أستاذ العلوم السياسية: مصر تتحرك فى أفريقيا استناداً لميراث «عبدالناصر».. وتأثيره وصل آسيا وأمريكا اللاتينية

كتب: محمد حسن عامر

أستاذ العلوم السياسية: مصر تتحرك فى أفريقيا استناداً لميراث «عبدالناصر».. وتأثيره وصل آسيا وأمريكا اللاتينية

أستاذ العلوم السياسية: مصر تتحرك فى أفريقيا استناداً لميراث «عبدالناصر».. وتأثيره وصل آسيا وأمريكا اللاتينية

قال أستاذ العلوم السياسية بـ«جامعة القاهرة» الدكتور أحمد يوسف إن السياسة الخارجية للرئيس الراحل جمال عبدالناصر انطلقت من مبدأ استقرار القرار الوطنى فى السياسة الخارجية، مضيفاً، فى حواره لـ«الوطن»، أن سياسات الرئيس الراحل تجاوز تأثيرها مصر لتصل الوطن العربى وقارة أفريقيا ثم آسيا وأمريكا اللاتينية. ويرى «يوسف» أن مصر تسير فى الفترة الحالية وفق نفس المبدأ الذى اتبعه «عبدالناصر» بخصوص السياسة الخارجية، وإن كانت تعيش الآن ظروفاً صعبة، حيث تواجهها المخاطر من كل الاتجاهات.. إلى نص الحوار:

ما قراءتك بصفة عامة لسياسات الرئيس جمال عبدالناصر الخارجية؟

- نقطة الانطلاق فى السياسة الخارجية للرئيس الراحل جمال عبدالناصر هى الإيمان بمبدأ استقلال القرار الوطنى، وكان من الطبيعى أن يبدأ تطبيقها بمصر ولكنها انسحبت على باقى سياساته تجاه العالم. فعلى الصعيد العربى مثلاً أهم إنجاز له أنه رعى حركات التحرر الوطنى العربية رعاية تامة، وهذه الرعاية إما أنها أخذت شكل الدعم المباشر كما فى دعم حركة التحرر الوطنى بالجزائر بالسلاح والتدريب والدعم الدبلوماسى، وكذلك حركة التحرير فى جنوب اليمن، عندما كانت القوات المصرية موجودة فى شمال اليمن لمساندة الثورة الجمهورية فيها منذ أواخر سبتمبر 1962، وفى يونيو 1963 بدأت مشروعاً لدعم حركة التحرر فى الجنوب دعماً شاملاً من سلاح وتدريب وكل هذه الأمور.

{long_qoute_1}

وهل اقتصر تأثير هذا المبدأ على العالم العربى فقط؟

- مبدأ الاستقلال الذى عمل «عبدالناصر» على تنفيذه فى مصر انسحب إلى مجمل العالم العربى، بالإضافة إلى أنه انسحب على العالم، إذ إن سياساته أوجدت زخماً كبيراً لحركات التحرر الوطنى فى العالم حتى دون التدخل بشكل مباشر. استطاع «عبدالناصر» أن يكسر احتكار السلاح فى 1955 وأن يؤمم الشركة العالمية لقناة السويس فى 1956 ويتصدى للعدوان الثلاثى فى أكتوبر - نوفمبر من العام ذاته، كل هذا كان مردوده هائلاً ليس على الوطن العربى فقط وإنما على قارات أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.

عفواً، ألا يحمل هذا الأمر مبالغة؟

- ليس فى هذا الأمر أى نوع من المبالغة، لأن هذه الأشياء موثقة فى كتب وفى دراسات، مثلاً أنا زرت تنزانيا فى ثمانينات القرن الماضى وفوجئت أن إنجازات «عبدالناصر» فى ذلك الوقت كانت مسجلة فى كتب ودراسات، وفى أمريكا اللاتينية نفس الشىء، وكان الرئيس الفنزويلى السابق «شافيز» يفتخر ويقول إنه ناصرى، وأيضاً قرارات التأميم كانت دافعاً لحركات التحرر فى بقاع كثيرة من الأرض. إذاً هو انطلاقاً من مبدأ الاستقلال طبقه على الصعيد العربى والأفريقى بشكل مباشر، وبشكل غير مباشر فى آسيا وأمريكا اللاتينية، حيث كان التأثير سياسياً ومعنوياً أكثر. الرئيس «عبدالناصر» رعى الحركات التحررية فى قارة أفريقيا بالطريقة نفسها التى فعلها فى الوطن العربى: إذاعات فى مصر ناطقة بلسانها وتدريب عسكرى ودعم دبلوماسى، ولذلك ربما مصر حتى الآن تعيش فى أفريقيا إلى حد كبير على تراث هذه المرحلة، لأن الأجيال الشابة التى قادت حركات التحرر الوطنى فى الستينات لا تزال موجودة أو بعضهم موجوداً فى قمة الهرم السياسى فى الدول الأفريقية. {left_qoute_1}

