رسالة إلى قلب جلالة الملك «سلمان»

سحر الجعارة

سحر الجعارة

كاتب صحفي

«إسلام س» طفل فى العاشرة من عمره، لا يستطيع أن يجرى أو يلعب «كرة شراب»، أو يدخل فى معركة طفولية مع الزملاء والأصدقاء.. لقد فقد كل أحلامه، لا يرى فى «الغد» إلا شبح الموت، وأمنيته الوحيدة: «أن يتنفس».. لكن رئته المصابة بالتليف لا تسعفه ليصرخ فى وجه من فرضوا عليه «الموت سريعاً» بفتاوى تحرم «نقل الأعضاء من المتوفين حديثاً» وتحكم على ملايين المرضى بالموت فقط لتثبت أن «تيار التحريم» يحكم مصر من الباطن، وأنه وحده من يحدد «الموت الشرعى» بأنه: (انخساف الصدغين وتوقف القلب وتدلى الخصيتين).. وهو كلام سخيف جعلنا فى ذيل قائمة الدول المتقدمة علمياً وطبياً!

فى المملكة العربية «مهد الإسلام» يتم نقل الأعضاء من الموتى حديثاً ولديها قانون يبيح ذلك، وبتاريخ 7 مايو 2017 نشر موقع «العربية نت» على لسان مدير عام «المركز السعودى»، الدكتور فيصل شاهين، أنه: (تم إجراء 339 عملية زراعة القلب، كما تم إجراء 213 عملية «زراعة الرئة» حتى تاريخه، أما أندر العمليات فهى عمليات زراعة البنكرياس بواقع 46 عملية).

ويوضح الدكتور «شاهين» أن «المركز السعودى لزراعة الأعضاء» يحقق الاستفادة المثلى من الأعضاء المتبرع بها من حالة الوفاة الدماغية المبلغ عنها، حيث يمكن الاستفادة من أعضاء متوفى دماغياً واحد بزراعتها لعدد (8) من مرضى الفشل العضوى النهائى (الكليتين، القلب، الكبد، الرئتين، القرنيات، والبنكرياس).. لكن المعروف فى كل دول العالم أن قوائم انتظار المرضى تعطى الأولوية فى نقل الأعضاء لمواطنيها.. أما نحن فقد فتحنا سوقاً للاتجار بالبشر بـ«اسم القانون» وأصبح الاتجار فى «الكلى والكبد» هو الطبيعى والمألوف!

لقد دخلت مصر مرحلة «التحنيط العلمى» منذ 1400 سنة، وقررت «هيئة كبار العلماء» رفض الموت الإكلينيكى، وفى مايو 2017 اختطفت «دار الإفتاء المصرية» دور الأطباء، لتبيح جواز نقل الأعضاء، فوضعت شروطاً تعسفية لتعريف الموت، رغم أن علماءها درسوا الفقه والشريعة ولم يدرسوا الطب.. فاشترطت دار الإفتاء: (أن يكون المنقول منه العضو قد تحقق موته موتاً شرعياً وذلك بالمفارقة التامة للحياة، أى موتاً كلياً، وهو الذى تتوقف جميع أجهزة الجسم فيه عن العمل توقفاً تاماً تستحيل معه العودة للحياة مرة أخرى، بحيث يسمح بدفنه، و«لا عبرة بالموت الإكلينيكى أو ما يعرف بموت جذع المخ أو الدماغ»، لأنه لا يعد موتاً شرعاً، لبقاء بعض أجهزة الجسم حية).. السؤال الملح هنا: إذا كان علماء المؤسسة الدينية -بكل فروعها- فى مصر لا يعترفون بـ«فتاوى السعودية».. فلماذا يقبلون ترميم «الأزهر الشريف» بتبرعاتها، ويشكلون لجنة للتنسيق مع المملكة لمراجعة «الأحاديث النبوية» التى تحض على التطرف والإرهاب.. ويطوفون بالبيت الحرام يتضرعون إلى الله طالبين «الصحة»، وقد تركوا خلفه ملايين الأرواح المعلقة بمشانق الفتوى؟!

بحسب الدكتور يسرى عقل، أستاذ أمراض الصدر بطب القاهرة، فإنه يلتقى «يومياً» بنحو أربع حالات تحتاج لزراعة رئة(!!).

الطفل «إسلام» واحد من هؤلاء المحكوم عليهم بالموت.. وأنا أهيب بالعاهل السعودى الملك «سلمان بن عبدالعزيز» أن يعتبر «إسلام» واحداً من أبناء المملكة، وأن يمنحه فرصة الحياة عملاً بقوله تعالى: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً﴾ (المائدة: 32).

ربما يمنح مصر كلها بذلك «قبلة الحياة»، فتغير الهيئات الدينية موقفها المتعنت، وتتخلى عن عنادها، وتقر بشرعية نقل الأعضاء من المتوفين حديثاً.

ففى مصر ما لا يقل عن 20 ألف مريض مصرى بحاجة إلى زرع الرئة.. هؤلاء يا «جلالة الملك» بحاجة إلى «تصحيح الفتوى» من قلب «الرياض».