ستيفن هوكينج.. رحيل أشهر عالم بعد «أينشتاين»
ستيفن هوكينج
«تذكر أن تنظر للنجوم وليس تحت قدميك»، قالها أعظم علماء عصرنا الحالى منذ رحيل عالم الفيزياء الألمانى ألبرت أينشتاين، وهو «ستيفن هوكينج»، عالم الفضاء والفيزياء النظرية، الذى رحل عن عالمنا، أمس، فى منزله بمدينة كامبريدج، شرق إنجلترا، عن عمر يناهز 76 عاماً.
«الثقوب السوداء ليست سوداء تماماً»، هكذا توصّل «هوكينج» بعد دمج نظرية «أينشتاين»، عن النسبية، النظرية التى أحدثت نقلة نوعية فى علم الفلك بالقرن العشرين، مع النظرية «الكوانتية»، التى تدرس الذرات وتجمعاتها، فى محاولة للإشارة إلى أن المكان والزمان يبدأن بالانفجار الكبير، وينتهيان إلى الثقوب السوداء، وهى المنطقة ذات الكثافة المهولة بالفضاء، تفوق غالباً مليون كتلة شمسية، والتى يعتبر البعض أنها تبتلع النجوم بداخلها. واكتشف «هوكينج» انبعاث إشعاعات من الثقوب السوداء، متوقعاً أن تتبخر وتختفى فى الأخير، وهو عكس كل النظريات التى كانت مطروحة، وسمّى هذا الإشعاع باسمه «إشعاع هوكينج».
نظريات «هوكينج» تحاول كشف أسرار نشأة الكون بدراسة إشعاعات «الثقوب السوداء».. و«ناسا»: رحل سفير العلوم.. وأبناؤه: «سنفتقدك للأبد.. وأنت القائل.. لن يكون الكون مهماً إذا لم يكن موطناً للأشخاص الذين تحبهم»
تتركز نظرية «هوكينج» الجديدة، فى محاولة لتفسير نشأة الكون، وذلك بأن «الثقوب السوداء» قد تقود إلى أكوان أخرى، مكتشفاً آلية يمكن بواسطتها استعادة أى معلومات من الثقوب السوداء، التى يمكن أن تتحول هذه المعلومات إلى شكل ينبثق منه كون آخر بديل، أو أن هناك ممراً إلى كون آخر تمتلكه الثقوب، التى ينفذ منها أى شىء إلى خارجها وربما يتّجه إلى كون آخر، حسب نظريته.
على مدار 55 عاماً، ظل «هوكينج» جالساً على كرسى متحرك يتحكم من خلال عضلة الخد فى جهاز استشعار متصل بالحاسب الآلى، ليختار كلماته التى تنطقها آلة محوسبة بلغة أمريكية، بعد فقدان سيطرته الكاملة على جسده عقب صراع مع مرض «التصلب الجانبى الضمورى»، أصيب به فى عمر 21 عاماً، تسبّب فى ضمور بالأعصاب الحركية، ورغم أن الأطباء توقّعوا أن يعيش بضعة أعوام، فإن «هوكينج» ظل يقاوم المرض طوال خمسة عقود بعبارته الشهيرة: «يجب على المرء ألا يفقد الأمل». فى الذكرى الـ300 لعالم الفلك والفيزيائى الإيطالى «جاليليو»، ولد «هوكينج»، فى 8 يناير 1942، بمدينة أكسفورد البريطانية، وبدأ مسيرته العلمية بالحصول على درجة الشرف الأولى فى الفيزياء من جامعة أكسفورد، قبل أن يُكمل دراسته فى جامعة كامبريدج، للحصول على الدكتوراه فى علم الكون، وحصل معها على قرينته الأولى، جين وايلد، التى التقى بها أثناء دراسته بالجامعة قبل أن يُصاب بمرض العصب الحركى، ورغم تشخيص مرضه، فقد استمرت علاقتهما، ليقول عنها «هوكينج»: «خطوبتى أعطت لى شيئاً أعيش من أجله»، وتزوج الاثنان عام 1965، وأنجبا ثلاثة أبناء، واستمرت علاقتهما طوال ثلاثين عاماً قبل أن ينفصلا عام 1995، ويتزوج ثانية من إحدى ممرضاته السابقات، إيلين مايسون، لمدة 11 عاماً.
