مؤتمر الأزهر عن القدس.. لا عذر للمندهشين والغافلين

فى عصرنا الحالى عزّ أن تجمع دولة عدة دول تحت ظلالها، فكل دولة تخاصم الأخرى وتعاديها، ولكن الأزهر، بسمائه الرحبة وقلب شيخه الطيب السمح الزاهد، استطاع أن يجمع 86 دولة تحت لواء مؤتمره الناجح عن القدس بعد ثلاثين عاماً من انقطاع المؤتمرات المؤيدة والداعمة للقدس الشريف.

القدس جامعة وموحدة، القدس عاطفة جيّاشة فى القلوب، قد نختلف على كل شىء إلا القدس، بركة القدس جمعتهم ورحابة الأزهر وبركات شيخه الورع العفيف المحب للجميع جمعتهم، فجاءوا محبين ملبين فى ظرف عصيب تتمزق فيه بلاد العرب والمسلمين ليدقّ المؤتمر ناقوس الخطر ويُشعل ما عساه قد خبا وخمد من شعلة العزم للتصدى للعبث الصهيونى الهمجى بعد أن أراد الغرب تنصيب إسرائيل رأساً وحارساً للمنطقة، تأمر فتُطاع.

ولكن شيخ الأزهر يصرخ فى العالم مؤكداً حقائق التاريخ والحياة: «كل احتلال إلى زوال إن عاجلاً أو آجلاً، حتى وإن بدا اليوم أنه مستحيل، ونهاية الغاصب معروفة، وخاتمة الظالم معلومة، واسألوا الحملات الصليبية وجنوب أفريقيا ومآل المستعمرين لتعلموا أن الزوال مصير الطغيان الصهيونى».

إذا نظرت فى هذا المؤتمر الحاشد بيوميه كأنك تنظر إلى العالم كله وقد اختُصر فى هذه القاعة، الفلسطينى إلى جوار اللبنانى، ومعهما الماليزى والإندونيسى والمصرى والموريتانى والسودانى والنيجيرى والغانى والكويتى والسعودى والإماراتى، رؤساء دول ورؤساء وزراء سابقون وعلماء ودعاة وشيوخ وقسس وعلماء دين من السنّة والشيعية ورهبان من كل المذاهب المسيحية.

ترى هناك فى القاعة ثلة من قادة الأرثوذكس فى العالم كله يتصدرهم البابا تواضروس، صاحب هتاف «وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن»، والذى حمى مع كنيسته قضية القدس وعروبة فلسطين، وهناك ثلة أخرى من قادة الكاثوليك فى العالم، سواء من الفاتيكان أو لبنان أو فلسطين أو الأردن، وثلة أخرى من قادة البروتستانت فى العالم كله من الشرق والغرب على السواء. جاءوا جميعاً محبين للأزهر وشيخه وللقدس.

ترى فى القاعة أئمة من الشيعة ممتزجين مع أهل السنّة، فالقدس والأزهر هما مفتاح المصالحة وعودة الوئام بين السنّة والشيعة.

حتى أحبار اليهود كانوا فى المؤتمر، عبّروا عن رفضهم للأفكار الصهيونية، وأنهم مع القدس عاصمة لفلسطين وملجأ وملاذاً وأماناً للمسلمين والمسحيين واليهود. عاد الأزهر ليحتضن كل الرسالات، وكأنى أرى رواق الأقباط فى الأزهر يعود مرة أخرى، حينما أرى حجم القسس والرهبان والشيعة وأحبار اليهود المناصرين للحق العربى فى القدس.

قضايا الحق تجمع البشر جميعاً، بركة القدس تأسر القلوب وتوحدها، رأيت أمين الجميل الكاثوليكى إلى جوار محمود الشريف، إلى جوار عمرو موسى، ومعهم فؤاد السنيورة، ود. شومان، رأيت الطيب إلى جوار تواضروس إلى جوار مرزوق غانم ومعهم محمود عباس، وكلهم أبدعوا فى كلماتهم التى خرجت من القلب.

لم يكن المؤتمر مكلمة سياسية، بل كان صرخة حق خرجت من قلوب صادقة عاشت محنة القدس من بدايتها لنهايتها حتى قال د. مصطفى حجازى عاتباً على الأمة العربية والإسلامية: «مائة عام من الدهشة فى قضية القدس وفلسطين تكفى وتزيد، فالدهشة ليست قدراً تاريخياً ولا هى وظيفة سياسية ولا قضية إنسانية ولا هى عذر يسمى العذر بالدهشة، فالتاريخ لا يعذر المندهشين».