إمبراطورية نصر محروس

طارق سعد

طارق سعد

كاتب صحفي

الإمبراطورية هى السلطة أو القوة، وهى مشتقة لاتينية ومن طريقتي تأسيسها وإقامتها "الهيمنة"، وهى ناتجة عن سيطرة غير مباشرة باستخدام النفوذ والتأثير عبر الإيحاء بإمكانية الإمبراطور أن يفرض أهدافه المأمولة عبر القوة المباشرة.

ربما يكون هذا التعريف للإمبراطورية سياسى بحت، ولكن وبالقياس تستطيع أن تطبقه وتطوعه فى أى اتجاه طالما وُجدت المقومات والمكونات لهذه الإمبراطورية، وكنتيجة مباشرة سيقفز على رأسها الإمبراطور.

ارتبط مرادف الـ "إمبراطور" بالنجم الراحل "أحمد زكى" نسبة إلى فيلمه الشهير الذى قدمه فى التسعينيات، وهو من أهم علامات مشواره الفنى، ولكننا هنا أمام إمبراطورية مختلفة، إمبراطورية من نوع خاص جداً، تحتاج التوقف أمامها كثيراً، كإمبراطورية موسيقية منفردة استطاع صاحبها بناءها على مدار عقد من الزمان وحفر من خلال نجاحاتها الكبيرة اسماً صعب الاقتراب منه أو حتى منافسته بعدما حقق هدفه كأحد أعمدة صناعة الموسيقى الحديثة.

"نصر محروس عبد المسيح".. الفتى الشاب صاحب الطموح الكبير والذى التقط خيوط شركة والده الذى أسسها وأطلق عليها "محروس فون" معتمداً على التوزيع لشركات الإنتاج الكبرى، ليبدأ من خلالها فى رحلة الإنتاج الفنى، ووضع الأساس لصناعة موسيقية مختلفة، فتلمع عينا الابن مبكراً وينصهر فى العمل بها، ولأن الرؤية فى حد ذاتها موهبة فاعتمد عليها "نصر" وأصقلها ليقرر مبكراً من عشقه للصناعة أن يكون "نصر محروس".

قرار "نصر محروس" بالإنتاج الموسيقى كان قراراً مختلفاً فكانت عيناه على منطقة أبعد من ذلك لا تتوافر بشكل مناسب فى منطقتنا، وهى "صناعة النجوم"، فرفض "نصر" أن يقف فى طابور المنتجين، وقرر أن يصنع بنفسه حالة مختلفة تكتب وتختم باسمه، فكان إنشاءه لكيان جديد يستطيع من خلاله مواكبة التطور الموسيقى وهدفه الصناعة فى المقام الأول.

فى أوروبا والدول المتقدمة صناعة النجوم تحتل مرتبة متقدمة وتنشأ لها مؤسسات خاصة تلتقط الموهبة وتعمل عليها وتطورها، ليس فنياً فقط، ولكن أيضاً كل ما يخدم صورة نجم المستقبل من شكل ومظهر وطريقة الكلام والتوجيه فى أسلوب التفكير والاختيار، صناعة متكاملة اختصرناها نحن فى برامج لاكتشاف المواهب اسماً وتدميرها فعلاً!

اختار "نصر محروس" أن يتحول من شخص إلى كيان كامل يدرس ويختار ويطور ويقدم للجمهور منتجاً قادراً على الاكتساح بمجرد الإعلان عنه حتى ولو كانت موهبة جديدة لم يسمع عنها أحد إلا أن تفاصيل صناعة هذا المنتج بما فيها الموهبة نفسها قادرة على إبهارك خاصة أنه يتولى إخراج أعماله المصورة بنفسه وتطور لكتابتها وتلحينها أحياناً فلا تحتاج أى مجهود إذا رأيت عملاً مصادفة لتتعرف على صانعه لأنك ببساطة تجد نفسك بشكل سريع تقول "ده شغل نصر محروس".

فى سنوات بناء استطاع تقديم نجوماً احتلوا القمة وأصبحوا أبطالاً غنائية فكان بمثابة "مفرخة" للنجوم من اكتشافاته وتطويره على رأسهم "تامر حسنى ـ شيرين ـ بهاء سلطان ـ دياب ـ سومة" بجانب صناعة نجومية "خالد عجاج و حسن الأسمر" وإعادة تشكيل نجومية أسماء مهمة على الساحة بتعاون يصنف كنقلة صريحة فى مشوارهم الفنى مثل "محمد منير ـ محمد فؤاد ـ محمد محى" مع إعادة إحياء فنى لنجم كبير بحجم "محمد رشدى" بألبومين نجحا بقوة قبل رحيله وتأريخ إبداعات العازف "سمير سرور – عاشق الساكس" بجانب ألبومات "ميكس" لنجوم شركته ولم ينس أن يضع بصمته مع الأطفال فأنتج ألبوماً كاملاً بهم حقق نجاحاً ساحقاً وهو ما استطاع به بناء "إمبراطوريته" الفنية التى أصبح مجرد المرور فى مجالها ضماناً للنجاح الكاسح ما خلق أيضاً ثقة متناهية فى منتجات "نصر محروس" الموسيقية وهى أهم المكاسب مع غزارة إنتاجه بالتخصص فى ضخ دماء جديدة للساحة الغنائية ليس فقط للمنافسة ولكن لتصدرها.

