مدير «مركز تغير المناخ»: مصر تتصدّر المؤشرات العالمية للدول المضارة من «التغيرات المناخية».. والجميع يتعامل معها باستخفاف
الدكتور محمد فهيم
قال الدكتور محمد فهيم، المدير التنفيذى بمركز معلومات تغيّر المناخ بمركز البحوث الزراعية، إن التغيّر المناخى أخطر ألف مرة على مصر من الإرهاب، ومع ذلك يتم التعامل معه باستخفاف على كل المستويات من المواطن، وصولاً إلى كل أجهزة الدولة، مضيفاً أن المسئولين يأخذون فى اعتبارهم قضايا مهمة عند إعداد خطط التنمية مثل الانفجار السكانى، لكنهم لا يضعون التغير المناخى من بين هذه القضايا رغم آثاره التى يمكن أن تفسد كل هذه الخطط، مطالباً بإنشاء وزارة خاصة أو «لجنة عليا» على أعلى مستوى تنسق بين الوزارات لإدارة المخاطر الناجمة عن تفاقم التدهور البيئى.
«فهيم» لـ«الوطن»: الاحتباس الحرارى أخطر ألف مرة على مصر من الإرهاب.. ونحتاج وزارة لـ«التغير المناخى»
وأضاف «فهيم»، فى حوار لـ«الوطن»، أن مصر تحتل مراكز متقدّمة فى مؤشرات الارتفاع فى منسوب سطح البحر، والمتوسط العام لدرجتى الحرارة والأحوال المناخية الجامحة، خصوصاً أن دلتا النيل فى المركز الثالث عالمياً من حيث معدلات نفاذ المياه المالحة إليها، موضحاً أن الخسائر فادحة لتعرّضها لموجات الحر الشديدة أو البرد القارس أكبر من غيرها، محذّراً من ظاهرة التغيّر المناخى، باعتبارها غير عادلة، منوهاً بأنها أسهمت فى وصول «الجراد» و«دودة الحشد الخريفى» بفعل قوة الرياح.. وإلى نص الحوار:
أين تقع مصر فى مؤشر قياس التغير المناخى؟
- توجد عدة مؤشرات عالمية لقياس هشاشة الدول أو تأثرها بالتغيرات المناخية المختلفة، مثل معدلات الارتفاع فى منسوب سطح البحر، والمتوسط العام لدرجتى الحرارة والأحوال المناخية الجامحة، وللأسف تحتل مصر مراكز متقدمة فى جميع هذه المؤشرات، لأنها تقع فى نطاق الدول التى تعانى من الجفاف الشديد مثل دول غرب آسيا، فمعدل الأمطار يقترب من الصفر والمساحات الخضراء أقل من 3% من إجمالى المساحة التى تسيطر عليها الصحارى، فمثلاً دلتا النيل تحتل المركز الثالث عالمياً بعد «هولندا والصين» من حيث معدلات نفاذ المياه المالحة إليها، وللأسف أيضاً تتأثر سلباً أكثر من دول أخرى تتعرّض للمتغيرات نفسها.
لماذا تكون خسائرنا أكبر من غيرنا؟
- الخسائر المصرية مثلاً من موجات الحر الشديد أو البرد القارس أكبر من غيرها، لأن المنظومة الزراعية عندنا أقل مرونة، والموارد المالية المخصّصة لاحتواء آثار هذه التغيرات محدودة، فضلاً عن انخفاض مستوى الوعى والخبرة بشكل عام لدى المواطن والمسئول على السواء، كل ذلك يفاقم الخسائر، خصوصاً مع وجود عشوائية واضحة وعدم تنسيق بين أجهزة الدولة، ولا بد من وجود وزارة خاصة أو «لجنة عليا» على أعلى مستوى تنسق بين الوزارات لإدارة المخاطر الناجمة عن تفاقم التدهور البيئى، فالوقت ليس فى صالحنا، وإن التغيّر المناخى أخطر ألف مرة على مصر من الإرهاب، ومع ذلك يتم التعامل معه باستخفاف على كل المستويات من المواطن، وصولاً إلى كل أجهزة الدولة، المسئولون يأخذون فى اعتبارهم قضايا مهمة عند إعداد خطط التنمية، لكنهم لا يضعون التغير المناخى من بين هذه القضايا رغم آثاره التى يمكن أن تفسد كل هذه الخطط.
