الدقهلية: «الحاجة زينب» وعائلة «عرفة» نماذج للعطاء بعيداً عن «الشو»
وضع حجر الأساس لمستشفى زراعة الكبد بالمنصورة
لا تتعجب عندما تمر فى شوارع مدن وقرى محافظة الدقهلية فتجد مكتوباً على بعض مبانيها «هذا المبنى تم إنشاؤه بالجهود الذاتية»، أو تزيّنها عبارة «فاعل خير»، فقد ضرب أبناء المحافظة العديد من الأمثلة فى الجود بما يملكون، ولا تكاد تخلو قرية أو مدينة من مبنى تم تشييده بأموال التبرعات، وعادةً ما يتم تسليم المبانى التى شُيدت على أحداث طراز إلى أجهزة الدولة، ومن بينها مدارس ومستشفيات وجمعيات ومؤسسات عملاقة، بالإضافة إلى العديد من المستشفيات بالأجهزة والمستلزمات الطبية، من خلال التبرعات.
وقد برزت عدة نماذج لـ«فاعلى الخير» من أبناء المحافظة الذين لقوا تكريماً من الدولة، ومنهم «الحاجة زينب» الملقبة بـ«صاحبة القرط»، و«الحاجة سبيلة» التى وضعت «تحويشة العمر» بين يدَى الرئيس عبدالفتاح السيسى، وتبرعت بها إلى صندوق «تحيا مصر»، وغيرهما العديد من النماذج الحية للعطاء من أبناء الدقهلية الذين لم يتحدث عنهم أحد، وفضّلوا أن يقدموا تبرعاتهم فى صمت.
ففى قرية «المحمودية»، التابعة لمركز دكرنس، برز 3 أشقاء، يسابق كل منهم الآخر فى عمل الخير، أكبرهم «رمزى» الذى وافته المنية قريباً بعدما ترك بصمته على عدد من المشروعات الخيرية لأبناء قريته، يليه «طلعت» الذى تبرع بكل ما يملك لصالح جامعة المنصورة، ثم الشقيق الأصغر «عادل» الذى تبرع بمبلغ 15 مليون جنيه لبناء مستشفى زراعة الكبد، ويقيم حالياً بالمملكة العربية السعودية.
«سبيلة» تنافس «صاحبة القرط» بـ«تحويشة العمر».. و«فاطمة» تبرعت بمستشفى الأورام «صدقة جارية» على روح ابنها
بدأ «طلعت عرفة عبدالمطلب»، 72 سنة، حديثه لـ«الوطن» قائلاً: «تبرعت بكل ما أملك لمستشفيات جامعة المنصورة، لأن عمل الخير هو الأبقى، ولأن عندنا رئيساً يستحق أن نقف بجواره»، مشيراً إلى أنه كان يعمل موظفاً فى التعاون الاستهلاكى، ويمتلك أرضاً زراعية، كما كان يعمل بالتجارة، ووصف حاله بأنه «مستور»، إلا أنه لم يُرزق بأبناء، وتوفيت والدته وشقيقه الأكبر نتيجة إصابتهما بمرض الكبد، حيث كان يتردد بهما على مستشفيات الجامعة.
وتابع بقوله: «بدأت بعمل مشروع للشباب، من خلال شراء توك توك، وتوفير فرص عمل لهم، ولكن هذا لم يستمر طويلاً، فقررت فى عام 2015 شراء أحدث جهاز لعلاج مرضى الأورام، وكانت قيمته مليوناً و140 ألف جنيه، وبعت فداناً ونصف هى كل ما أملك، وأكمت باقى المبلغ من مالى، وسلمته إلى مستشفى الأورام بجامعة المنصورة»، مشيراً إلى أنه قدم هذه التبرعات «هدية» للرئيس عبدالفتاح السيسى «الذى يستحق أن نقف إلى جواره»، بحسب قوله.
وأضاف أنه «فى أحد الأيام كنت بأكشف على رجلى فى كلية الطب، وتقابلت مع الدكتور إيهاب سعد، وكان عميد الكلية وقتها، وطلب منى أن أكلم أحد أشقائى ليتبرع لفرش عيادة مرضى الصدر والقلب، لأنه يعلم أننى تبرعت بكل ما أملك للأورام، ووقتها سألته: كم يتكلف فرش العيادة، فأكد أنه فى حدود 100 ألف جنيه، فرديت عليه بأن المبلغ سأسلمه لكم غداً، وخرجت من الكلية وذهبت للبنك، وكان لدىّ شهادات استثمار سحبتها ووضعت المبلغ فى كيس بلاستيك، ووضعت عليه بعض الخبز، حتى لا يتتبعنى أحد من اللصوص، وذهبت إلى عميد الكلية وسلمته له».
وأضاف أن «الكلية عملت مناقصة، ورست على مبلغ 120 ألف جنيه، وربنا أكرمنى وجمعت المبلغ وسددته بالكامل، صدقة جارية بعد مماتى، فأنا فى عمر من يودع الدنيا ويقبل على الآخرة، وأريد أن أموت ولا يوجد عندى جنيه واحد إلا وتبرعت به فى أعمال الخير»، وتابع: «أنا من أسرة تربت على الدين والإسلام، وأشقائى سافروا للعمل بالسعودية، وربنا فتح عليهم كثيراً، وأنا أقلهم فى التبرع، لكننى تبرعت بكل ما أملك، ولو كان عندى أكثر لتبرعت به»، مشيراً إلى أن أشقاءه أنشأوا مجمع مدارس وخدمات لأهالى القرية، كما تبرعوا أيضاً بمبالغ مالية لجامعة المنصورة.
