الخوف من فقدان الوظيفة.. غول الأمراض النفسية ومتخصصون: 20% من المرضى بسبب ضغوط بيئة العمل

كتب: سحر عزازى

الخوف من فقدان الوظيفة.. غول الأمراض النفسية ومتخصصون: 20% من المرضى بسبب ضغوط بيئة العمل

الخوف من فقدان الوظيفة.. غول الأمراض النفسية ومتخصصون: 20% من المرضى بسبب ضغوط بيئة العمل

أكد عدد من الأطباء النفسيين أن نسبة المرض النفسى الناتج عن مشكلات فى الوظيفة وصلت إلى 20%، وهى نسبة كبيرة مقارنة بالسنوات الماضية، ويرجع ذلك إلى عدم الأمان من فقد الوظيفة فى أى وقت، مما يؤدى لكثرة الضغط والتوتر وارتفاع نسبة أمراض القلق والاكتئاب التى قد تؤدى إلى الانتحار والموت، وبعض الأمراض الكبرى مثل القلب والسكر والضغط وغيرها، وينصح البعض باللجوء الفورى إلى عيادة الطبيب النفسى لمتابعة الحالة فى بدايتها، فضلاً عن تغيير آلية بعض أماكن العمل، بما يصب فى مصلحة الموظف لزيادة إنتاجيته وتوفير سُبل الأمان، موضحين لـ«الوطن»، أن العمل فى القطاع العام يشكل أماناً أكثر للعاملين به، لكنه ينعكس سلبياً على سوق العمل بقلة التنافس والتميّز وتراجع الأداء، وأن أكثر المصابين بالضغط النفسى هم من يمارسون مهن الطب والصحافة والمحاماة والعسكرية، وكذلك موظفو البورصة والبنوك.

الدكتور عمرو سليمان، استشارى الطب النفسى، أكد أن عدد الموظفين الذين يعانون من ضغوط فى العمل زاد بشكل كبير جداً خلال السنوات الماضية وصل إلى 20%، من بينهم أطباء ومهندسون وضباط شرطة وموظفو بنوك وشركات كبرى: «جميع الوظائف الخدمية يعانى موظفوها من ضغوط نفسية واكتئاب يصل إلى حد البكاء الشديد، نتيجة المسئولية وعدم الإحساس بالأمان، الذى يؤدى أحياناً إلى نوبات هلع شديدة بسبب القلق العالى».

{long_qoute_1}

ويحكى أن عيادته الخاصة يتردّد عليها الكثير من هذه الحالات التى تخشى فقدان الوظيفة، وتأخر الترقية رغم بذل قصارى الجهد، فضلاً عن انخفاض الراتب وزيادة المسئوليات: «فيه ناس بتيجى تحكى لى أنها بتسمع الكلام وبتشتغل بشكل كويس، ورغم ده كله غير مقدّرة، مقارنة بزملاء آخرين»، مشيراً إلى أن البعض يذهب إلى عيادة الطبيب النفسى بسبب عدم التطوير من نفسه وبأنه مهدّد طوال الوقت: «دائماً هناك إشكالية بين صاحب العمل والعامل، الأول يحتاج إلى جهد وإنجاز بمقابل أقل والثانى يرغب فى مقابل أكثر بجهد أقل، ومن هنا يبدأ الخلاف بين الطرفين»، مؤكداً أن بيئة العمل المصرية أصبحت مسمّمة، وانتشر مصطلح «العصفورة» بين الموظفين، مما يُعكر صفو المكان: «جالى مريض شغال فى خدمة عملاء شركة كبيرة من كتر المسئولية اللى شايلها انهار، وكان بيروح الشغل يقف عند عربيته بيبكى بشدة، ومش عايز يدخل، لأنه تحمّل فوق طاقته ومديره شايف إنه لازم يؤدى دون توقف»، موضحاً أن الأزمات النفسية الناتجة عن العمل غير مرتبطة بالحالة المادية فقط، بل أحياناً تكون نتيجة الضغط وعدد ساعات العمل الزائدة: «بيجى لى دكاترة كتير بيعانوا من ضغط نفسى وممكن يطبّق يومين بدون نوم ولا راحة ومنهم من لم يرَ أهله لمدة أسبوع، بسبب التكليف، خصوصاً لو كانوا أطباء فى بداية حياتهم العملية».

وتابع أن الهروب من المسئولية ليس حلاً، بل اللجوء إلى المتخصص قد يُخفّف عبء الضغوط بالذهاب إلى طبيب نفسى، لافتاً إلى أنه لا بد من دواء لتدارك الأمر سريعاً: «معظم موظفى البنوك يبكون خارج مكاتبهم من الضغط».