وفى أوج هذا النجاح يمر "نصر" بمحنة مرضية تبعده فترة ليست بقليلة عن الساحة ليتوقع الكثير من المتابعين انهياراً لتلك الإمبراطورية الموسيقية خاصة بعد هجرة النجوم الكبار من الشركة وهو أمر فى حد ذاته عامل هدم باقتدار إلا أن "نصر" وبمجرد تعافيه فاجأ جموع المتشائمين بعودة قوية ليعطى درساً فى الإرادة واستكمال النجاح وعدم الاستسلام وبدأت ماكيناته تدور من جديد وبالفعل "طلعت قماش" فيقدم دفعة جديدة من المواهب الغنائية المميزة "نغم – نبيل – ساندرا الحاج" مع عودة قوية لـ "دياب" وامتلاكه محطة فضائية غنائية خاصة لتفرض إمبراطورية "نصر محروس" كلمتها مرة أخرى وبقوة على الساحة الغنائية بأعمال مسموعة ومرئية.

على الجانب الآخر فـ "إمبراطورية نصر محروس" كأية إمبراطورية لها ضحاياها وخسائرها أيضاً فلا شك أن الطيور الكبار التى هجرت تلك الإمبراطورية واتجه أغلبها لإمبراطورية عربية أخرى أكبر تخصصت فى اقتناء النجوم المصرية وتجميدها قد خسرت كثيراً مثلما كبدت لـ "نصر" خسائر فادحة إلا أنه كمحارب عنيد أصر على استكمال مشواره فى الوقت الذى تأثرت فيه نجومية هؤلاء النجوم بشكل واضح ومنهم من سقط فى الطريق وظلت أعمالهم مع "نصر محروس" هى العلامة المؤثرة والفارقة فى مشوارهم وكأنه يمتلك سحراً للنجاح ولعنة فى البعد عنه ولكن .... يلمع سؤالاً مهماً شغل كل المتابعين لهذا المشوار .......

لماذا تنتهى علاقات "نصر محروس" الفنية مع نجومه دائماً بأزمات وأقسام ومحاكم مما دفع النجوم المهاجرين من الشركة وصف هجرتهم بالهروب من "جحيم نصر محروس"؟!

البداية كانت "محمد فؤاد و خالد عجاج" ثم "تامر" ومعارك مع "شيرين" وتجميد "دنيا سمير غانم" 5 سنوات دون أى إنتاج حتى نهاية عقدها معه ومعركة قضائية مع "بهاء سلطان" وأخيراً "نبيل" وربما لن يكون آخراً ... الكل شكواه من إهمال "نصر" وعدم اهتمامه برغباتهم الغنائية وعدم تقديمهم جديد لفترات طويلة بجانب الاختلافات المادية وكذلك الرؤى مع الكبار ومن جهة أخرى يحتفظ "نصر" بوجهة نظره ويرفض مناقشتها أو التفريط فيها وعلى المتضرر "خبط دماغه فى الحيط"!

قدرة "نصر محروس" على الانفراد بصناعة النجوم والموسيقى قابلها أيضاً انفراداً بكم الأزمات والمشكلات ليعتلى القمتين دون منافس وهو ما سبب إزعاجاً دون معرفة السبب الحقيقى هل هو عدم مرونة "نصر" وشعوره الدائم بأنه "صاحب الفضل" أم أن فى الكواليس ما لم يُعلن عنه؟!

الحقيقة أنه بعيداً عن هذا وذاك فما يقوم به "نصر محروس" كصانع نجوم يلزمه التقدير والاقتباس أيضاً على مستوى المجالات المختلفة وليست الفنية فقط فاكتشاف المواهب وتنميتها وصناعة كوادر منها والدفع بها سيطرد العملات الرديئة ويحل محلها عملات جيدة قادرة على الإبداع وإصلاح الصورة المشوهة التى أصبحت عنواناً رئيسياً لسنوات طويلة نتيجة اختطاف الحقوق بـ "الفهلوة" والعلاقات و"التظبيط" فمحاكاة تجربة "نصر محروس" على نطاقات أوسع "هتفرق قوى والله".

قد تتفق أو تختلف ... تهتم أو لا تهتم ... إلا أنك ليس أمامك إلا اختيار واحد فقط وهو احترام وتقدير بناءها ونجاحها وصمودها............ "إمبراطورية نصر محروس".