إعلام «خالتى فرنسا»

سهير جودة

سهير جودة

كاتب صحفي

إننا نتقاتل عندما نتحاور نرتكب جرائم السب والقذف عندما نختلف نؤكد مع كامل الأسف، أنه على الأخلاق والاحترام السلام، والاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية، مقولة لم تعد صالحة للاستخدام، وكأنها خيال علمى فى الواقع المصرى. الاختلاف فى الرأى يفسد الود ويجعلنا طوائف ويستفز أسوأ ما فينا.. لأننا لم نتعلم كيف نختلف وعلى أى أساس.. الكل يدافع عن وجهة نظره مدفوعاً بهوى النفس، ومن يعارض، فعليه اللعنة والهجوم. وفى الإعلام، كما فى الحياة، لا نختلف باحترام والناتج أن الحوار أصبح خادشاً للحياء وأصبحت جمل السباب والقذف بالأب والأم وكأنها «من أمهات الجمل». وأصبحت شخصية «عبلة كامل» فى فيلم «خالتى فرنسا» مقررة علينا ولكن بشخصيات حقيقية لا يهتز لها ضمير وهى تقدم وصلات الردح والسب وكأن ما تفعله بطولة! وفى ظل الطلقات النارية الانتحارية من سب وقذف وتجريح وإهانة التى يتبادلها البعض ويتراشقون بها علناً وعلى الهواء مباشرة، وفى ظل انتشار «اللاموضوعية» كالوباء.. يعتبر بعضنا نفسه الصواب المطلق ويتعصب لرأيه، وبعضنا انفصل عن الواقع مصاباً بحالة إنكار تام للحقيقة، ولهذا أصبح الهجوم بأسلحة الشتائم الثقيلة، بلطجة إعلامية منحطة المستوى والأداء ومدمرة لأصول وقواعد وأدب الاختلاف أو الحوار. وإذا خرجنا على نص قنابل الشتائم، فإننا نرى مشاهد الدم والقتل وكأننا نهوى تعذيب أنفسنا والمشاهدين بهذه اللقطات التى تغتال البشر أحياء أو أمواتاً وتقدم الأذى لمن يشاهدها. عندما نعرف كيف نختلف وكيف نترفع عن الأذى وكيف نعقد قراناً مع التحضر فى المواقف والآراء وكيف نتبنى حكمة الإمام الشافعى وسماحته وتحضره عندما قال: رأى غيرى خطأ يحتمل الصواب ورأيى صواب يحتمل الخطأ، فهذا معناه أننا نعانى أسوأ الأمراض. عندما نمتلك التفكير على أساس منطقى وصحى وموضوعى، فهذا يدفعنا للأمام، وعندما يكون تفكيرنا عاطفياً مشوهاً، فهذا معناه رداءة الألفاظ وانعدام تحضر السلوك وأننا نرجع إلى الخلف أو فى أفضل الظروف نقف على أرض لا تنبت إلا القبح والأشواك.. والمنطق الصحيح ينتج فعلاً صحيحاً ويأخذ من الواقع ويرد عليه، أما عدا ذلك فهو خرافة تنتج الأفكار المريضة والضلالات. أنا أفكر إذن، أنا موجود، هكذا ربط الفلاسفة وجود الإنسان ورقيه وارتقاءه بالتفكير وبين الإبداع والثقافة.. علماء النفس يصفون التفكير غير الموضوعى بأنه أحد أنواع التفكير العدوانى حيث لا تمييز بين الخطأ والصواب واعتياد عدم الموضوعية يؤدى إلى التعصب، حيث عدم القدرة على التجرد من العواطف وحيث يعتقد صاحب التفكير أنه المالك الحقيقى للحقيقة وأن الحقيقة والصواب ملكية فكرية خاصة بى وحقوق حصرية، بينما عقله محطة رئيسية للخرافات.