وعن أبرز الوظائف التى زارت عيادته خلال الفترة الماضية، قال: «موظفو البنوك بشكل كبير والأطباء بشكل عنيف، بسبب ضغط العمل والمسئوليات وعدم التقدير المادى، خصوصاً الصغار منهم»، مؤكداً أن بيئة العمل فى حاجة إلى تغيير عاجل، حتى يتم زيادة الإنتاج، ناصحاً جميع الموظفين بالفصل بين المشكلات الشخصية ومشكلات العمل، وخلق بيئة عنوانها التناغم، لأن المشكلات بين الزملاء أبرز العوامل التى تؤدى إلى فقدان الأمان بخوف كل فرد من أن يسعى زميله إلى رفده وأخذ مكانه، بالإضافة إلى أنه لا بد أن يكون العمل هو أولوية الموظف أثناء فترته، وعدم التباطؤ فى أدائه وتحديد الأولويات كل يوم، لتجنب المساءلة. {left_qoute_1}

وتحدث الدكتور حسام صبرى، مدير وحدة التأهيل النفسى بمستشفى العباسية، عن مصطلح الأمان الوظيفى، مشيراً إلى أن الأمان هو قاعدة الهرم النفسى، تليه الاحتياجات الأساسية من مأكل ومشرب وغيرهما، مضيفاً: «الأمان هو رقم واحد، تليه الاحتياجات الأخرى، ثم مسئولية الإنسان عن نفسه، ثم مجموعة من البشر، والشعور بالارتياح والسعادة والإبداع فى عمله، بما يصل إلى درجة إحساس عالية تجعله متصالحاً مع الكون بأكمله».

وتابع: «مرحلة الأمان أهم شىء، لو فُقدت سيحدث خلل يؤدى إلى مشكلات نفسية كثيرة، وبالنسبة للوظيفة فهى مرتبطة بالأمان، لأنها تحقق دخلاً ثابتاً يمثل ميزانية بيت، لكنه فى الوقت نفسه يمثل ضغطاً رهيباً فى كل مكان، وليس هنا فى مصر فقط مع وجود اختلافات، فانتظار الراتب كل أول شهر فى حد ذاته ضغط بسبب حياة الأقساط والديون والجمعيات، التى تكون فى انتظاره، وفجأة يكتشف أن راتبه انتهى فى أول 3 أيام».

وأكد أن حالات الطلاق معظمها ناتجة عن مشاكل مادية، وهى فى أول قائمة الضغوط، وتمثل عبئاً كبيراً جداً على أصحابها، والدليل أن جميع الأشخاص ميسورى الحال حياتهم مستقرة إلى حد ما، وبعض الشركات الكبرى تلجأ إلى فكرة تقليل العمالة من أجل زيادة أسهمها والحصول على مكاسب إضافية، تؤثر على العمال بعد انقطاع عيشهم، حيث يصابون بالأمراض النفسية، وهناك نماذج حية شاهدتها، وتنعكس على الأسرة وتخلق المشاكل فيها، لذا يجب اللجوء للحل الناجح باستشارة خبير أو متخصص أو اللجوء لحل آخر مناسب، وهو التفانى والرضا، واللجوء أيضاً للنكتة ورؤية الوضع بمنظور ساخر لتقليل الضغوط، حسب قوله.

وأكدت الدكتورة كريمة محمد، طبيبة نفسية، أن الأسباب قد تكون ناتجة عن الرتابة والملل وقلة الخبرة وسوء الإدارة فى بعض المؤسسات، وضعف العائد المادى، جميعها أسباب تؤدى إلى فقدان الأمان الوظيفى والشعور بالاضطراب النفسى: «الشخص اللى مش متثبت فى مكان هو الأكثر عرضة للمرض النفسى، لأنه مهدد بالفصل طوال الوقت»، مشيرة إلى أن «قانون الحماية المدنية الجديد ليس فى صالح الموظف».

وتابعت: «الموظفون الذين يترددون على عيادات نفسية فى تزايد ملحوظ، ولكل أسبابه الخاصة التى أدت به لهذه الحالة، فالضغوط النفسية فى ظل ارتفاع الأسعار وضعف الرواتب يمكن أن تؤدى للموت، نتيجة الضغط الكبير والتوتر والاكتئاب»، مضيفة: «بعض الموظفين بيجمعوا بين مهنتين لتلبية احتياجات أسرهم، مما ينتج عنه الشعور بالفشل وعدم النجاح وفشل حياته الأسرية وحرمانه من عائلته لفترة طويلة، ويؤدى لنتيجة عكسية».