ووضعت جامعة المنصورة مؤخراً حجر الأساس لإنشاء مبنى جديد لزراعة الكبد بمركز جراحة الجهاز الهضمى، على أرض ملحقة بالمركز مساحته 800 متر مربع، وذلك عقب تلقيها تبرعاً مالياً بقيمة 15 مليون جنيه، قدمه «عادل»، الأخ الأصغر لعائلة «عرفة»، للبدء فى إنشاء مبنى متكامل لأمراض وزراعة الكبد، تصل تكلفته إلى 70 مليون جنيه، من أجل القضاء على قائمة الانتظار الطويلة لمرضى الكبد، والتى تزيد على 200 شخص.
أما «الحاجة زينب الملاح»، من قرية «منية سندوب»، التابعة لمركز المنصورة، فقد ضربت المثل عندما تبرعت بقرطها الذهبى، وهو «تحويشة العمر»، لصالح صندوق «تحيا مصر»، لحثّ «الأغنياء البخلاء»، حسب وصفها، على التبرع لصالح مصر، وعندما اشترى ابنها «الدسوقى» قرطاً آخر لها، أعلنت عن استعدادها للتبرع به، وقالت جملتها المشهورة: «اللى رايح للبلد جاى لنا تانى»، وقامت محافظة الدقهلية بتكريمها بوضع صورتها بين صور أعظم شخصيات المحافظة، فى معرض الصور بالديوان العام.
مثال آخر فى العطاء، ضربته «الحاجة سبيلة على أحمد عجيزة»، من قرية «ميت العامل»، بمركز أجا، عندما تبرعت بمبلغ 200 ألف جنيه، وبعض مصوغاتها الذهبية، وقامت بتسليمها للرئيس السيسى فى قصر «الاتحادية»، لصالح صندوق «تحيا مصر».
كما أن هناك نموذجاً جديداً للعطاء، كان لسيدة صاحبة رحلة كفاح مشرّفة تحملت خلالها ما يعجز عنه الكثير من الرجال، بعدما توفى زوجها إثر عملية جراحية، تاركاً لها طفلها الرضيع، وتفرغت لتربيته حتى صار أستاذاً بهيئة الطاقة الذرية، وما كادت أن تفرح به حتى توفى بسكتة قلبية، فقررت التبرع بكل ما تملك، وهو منزلها و7 قراريط بقريتها «منية سندوب»، لإنشاء مستشفى لعلاج الأورام كصدقة جارية على روح ابنها.
وتحدثت «فاطمة حسين عطية»، 65 سنة، لـ«الوطن» عن رحلة كفاحها، قائلة: «تخرجت فى كلية الفنون الجميلة، وتم تعيينى معيدة بالكلية، ثم تزوجت من المهندس السعيد محمد شلبى، وكان يعمل فى مصنع الراتنجات بالمنصورة، إلا أنه توفى وترك لى طفلنا الوحيد خالد، وكان عمره عامين وقتها»، وأضافت: «تفرغت لتربية خالد، حتى حصل على الدكتوراه، وسافر إلى أمريكا لمدة شهرين، وقبل زواجه بأسابيع معدودة، توفى إثر إصابته بأزمة قلبية، فقررت أن ألبّى لابنى أكبر أمانيه وهو فى قبره، حيث كان يحلم بإنشاء مستشفى خيرى لعلاج مرضى السرطان، وكان دائماً يتحدث معى فى أن ما نملكه سنخصصه لإنشاء هذا المشروع»، مشيرة إلى أن ما كانت تمتلكه يقدر بنحو 11 مليون جنيه، عبارة عن منزل مكون من 3 طوابق على مساحة 200 متر مربع، تم تقدير قيمته بنحو 4 ملايين جنيه، بالإضافة إلى قطعة أرض فضاء، يقدر ثمنها بنحو 7 ملايين جنيه.
وهناك مئات أخرى من نماذج العطاء بمحافظة الدقهلية، يتبرعون فى صمت، دون أن يتحدث أحد عن تبرعاتهم، منهم «محمد عبدالعال الشرقاوى»، أحد أبناء قرية «كفر ميت فارس»، الذى بذل وقته وجهده من أجل بناء مدرسة إعدادية لأبناء قريته، فى أرضه التى يمتلكها، لعدم وجود أراض مملوكة للدولة بالقرية، وظل يناضل من أجل الحصول على التراخيص اللازمة، حتى حصل عليها، وسلمها إلى هيئة الأبنية التعليمية لبناء المدرسة عليها.
وخلال الفترة الأخيرة، شهدت الدقهلية إنشاء العديد من مراكز الغسيل الكلوى، ومراكز علاج «فيروس سى»، جاءت معظمها من تبرعات المواطنين، وتبنى «محمد أحمد البسيونى»، رجل أعمال من أبناء قرية «بطرة»، بمركز طلخا، مبادرة للتكفل بعلاج أبناء قريته بالكامل من «فيروس سى»، واتفق مع الدكتور جمال شيحة، رئيس مجلس أمناء «مؤسسة الكبد المصرى» فى شربين، على تنظيم قوافل طبية يومية فى القرية، وفحص جميع الأهالى وعلاجهم على نفقته الخاصة، حتى تم علاج 249 من أهالى القرية تماماً، كما دعا أقرانه من رجال الأعمال والقادرين مادياً، إلى أن يفعلوا مثله، حتى يتم التخلص من هذا المرض نهائياً.