هل لو «عبدالناصر» موجود فى الظروف الحالية، هل كانت سياسته تتماشى مع الواقع الحالى؟

- بالطبع، بدليل أن مصر رغم ظروفها الصعبة فى هذه السنوات تتبع سياسة خارجية حالياً أيضاً تنبع من مبدأ استقلال القرار الوطنى، لأن هذه هى السياسة الأصلح، والآن مصر ظروفها أصعب بكثير مما كانت عليه فى خمسينات القرن الماضى، ومع ذلك تلاحظ أن هناك نزوعاً إلى الاستقلال فى سياسة مصر الخارجية. أيام «عبدالناصر» كانت قضيتها التحرر الوطنى، أما الآن فقضية مصر أن تكون لها سياستها الوطنية المستقلة.

لكن كثيرين أخذوا على «عبدالناصر» مشاركته بقوات فى اليمن، فى حين يقال إن مصر تجنبت هذا الأمر فى أزمة اليمن الحالية عندما شاركت «التحالف العربى»، ما رأيك بهذا الجدل؟

- موضوع اليمن به جدل كبير وأغلب الرأى يتجه لعدم الموافقة على مشاركة مصر فى الدفاع عن الثورة اليمنية فى ذلك الوقت، وأنا أقول أولاً: أى قائد عنده مشروع سياسى لا يستطيع أن يأخذ جزءاً من هذا المشروع ويترك بعضه. «عبدالناصر» كان لديه مشروع عربى لمناصرة الثورة والتنمية والاستقلال فى العالم العربى، وهذا المشروع كان له تأثير فى جميع أرجاء الوطن العربى، وبالتالى أصبح «عبدالناصر» أسيراً له، لأنه عندما يدعو للاستقلال العربى والوحدة وتأتيه الفصائل القومية فى سوريا وتقول له نريد أن نتحد مع مصر، فيرد عليهم بأن الوقت غير مناسب، فيردون بأنه لو تخليت عنا ستنهار سوريا وتتحمل أنت المسئولية، وبالتالى يدخل فى الوحدة السورية مع أن رأيه كان بضرورة وجود مرحلة انتقالية لخمس سنوات والمسألة نفسها فى اليمن: الثورة اليمنية تحدث بعد عام من انفصال سوريا الذى أدى إلى نوع من التراجع فى المكانة المصرية فى الوطن العربى ويستنجد به الثوار، لو خذلهم كان يعنى هذا أنه سلم بهزيمة مشروعه.

ومصر تحملت تكلفة عالية لهذا التدخل.. أليس كذلك؟

- اقتصادياً وعلى صعيد الخسائر فى أرواح الشهداء مصر تحملت تكلفة عالية جراء تدخلها فى اليمن، لكنها من الناحية الاستراتيجية حققت مكاسب، فساعدت شعباً عربياً وعملت على تنميته ودعمت ثورته التى انتصرت فى النهاية، والأهم أن ننظر إلى مردود هذا التدخل الذى أوجد نظاماً مستقلاً فى جنوب اليمن، ونظاماً جمهورياً فى شمال اليمن، بحيث أنك فى 6 سنوات فقط بعد الانسحاب من اليمن تستطيع أن تقيم علاقات استراتيجية مع الشمال والجنوب اليمنيين كانت نتيجتها أن وحدات من سلاح البحرية المصرية انتشرت فى «باب المندب» بالاتفاق مع الحكومتين فى الشمال والجنوب وأغلقت البحر الأحمر على إسرائيل، وهذا نوع من القرارات الاستراتيجية الذى لا تستطيع أن تقيس آثاره بالتكاليف والخسائر، لأن هناك مكاسب استراتيجية من الطراز الأول.

وماذا عن قرار مصر حالياً بخصوص اليمن فى إطار استدعائنا لتجربة «عبدالناصر»؟

- قرار مصر بعدم المشاركة بقوات برية فى اليمن كان قراراً رشيداً، مصر شاركت مع «التحالف العربى» فى حدود ظروفها وإمكانياتها بقطع بحرية وقوة جوية رمزية، لكن المشاركة على هذا النحو لم تكن بسبب «عقدة اليمن» و«عبدالناصر» كما يقال. قد يكون ذلك أحد الأسباب، لكن هناك تهديدات حقيقية تواجه مصر الآن من الاتجاه الغربى تتمثل فى محاولات تسلل الإرهابيين وتهريب السلاح، وفى سيناء كما نرى، وأيضاً فى اتجاه الحدود الجنوبية، و«عبدالناصر» عندما تدخل فى اليمن فى الستينات كانت مصر قوة عربية قائدة ولا تواجه أى تهديدات من أى نوع إلا إسرائيل، إنما الآن تواجهها مشكلات من كل الاتجاهات، ولذلك كان قرار المشاركة فى «عاصفة الحزم» على هذا النحو مبنياً على اعتبارات رشيدة خاصة بالأمن القومى المصرى.


مواضيع متعلقة