وأشارت إلى أن أكثر الناس عرضة للضغط النفسى الذين يعملون خارج مجال دراستهم مثل خريجى حقوق وتجارة والصنايعية، لأنهم يفتقدون للوظيفة الحكومية ومعتمدون على العقد أو اليومية، بالإضافة للخريجين الجدد وتنقلهم بين أكثر من وظيفة، مما يقودهم لعدم الإحساس بالأمان، وبالتالى ستقل إنتاجيتهم وتحدث حالة من الشلل والإجهاد الشديد نحن فى غنى عنها، لأنها ستؤثر على صحته وتعرضه للإصابة ببعض الأمراض مثل القلب والسكر والضغط وتصلب الشرايين، لأنها دائرة مرتبطة ببعضها فى جسم الإنسان، فضلاً عن استهلاك مخزون الطاقة بداخله، مما يؤدى فى النهاية للوفاة، موضحة أن العلاج يحتاج لأكثر من جانب، وأول شىء هو تدخل الدولة نفسها بتوفير وظائف آمنة للخريجين تناسب دراستهم واحتياجات سوق العمل، ووضع قوانين فى صالح الموظف بشكل عام وليس ضده، وتعطيه كامل حقوقه لأنه فقد الإحساس بالانتماء فى السنوات الماضية وأصبح يفكر فى مصلحته الشخصية فقط.

من جانبها، قالت الدكتورة سارة فوزى، طبيبة نفسية، إن هناك وظائف أكثر عرضة للضغط النفسى عن غيرها، ويزداد فيها التردد على العيادات النفسية مثل الأطباء، خصوصاً أقسام مثل الجراحة والباطنة والطوارئ، التى بها مجهود وضغط كبير، بالإضافة لأصحاب «البيزنس» والمحامين والصحفيين، وموظفى البورصة الذين من الممكن أن يتعرضوا لضغط طوال الوقت، مما ينتج عنه أمراض الاكتئاب والقلق والوسواس.

وأضافت: «تبدأ الشكوى من سن 26 حتى 50، ويختلف الأمر من شخص إلى آخر على حسب البيئة التى نشأ فيها وقدرة تحمله عن غيره، بالإضافة للجينات الوراثية والتاريخ العائلى، فالبعض غير مدرك أن المرض النفسى كغيره من الأمراض أحياناً يكون مرتبطاً بجين وراثى، يمكن اكتشافه بعد عدة جلسات مع المريض»، لافتة إلى أن البعض يكون لديه القدرة على التعامل مع الضغوطات الشديدة ويتفاداها، وفى المقابل لا يقدر شخص على تحمل القليل منها».

وتابعت: «هناك عوامل يمكن أن تنقذ الشخص قبل ذهابه لعيادة الطبيب النفسى، منها المعيشة والأسرة والعلاقات الداعمة فى حياته ودائرة معارفه القادرة على الوقوف بجانبه، كلها أمور تجعله يشعر بالاطمئنان فى حالة تعرضه لضغط نفسى نتيجة الوظيفة».

الدكتور محمد مصطفى السيد، إخصائى الطب النفسى، أكد أن مصطلح الأمان الوظيفى مرتبط بالأمان المادى الذى فقده البعض بسبب انتشار البطالة والفقر، وجميعها عوامل مؤدية إلى الاكتئاب، مما يترتب عليه ضغط عصبى يجعل الشخص فاقداً للقدرة على العمل، مما يُعرّضه لفقدان الوظيفة، لأن أغلب القطاع الخاص لم يعترف بالمرض النفسى، وليس له تأمين صحى، رغم أنه على أولويات الوظيفة، لأنه يتسبّب فى اضطرابات قوية، ومع ذلك فالمريض لا يمكنه إثبات أنه مريض ويتعرّض للخسارة الأكبر.

وقال «السيد» لـ«الوطن»: «الأمراض النفسية علاجها غالى الثمن، وبالتالى ليس فى متناول الجميع، خصوصاً أصحاب الدخل الضئيل، لذا فهى تمثل عبئاً مالياً يعجز الموظف على تحمله، ومن هنا يجب أن تضع الدولة هذا فى الحسبان وتؤمن الموظف، وتبعد عن فكرة الفصل المباشر، تتركه لمدة شهرين على الأقل لإيجاد عمل بديل يضمن له حياة كريمة بدل انقطاع دخله فجأة وتشرده، وتخلق بيئة للتعافى والتأهيل النفسى وتدعم الشخص وتحقق له الأمان المناسب حتى تكون لديه القدرة على الأداء فى ظروف ملائمة بإمكانيات مناسبة».

