"محمد وحسن" جمعتهما الصداقة في «الحياة والموت».. شهيدا لقمة العيش

كتب: سمر عبد الرحمن

"محمد وحسن" جمعتهما الصداقة في «الحياة والموت».. شهيدا لقمة العيش

"محمد وحسن" جمعتهما الصداقة في «الحياة والموت».. شهيدا لقمة العيش

نشئا سويًا فى قرية واحدة، وتربا معًا رغم إختلاف منزليهما، درسا في مدرسة واحدة، حتى أنهما قررا معًا ترك المدرسة في المرحلة الإعدادية؛ للعمل فى مهنة الصيد ومساعدة والديهما في الإنفاق على أسرتيهما، لم تستطع ضغوطات الحياة ان تفرقهما، فعملا معًا في الصيد الداخلي، ثم قررا ان يعملا في رحلات الصيد في المياه الأقليمية والتي تستغرق من 20 يومًا إلى شهر على متن المراكب الكبيرة.

اتفقا "محمد وحسن" على الخروج للعمل على متن المركب المُسماره "الحاج نصر" والتي خرجت من بوغاز رشيد في السابع من يناير الجاري، بتصريحات رسمية من المخابرات الحربية والجهات المعنية، متجهة إلى جزيرة مالطا على أن تستغرق رحلتها 20 يومًا وتعود 26 يناير، إلا أن القدر لم يمهلهما، كانا يجهزان سويًا معدات الصيد والتقطا بعض الصور أثناء تحضيرها، وكانهما يودعان ذويهما، خرجا فلم يعودا، فُقدا على متن المركب الغارق قبالة السواحل الليبية.

وفاء محمد، التى تبلغ من العمر نحو 55 عامًا،والدة حسن عبدالله أحمد علي مرتضى، البالغ من العمر 17 عامًا، وأحد المفقودين في مركب ليبيا، تؤكد لـ«الوطن» انه خرج في رحلة صيد واحدة في المياه الإقليمية، قبل هذه التى لم يعد منها، وأن صديقه محمد حسن السمار، هو من اقترح عليه العمل، فهما كانا يعملان في الصيد بقرية برج مغيزل التابعة لمركز مطوبس بكفر الشيخ، لكنهما لم يستطيعا توفير أي أموال فقررا العمل في رحلات خارجية لتوفير المال اللازم للزواج.

تقول والدة المفقود «حسن ومحمد مكنش في أي حاجة بتفرقهم عن بعض، إتربوا ودخلوا المدرسة واشتغلوا، علشان ينفقوا علينا إحنا وأسرة محمد، ويجهزوا شقق زوجية، لكن راحوا ومرجعوش، حتى الموت رفض ياخد ويسيب واحد، أنا مش عارفة عنهم حاجة، ونفسي قلبي يطمن، ويرجعوا جثث ولدنا، عرفت امبارح انهم طلعوا جثة محمد، لكن ابني مطلعش، ومش معقول ندفن واحد ونسيب التاني، هما الاتنين ولادي».

داخل غرفة صغيرة في المنزل تجد عبد الله مرتضى، والد «حسن» يجلس وحيدًا طالبًا من الجميع ألا يقترب، وأن يتركوه وحده حتى يعود نجله وصديقه تقترب منه، فيقول لك بصوت متهدج من الحزن «ابني اتصل عليا وقالي بصوت بطئ ان المركب بتغرق شوفوا حد ينقذنا، أرسلنا إستغاثات للبحرية الليبية لكن محدش استجاب، وأنا ومحمد ماسكين في أيد بعض وبنقول هنموت مع بعض، كلماته قطعت قلبي فهرولت مسرعًا إلى منزل محمد كي أطمأن من والده هل اتصل به أم لا، ونحاول سويًا الاتصال بهما، لكن انقطع الاتصال وسقطت الشبكات، وعرفت وقتها انهما ومن معهما في خطر، فذهبنا إلى أحمد نصار، نقيب الصيادين بكفر الشيخ، لإخباره بما حدث وحاول الاتصال بهما لكن دون جدوى، وهنا تيقنت أن أمواج البحر ابتلعتهما».

تتوجه إلى حسن محمد السمار، والد محمد الذي استخرج جثمانه من مياه ليبيا في ساعة متاخرة من ليلة أمس، رجل يبلغ من العمر 45 عامًا، مُصابًا بفيروس سى، يؤكد أن محمد يبلغ من العمر 17 عاماً وهو ابنه البكر، لكنه فضل ترك المدرسة ليساعد في نفقات الأسرة: "محمد خرج من المدرسة علشان يشتغل صياد ويصرف عليا عقب إصابتي بالمرض، الا أنه لم يعد، واتصل علينا قبل أيام من غرق المركب ليؤكد أنه تم القبض عليهم من قبل أحد اللنشات الحربية الليبية، ولابد ان يدفعوا كفالة تُقدر بـ480 الف جنيه".

يضيف والد محمد "تواصلنا مع صاحب المركب وأرسلنا اليهم الكفالة وتم دفعها وخرجوا وكانوا فى طريقهم للعودة وبعد 13 ساعة من الإبحار وسط البحر تعطل الموتور الخاص بهم واتصل بي مرة أخرى يستنجد بنا للاتصال بوزارة الخارجية المصرية، وأرسلنا إستغاثات لـ3ايام متواصلة لكن لم يستجب أحد وتنقطع الاتصالات بينهم لمدة يوم كامل ثم ليأتي خبر غرق المركب، وعن ذكريات محمد وحسن، يحكى الأب «مكنوش بيسيبوا بعض، كانوا أكتر من الأخوات وبيشتغلوا مع بعض وبيفرحوا ويحزنوا مع بعض، حتى الموت أخدهم في سفرية واحدة، عليه العوض ربنا يعوض علينا، وبنشكر ربنا على الابتلاء".

يتابع الاب قائلًا "قبل مايسافروا بيومين وأثناء التجهيز كانو بيتصورا وبيضحكوا كتير وكأنهم بيودعونا ويقولولنا مش راجعين، الاتنين اتفقوا على انهم يتجوزوا في يوم واحد، وكانوا مسافرين في رحلات علشان يجهزوا نفسهم، لكن روحهم صعدت للسماء سويًا، وكل اللي طالبينه جثثهم ترجع علشان ندفنهم جنبنا، كل أموال الدنيا لن تعوضنًا عن فقدان فلذة أكبادنا اللي خرجوا علشان لقمة العيش، وإحنا بنعتبرهم شهداء عند ربنا لأنهم ماتوا غرقا، ومش هندفن واحد ونسيب التاني، ابني خرج وصديقه لسة مخرجش، ويعتبر ابني التاني، مش هناخد عزاء إلا لما نستلم الجثمانين».


مواضيع متعلقة