خلفاً لمنصب شغله «إسحاق نيوتن»، تقلّد «هوكينج» منصب أستاذ لوكاسى للرياضيات فى جامعة كامبريدج، الذى يُعد أرقى المناصب الأكاديمية فى العالم. وفاز «هوكينج» خلال مسيرته العلمية، بما لا يقل عن 12 درجة فخرية، وعدد من القلادات، أبرزها قلادة ألبرت أينشتاين، التى حصل عليها فى السبعينات. فى لغة علمية مبسّطة، أصدر «هوكينج» تسعة مؤلفات، أشهرها كتاب بعنوان «تاريخ موجز عن الزمن»، عام 1988، ليعرض من خلاله مبادئ الكون، وتخطى عدد النسخ المبيعة من الكتاب 10 ملايين نسخة خلال عشرين عاماً، وبقى الكتاب الأكثر مبيعاً لمجلة «صنداى تايمز» لأكثر من أربع سنوات، وترجم إلى 35 لغة. وفى 2001، أصدر «هوكينج» كتاباً آخر يبسّط من خلاله عدداً من النظريات العلمية، أبرزها «ميكانيكا الكم» بعنوان «الكون باختصار أو الكون فى قشرة جوز»، ليفوز الكتاب بجائزة «أفنتيس» للكتابة العلمية المبسّطة عام 2002.
«السياسة» لعبت دوراً فى فضاء «هوكينج»، الذى اشتُهر بتأييده لحزب العمال البريطانى، وسجّل خلال حياته الكثير من المواقف التى عبّرت عن آرائه ومواقفه السياسية، خصوصاً تجاه العالم العربى، أبرزها مشاركته فى تظاهرة ضد الحرب الأنجلو أمريكية فى العراق عام 2003، كما أعلن رفضه المشاركة فى مؤتمر يُقام بإسرائيل، اعتراضاً على السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين. وفى مظاهرة وداع، غرّد، أمس، الكثير من العلماء والمؤسسات العلمية والثقافية لتنعى رحيل «هوكينج»، أبرزها وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)، التى جاءت تغريدتها على «تويتر»: «تذكر ستيفن هوكينج، الفيزيائى الشهير وسفير العلوم.. تطلق نظرياته عالماً من الاحتمالات التى نكتشفها نحن والعالم.. يمكنك الاستمرار فى الطيران مثل سوبرمان فى الجاذبية الصغرى، هى كلمات «هوكينج» التى قالها لرواد فى محطة الفضاء عام 2014». وزار «هوكينج» مركز كينيدى للفضاء للتعايش مع بيئة خالية من الجاذبية وهو فى سن الخامسة والستين. فيما غرّدت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونيسكو» بقولها: «تذكر ستيفن هوكينج، صديق اليونيسكو، مترجم للكون وسفير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للأشخاص ذوى الإعاقة. يُجسّد البروفسور هوكينج قيم «اليونيسكو» لتبادل المعرفة وتمكين الأفراد.. سوف يلمع نجمه إلى الأبد فى الكون». وغرّد عالم الفيزياء الفلكية الأمريكى، نيل تايسون، بقوله: «وفاته تركت ما يشبه الفراغ الذهنى، لكنه ليس فارغاً، فكروا فيه كنوع من الطاقة الفراغية التى تتخلل نسيج الفضاء الذى يتحدّى القياس». وغرد عالم الفيزياء النظرية، لورانس كراوس، بقوله: «لقد خرج نجم من الكون.. لقد فقدنا إنساناً مذهلاً». وفى بيان صدر أمس، نعى أولاد «هوكينج» (لوس، وروبرت، وتيم) رحيله بقولهم: «نشعر بحزن بالغ، لأن والدنا الحبيب توفى اليوم.. لقد كان عالماً عظيماً ورجلاً غير عادى سيبقى عمله وتراثه قائماً لسنوات عديدة.. لقد ألهمت شجاعته، واستقامته، وذكاؤه، وروح الدعابة الذى تحلى بها، الناس فى جميع أنحاء العالم. لقد قال فى إحدى المرات لن يكون الكون مهماً إذا لم يكن موطناً للأشخاص الذين تحبهم.. سنفتقده إلى الأبد».