وتابع: «مطلوب تشريعات تضمن للموظف الانتقال من وظيفة لأخرى خلال فترة كافية.. وحال لجوئه للقضاء ضد شركته يجب الفصل فيها خلال شهرين على الأكثر وليس سنوات»، مطالباً بوجود طبيب نفسى أو إخصائى اجتماعى فى كل مؤسسة يزيد عدد موظفيها على 200 فى الشركات الكبرى، لافتاً إلى أن البعض يفتقد ثقافة التعامل مع الضغوط ويحتاج لإخصائى يستشيره من وقت لآخر: «كل مؤسسة محتاجة لطبيب و4 مساعدين، يقومون بدور وقائى لتعلم الموظف كيف يتعامل مع الضغط والتحسين من قدرته على التكيف».

وأوضح أن أكثر الأشخاص عرضة للضغط النفسى الجنود فى الحرب، فهم فى حاجة إلى حملات دعم نفسى باستمرار، بجانب الأطباء فى مختلف المجالات: «فى الخارج معدل الانتحار بين الدكاترة كبير بسبب الضغط النفسى، وهنا لا يمكن أن نقف على رقم صحيح لأن جميع الأهالى يخبئون فكرة أن فرداً منهم تعرض للانتحار لعدم تشريحه ويرجع ذلك إلى قناعات اجتماعية».

وأكد الدكتور فادى صفوت، طبيب نفسى، أنه لا توجد أسباب واضحة يمكن الوقوف عليها لتجنب فقدان الأمان والوظيفى إلا أنه لا بد أن يؤمن الشخص نفسه من البداية لعدم التعرض لأى ضغط أو تهديد بأن يطور نفسه طوال الوقت ويجدّد مهاراته ويصقلها، فضلاً عن أن مرض الخوف من فقدان الوظيفة له استعداد وراثى يتباين من شخص لآخر.

وأضاف: «الأمان ينبع من الداخل وليس من وظيفة أو أى ميزة أخرى ليس لها شكل معين، وإنما تأتى بالتدريب، ومن يبحث عن الرضا والتكيف سيجده إن كان صادق النية وسيتعامل مع أى ضغط وتحت أى ظروف ويتجاوزها دون أن تؤثر عليه بأى شكل من الأشكال، فقط عليه أن يجهز نفسه لسوق العمل ويقبل نفسه كما هو ويتكيف مع إمكانياته ووضعه الحالى، ويكون شاكراً دائماً».

«إن فاتك الميرى اتمرمغ فى ترابه».. مثل شعبى استعان به الدكتور سعيد عبدالعظيم، أستاذ الطب النفسى بجامعة القاهرة، ليعبر عن فكرة الأمان الوظيفى التى فقدتها فئة كبيرة من الناس داخل المؤسسات التى يعملون بها، مؤكداً أن الأمان دائماً فى وظائف الدولة، لأن موظفها «مؤمّن ولن يقدر مديره على رفده»، وهذه تعتبر ميزة كبرى للبعض عكس القطاع الخاص الذى يجد الموظف نفسه فيها فجأة «فى الشارع»، إنما العمل الحكومى استقرار وتثبيت «محدش يقدر يعزله إلا لو فيه مصيبة»، موضحاً أن هذا سلاح ذو حدين، لأن الأمان الزائد فى القطاع العام والحكومة يؤدى لتدهور العمل وشعور الموظف بالأمان التام، وأنه لا يوجد شخص يهدد مكانه، مما يؤدى لإفلاسه بعد فترة وانتشار عبارة «على قد فلوسكم هنشتغل»، وفى ظل رواتب الحكومة الضعيفة يكون العمل محدوداً والإنتاج قليلاً، بعكس موظف القطاع الخاص فجأة ممكن يجد نفسه فى الشارع.

واستطرد: «ينتج عن كل هذا الضغط بسبب الوظيفة وعدم ضمانها مشاكل القلق والتوتر والإرهاق وقلة النوم، فضلاً عن أن الأشخاص الذين يجمعون بين وظيفتين يعانون من التفكير والأرق الشديد، وخوفهم طوال الوقت من فقدان إحدى الوظيفتين، لأن هناك أماكن لا تفضل فكرة الشغل فى مكانين، وبالتالى يصاب بأمراض عصبية». وأوضح أن «هناك بعض الشروط فى عقود العمل تفرض على الموظف التفرغ لمكان واحد فقط، وكأنه عبد لهذه المؤسسة، مما يؤدى لصدمات نفسية ومشاكل كبيرة يصعب عليه مواجهتها، ويظل الموظف يعانى من آثار الصدمة والضغوط لسنوات طويلة، وعدم الأمان لديه يؤدى لمعاناة نفسية، تؤدى فى بعض الأحيان للوفاة».


مواضيع متعلقة