مدنيون عائدون إلى مدينة سقبا في الغوطة الشرقية يأملون ببدء حياة جديدة

مدنيون عائدون إلى مدينة سقبا في الغوطة الشرقية يأملون ببدء حياة جديدة
يمسك طلال صادق يد والدته المسنة لمساعدتها على تخطي أكوام الركام المنتشرة على طريق عودتهما إلى منزلهما في مدينة سقبا في الغوطة الشرقية، بعدما فرا منها على غرار المئات من العائلات قبل أن يستعيدها الجيش السوري.
واستعادت القوات الحكومية خلال أسابيع من الهجوم البري والجوي أكثر من 80 في المئة من الغوطة الشرقية التي شكلت منذ العام 2012 المعقل الأبرز للفصائل المعارضة قرب دمشق.
وبعد يومين على نزوحهما من البلدة، عاد صادق (50 عاماً) إلى مدينته سقبا، اثر سيطرة الجيش عليها مساء السبت، بعدما كان قد توقع أن يبقى بعيداً عنها لفترة طويلة.
ويقول طلال وهو يرتدي ثياباً رثة يكسوها التراب، "الحمد لله نرجع الى البلدة انا وامي، الحمدلله انها (المعارك) انتهت باكرا".
ويضيف "أخبرونا أنه بإمكان أهل سقبا العودة الى منازلهم". ويضيف مبتسماً بينما ملامح التعب واضحة على وجهه الأسمر "كنا نظن أننا لن نعود".
في شوارع دمرت الأبنية الموجودة على ضفتيها جراء القصف، مشى مئات المواطنين من رجال وأطفال ونساء، وحمل بعضهم أكياسا وحقائب مليئة بالحاجيات متوجهين إلى منازلهم في سقبا التي سيطر عليها الجيش السوري مساء السبت.
ويحاول شاب جاهداً دفع كرسي متنقل تجلس عليه امرأة مسنة، بينما يجر آخر دراجة هوائية جلس طفله عليها بين الأكياس والوسادات، ويحاول ثالث تحريك عربة مليئة بالحقائب والبطانيات.
ويمر المدنيون العائدون أمام دبابات للجيش السوري يستريح قربها مقاتلون في مدينة طغى عليها الدمار من أبنية انهارت بشكل كامل وأخرى تصدعت واجهاتها، ومحلات خلعت أبوابها وانتشرت أمامها لوائح الزينك والخردة والأسلكة.
وفر العديد من أهالي سقبا مع اقتراب المعارك من المدينة التي تعرضت لقصف عنيف. وانتقل بعضهم إلى مراكز إيواء تابعة للحكومة فيما بقي آخرون في العراء.
-"حياة جديدة"-في أحد الشوارع الفرعية، تربع هلال عبد الباسط على الأرض أمام موقد أشعل الحطب فيه ووضع عليه قدراً لطبخ الارز.
ويقول الرجل الخمسيني "كانت الاحوال صعبة والحمدلله انفرجت الامور"، مضيفاً "كان القصف شديداً وقلنا لهم (للمسلحين) اهدأوا وتصالحوا لكنهم لم يصغوا الينا".
ويضيف "الحمدالله، أخبرونا أن الأمور قد حلت، فحزمنا أمتعتنا وعدنا بسرعة وها نحن الآن بين أهلنا وجيراننا".
ويوضح مصدر عسكري سوري لفرانس برس أن المدينة التي كانت تحت سيطرة فصيل فيلق الرحمن، لم تشهد اشتباكات عنيفة، جراء التوصل الى اتفاق "تسوية بفضل وجهاء البلدة".
ويشير الى أن "قسماً من المسلحين سلم نفسه فيما لاذ قسم آخر بالفرار الى المنطقة المجاورة"، مضيفاً "بات بإمكان المدنيين الذين كانوا محتجزين في الاقبية العودة الى حياتهم الطبيعية، انها حياة جديدة".
ونمكنت القوات الحكومية من استعادة العديد من المدن والبلدات التي كانت تحت سيطرة الفصائل المقاتلة بعد غارات كثيفة ومعارك شرسة. ولكن في سقبا وكفربطنا المجاورة، توصل وجهاء محليون الى اتفاق مع دمشق بعد قصف عنيف، نص على انسحاب المقاتلين او انضوائهم في لجان شعبية، ومن ثم دخول قوات النظام اليها من دون معارك داخلها، وفق المرصد السوري لحقوق الانسان.
وتفتقر المدينة اليوم إلى الخدمات الاساسية من مياه وكهرباء. وبرغم ذلك يأمل معاذ (35 عاماً) أن يستأنف عمله في النجارة.
ويشير إلى محال المفروشات المغلقة من حوله، ويقول "نريد أن نبني البلد وتفتح هذه المحلات من جديد، وسنعيدها بهمة أهلها".
وتقول زوجته بسمة (28 عاماً) بينما تنظر إلى أطفالها حولها "الحمدلله بات بإمكان أولادي أن يلعبوا في الطريق من دون ان نخاف عليهم".
- "أسود من الفحم" -في الشارع الرئيسي في سقبا المملوء بالركام والحجارة وقطع معدنية متناثرة، يمشي بسام حمودة (67 عاماً) متباهياً بانه لم يترك منزله.
ويقول بسام وهو يعتمر قبعة صوفية رغم الحرارة المرتفعة "خرجنا الى النور" بعدما أمضى أياماً طويلة في ظلام الأقبية والملاجئ.
ويروي الرجل الذي بقي وحيداً في سقبا بعد نزوح زوجته واولاده منذ سنوات الى دمشق، "مرت الأيام علينا صعبة.. كانت أسود من الفحم".
وعاش نحو 400 الف مدني ظروفاً انسانية صعبة جراء الحصار المحكم على الغوطة الشرقية منذ العام 2013، ما تسبب بنقص في المواد الغذائية والادوية.
ويقول بسام، متذكراً أياماً خلت كان يبحث فيها عن الدواء، "إن مات الشخص ارتاح اما اذا مرض في غياب الدواء فماذا يفعل؟ يموت كل دقيقة".
وتبرق عيناه الخضراوتان وهو يعرب عن تطلعه لاستعادة حياته الطبيعية "بات بإمكاننا زيارة أولادنا والسفر وتنشق الهواء النظيف".
ويستذكر بسام ساخراً "اعتدنا ان نركب بالسيارة ونسافر الى طرطوس واللاذقية وحلب، لكننا منذ سبع سنوات لم يعد بامكاننا الا ركوب دراجة هوائية"، بسبب النقص في الوقود الذي عانت منه المنطقة، ما دفع البعض على استخراجه من البلاستيك المحروق.
في مكان قريب، تخرج سمية (54 عاماً) من أحد الاقبية الذي تقاسمته مع عدد من العائلات طوال فترة القصف، وتقول "لم نخرج من البلد، بقينا في القبو لأكثر من شهر لم نر خلاله نور الشمس بات بامكاننا الآن ان نرى الشمس".