جاء يقدم شكواه وجلس ينتظر الرد.. وبالمرة يسترزق
جالساً على كرسى بلاستيكى -الشىء الوحيد الذى جلبه ويمتلكه فى الشقة التى يعيش فيها- ببنطلون جينز مهترئ ونظارة شمسية و«كاب» لحمايته من الشمس الحارقة، يترقب الوافدين فى حذر ولهفة يستمع إلى مظالمهم، ثم ما يلبث أن يشرع فى القبض على أوراق «الفلوسكاب» والقلم الحبر ليسطر بأنامله قصصهم، متذكراً اليوم الذى خط بيديه شكواه لرئيس الجمهورية عبر ديوان مظالمه.
يُطلق عليه الوافدون إلى ديوان مظالم قصر القبة الـ«عرض حالجى» وهو المُكلف بإرادته بكتابة شكاوى المواطنين، فى سبيل الحصول على بضعة جنيهات، وحقيقة الأمر أن الظروف الصعبة وحظه المتعثر فى الدنيا قاداه إلى هذا السبيل مؤقتاً حتى يأتى الوقت الذى تُرد فيه المظالم وتتحقق المطالب.. «حيدر جابر» مواطن مصرى فى الأربعينات من عمره، كان يعمل منذ 10 سنوات فى الشركة المصرية للاتصالات، متزوج ولديه أطفال، وقتها كان من العمل للبيت والعكس، اكتفى براتبه الشهرى لتغطية نفقاته، ولكن حدث ما غيّر مسار حياته، عام 2003 اندلعت مشاجرة بينه وبين أحد جيرانه -الواصلين- حسب قوله، وهو ما وصل فى النهاية إلى هجوم ضباط مكافحة المخدرات لتفتيش بيته واستخرجوا 6 كيلوجرامات من مخدر «البانجو» ليتم الزج به خلف القضبان ظلما -حسب روايته-.
خلف الستائر الحديدية قبع «حيدر» 10 سنوات تذوق فيها مرارتى الظلم والذل، خاصة بعد أن أقامت زوجته دعوى طلاق، لتأخذ أولاده بعيداً: «أهلها ضغطوا عليها.. لكن لو كان عليها هى بتحبنى.. وما دام فيه طرف تالت داخل فى الموضوع الدنيا بتبوظ».. زاد همه فى سجنه عندما توفيت والدته، ولم يستطع أن يأخذ عزاءها.
أيام الانفلات الأمنى التى أعقبت ثورة 25 يناير يتذكرها الرجل الأربعينى جيداً: «هربنا من سجن أبوزعبل.. ولكنى زهقت من الحرية فرجعت تانى لوحدى.. ما هو أنا كده كده وحيد»، ليسلم نفسه إلى السلطات ليتم الإفراج عنه بعد عيد الفطر الماضى، «لما خرجت محدش سأل فيا.. مع إنى اتسجنت ظلم.. حتى أولادى مش عارف أشوفهم لحد دلوقتى».
داخل شقة صغيرة فى منطقة المطرية يجلس «حيدر» مع أخته المتزوجة.. ولما ضاق به الحال ذهب إلى ديوان المظالم، كل ما يتمناه هو «كشك» صغير أو شقة تؤويه، ولكن: «بقالى أسبوع قاعد هنا ومحدش بيرد عليا ولا يتصل بيا.. حتى الأرقام اللى كتبوهالى مفيش حد فيهم بيرد.. فقلت أقعد جنبهم وأشوف آخرتها إيه.. وآدينى باسترزق».. وعن الديوان يقول: «البنى آدم الفقير ما بيصدق يمسك فى قشاية».
أخبار متعلقة
جوه ديوان المظالم بيحكى محكوم لحاكم.. عن الليالي الكحيلة
موظفو «ديوان القبة»: من نعيم زكريا عزمى إلى مظالم «ديوان مرسى»
ديوان قصر عابدين: فتحه المخلوع لتلقى الشكاوى.. لكنه لم يعمل إلا فى عهد مرسى
من سوهاج والمنيا والبحيرة والإسكندرية إلى ديوان المظالم بحثا عن «العدل والحل»
عسكرى الدورية أمام باب الديوان: «اللى يشوف بلاوى الناس تهون عليه بلوته»
نائبون عن أبنائهم وأشقائهم جاءوا ليشكوا «الخط الساخن» لأنه أصبح «باردا»
«هبة» أصغر بائعة لاستمارات التظلم أمام الديوان: «نفسى فى عروسة بتتكلم»
«طريف» جاء ليزور أقاربه.. فأصبح «عرضحالجى ديوان المظالم»
عبد العزيز وزوجته.. مطلب واحد وجهتان للشكوى
يوم كامل قضته «الوطن» على رصيف «الشكوى لغير الله مذلة»
«تهانى» رضيت أن يكون راتبها 40 جنيها.. فاستكثرت الحكومة الرقم وقررت إيقافه
خالد حمل صورة ابنته ضحية الإهمال الطبى واشترط: محاكمة الأطباء وضم ابنتى للشهداء
خاف على ابنيه من «البطالة» التى عانى منها 16 سنة.. فأخرجهما من المدارس وعلمهما صنعة
«عاليا» رحلة 30 سنة من البحث عن مأوى.. وحياة