يركبوا القطار لوحدهم، بابقى مطمنة وأنا معاهم».


مواضيع متعلقة