ما أكثر المناطق المصرية التى تأثرت بهذه التغيرات؟
- مصر كلها تأثرت بنوبات أو موجات المناخ الجامح، خصوصاً مناطق الظهير الصحراوى، وأكثر المناطق تضرّراً من ارتفاع سطح البحر، فهى محافظات شمال الدلتا، مثل «كفر الشيخ ودمياط»، ووفقاً لبعض السيناريوهات قد ترتفع مياه البحر بمعدل 50 سنتيمتراً ما بين عامى 2030 و2040، مما يؤدى إلى «بوار» نصف مليون فدان من الدلتا، وفقدان 2.5 مليون مواطن موارد أرزاقهم، ولاحظ أن الهجرة غير الشرعية مركزة بالفعل فى المحافظات التى تأثرت بالجفاف والملوحة، واقترح التوسّع فى زراعة الأرز فى هذه المحافظات، لأنه يزرع بالغمر والمياه العذبة أثقل من المالحة، وبالتالى سوف يعمل المحصول كحاجز طبيعى ضد نفاذ المياه المالحة، والصعيد بالطبع هو الأكثر تأثراً من حيث ارتفاع متوسطات درجات الحرارة.
الدلتا مهدّدة بارتفاع منسوب البحر.. والصعيد يعانى من ارتفاع درجات الحرارة.. وهجمات «الجراد» سببها تغيّر اتجاهات الريح
ما المقصود بزيادة موجات المناخ الجامح؟
- المقصود هو موجات الحرارة الشديدة أو الصقيع أو السيول أو الجفاف والعواصف الترابية التى تضرب بلداً ما بشكل غير متوقع نتيجة الخلل فى منظومة البيئة، وزيادة هذه الموجات، يعنى مثلاً زيادة موجات الحر الشديد، من حيث عددها، فبدلاً من موجتين فى الصيف تصبح 7 أو 8 موجات، وتطول فترة كل موجة لعدة أيام، وترتفع فيها الحرارة بشكل أكثر من المعتاد، أى أن الزيادة فى العدد والمدة الزمنية والكثافة.
هل يمكن أن تضرب لنا أمثلة عملية لوقائع محدّدة أثّر فيها التغيّر المناخى علينا؟
- الأمثلة كثيرة، ففى أبريل 2008 ارتفعت درجات الحرارة عن معدلاتها فى مثل هذا الوقت من العام، وفقدنا من 15 إلى 20% من إنتاجنا من القمح (نحو 2.9 مليون فدان)، أى ما يعادل خسائر 400 ألف فدان، كما تعرّض محصول المانجو لخسائر فادحة فى مارس من العام الماضى بسبب الرياح القوية، وارتفعت أسعار البطاطس فى 2016 بسبب هطول أمطار شديدة فى شهرى ديسمبر، ثم يناير من 2017 فى معظم محافظات الدلتا أثرت على العروة الشتوية للبطاطس، وتأثر قطاع الصيد البحرى بشدة بارتفاع درجات الحرارة، لأنه رفع بدوره درجات حرارة البحر التى أدت إلى هجرة الأسماك إلى أعماق أبعد من متناول الصيادين، مما حرمهم من مصادر رزقهم، ودفع كثيراً منهم إلى الهجرة، خصوصاً أنهم بحكم عملهم يعرفون أسهل الطرق للوصول إلى أوروبا بشكل غير شرعى، وكثير من المزارعين فى سيناء انصرفوا عن زراعة الفواكه التى كانوا يتميزون بها، واتجهوا لزراعة الخضراوات بسبب تغول الصيف على الشتاء هناك، واضطر المزارعون مؤخراً لعدم زراعة عروة الطماطم الصيفية فى محافظات مصر الوسطى، مثل بنى سويف والمنيا بسبب ارتفاع درجات الحرارة أثناء عقد الثمار، وهناك ما هو أخطر، فظاهرة الجراد وبعض الآفات الزراعية الخطيرة هى من نتائج التغيّر المناخى، لكن بعض أجهزة الدولة ووزاراتها تميل إلى التعتيم والتقليل من خطورة الأحداث حتى تبعد نفسها عن المسئولية والمساءلة.
كيف أسهم التغير المناخى فى هجوم «الجراد»؟
- لم تكن مصر موطناً لهذا «الجراد» الذى يأتينا من أفريقيا، وكانت الرياح تحدّد انطلاقه ثم عودته إلى موطنه المعتاد، لكن تغيّر اتجاه الرياح دفع بهذه الجحافل فى 2012 لأن تأتى، وقد يدفع بها مرة أخرى إلى مصر وغيرها من الدول التى لم تعتد عليها حسب التغير فى حركة الرياح، وهناك ما هو أخطر من «الجراد»، مثل «دودة الحشد الخريفى»، التى جاءت إلى أفريقيا من البرازيل وأمريكا الشمالية إلى نيمبيا وجنوب أفريقيا، ثم انتقلت إلى الكاميرون محمولة على الأرجح بالرياح، وساعد تغير المناخ هناك فى انتشاره بشكل كبير وضربت أكثر من 34 دولة فى شهور قليلة بعضها على حدودنا، مثل السودان وتشاد، وهذه الدودة قاتلة وتدمر آلاف الأفدنة فى أيام، ونرجو أن يكون المسئولون مستعدين لهذا الخطر المحتمل.