يوم كامل قضته «الوطن» على رصيف «الشكوى لغير الله مذلة»

كتب: رحاب لؤى:

يوم كامل قضته «الوطن» على رصيف «الشكوى لغير الله مذلة»

يوم كامل قضته «الوطن» على رصيف «الشكوى لغير الله مذلة»

ركب المضطرون عبر 30 سنة الصعاب كثيرا، حاولوا وما زالوا يبحثون بمحاولاتهم عن حل لمشكلاتهم، إلى أن جاءهم الفارس على حصانه الأبيض، يحمل لهم الحل فى ترياق «اذهبوا إلى ديوان المظالم».. للتسمية بريق ودلالة، ترتبط بذلك الوعد الذى قطعه على نفسه يوم أن حلف اليمين الدستورية رئيسا للبلاد «لن يظلم أحدكم فى عهدى».. والمظلومون إذن من عهود سبقتك؟ يرد الرئيس مرسى بقرار جمهورى مفاده «إنشاء ديوان المظالم».[Quote_1] لا يوجد دليل على صدق أو ادعاء النائمين على باب القصر الرئاسى، منذ أن توافدوا على باب مرسى بحثا عن حلوله السحرية لآلامهم التى استمرت معهم طيلة حكم المخلوع وربما من قبلها، «الوطن» كانت بينهم، على الرصيف نفسه، تمر بمعاناتهم ليس رصدا فحسب لكن أيضا معايشة لها، بمشكلة شخصية لم تجد صاحبتها -كاتبة هذه السطور- حلا سوى باللجوء إلى ديوان مرسى، لتضرب عصفورين -حل الشكوى ومعايشة رواد الديوان- بحجر واحد. البداية تقليدية: اتصال بدليل التليفونات، طريق الوصول إلى ديوان المظالم، يرد الموظف بهدوء «له رقم واحد بس هو 23910042» دون أن يحدد مواعيد الاتصال، لذا كان منطقيا أن يكون الرد على الاتصال المسائى «إحنا هنا غرفة العمليات، للأسف محدش موجود دلوقتى، المواعيد من 9٫30 صباحا إلى 2٫30 مساءً.. وبعدين تليفون إيه اللى متصلة تقدمى منه شكوى؟ الشكاوى بتتقدم على باب قصر عابدين اللى فى شارع الشيخ ريحان، وبعد أسبوعين تاخدى رد عليها، أو تبعتيها فى جواب مسجل بعلم الوصول وبرضه تتصلى تعرفى النتيجة». هكذا لم ترق خدمة الديوان لخدمات الصيدليات التى تعمل 24 ساعة، حيث انحصرت خدماته فى 4 ساعات من المفترض أن يستقبل خلالها مئات الاتصالات ومئات المواطنين من أصحاب الشكاوى، الذين عبروا عن استيائهم من مواعيد الديوان «برضه موظفين حكومة.. هى فيه حاجة بتمشى بنظام موظفين الحكومة ويبقى فيها رجا؟» يقولها أصحاب المظالم وهم فى قلب الميدان التاريخى الذى يضم قصر عابدين، حيث يضيع أغلبهم الـ4 ساعات المتاحة فى البحث عن ضالته، بين ديوان عام محافظة القاهرة، وديوان المظالم فى قصر عابدين، حيث يضيع السائل بالضرورة إذا ما اكتفى فى سؤاله بصيغة «أين الديوان»؟ المكان تم اختياره بعناية، لا ظل فيه، ولا وسائل مواصلات متاحة ومباشرة، والوصول إليه يحتاج وصفات من سكان المنطقة، خاصة إذا ما كان الباحث عنه غريبا عن القاهرة كلها، جاءها من أقصى الصعيد ومن قبلى وبحرى ليبحث عن حل لمظلمته.. وسط مجموعة من السيدات -وقفت محررة «الوطن»- يبحثن بين الديوانين عن مرادهن، جففت شفاههن الحرارة، وبللت أعينهن الأحزان، كانت الشكوى تقريبا واحدة «نريد سكن»، قال الرجل على باب ديوان المحافظة: «روحوا الباب اللى فى الشارع التانى».. فتبدأ رحلتهن فى اللف حول القصر للوصول إلى الباب الثانى، المشكلة الحقيقية أن الأبواب كثيرة ومتباعدة، كلما ظنت النساء أنهن وصلن إلى مرادهن يفاجأن بأن «الباب مقفول روحى للى بعده».[Quote_2] الوصول إلى بوابة ديوان المظالم كان إيذانا ببدء معاناة أخرى، 12 موظفة يجلسن متجاورات، و6 موظفين من الرجال هم قوة العمل فى الديوان، يجمعهم شعور واحد بدا ظاهرا على وجوههم «حنق وسخط»، وقفت سيدة سمراء فى الثلاثينات من عمرها تطلب «كشك أو فاترينه» تعيش منها، نبرة رجاء ويأس، أجابتها الموظفة دون أن تنظر إليها: «الشباك اللى جنبى» نظرت السيدة إلى الشباك الخاوى من الموظفات، ورغم ذلك وقفت أمامه لعل شيئا ما يظهر. أمام شباك الشكاوى امتد الطابور طويلا، هلت الموظفة بصوت جهورى «ملناش دعوى بشكاوى الإسكان اللى له شكوى يروح الباب اللى بعدنا».. فإذا بالسيدات يتمتمن بكلمات ضاجرة «طب ليه موقفنا من الصبح حرام عليهم» واستدرن فى حركة شبه عسكرية «للخلف در» وعدنا للف على أبواب القصر، وصلن إلى إدارة الإسكان، هناك فى الدور الأرضى وعلى طاولة اجتمع حولها مجموعة من الموظفين يفحصون كثيرا من الملفات بدأت المأساة الحقيقية، حيث الكثير من الصراخ، والأوراق والبكاء، لا اتجاهات واضحة ولا اختصاصات مفهومة، تسأل إحداهن موظفا فيحيلها إلى آخر، ولو رد الآخر فلا يزيد رده عن: أنا براجع ورق روح للى فى آخر الترابيزة. فى الطابور كان لـ«الوطن» نصيب، حملت محررة «الوطن» مضمون الشكوى التى تقدمت بها لأجل اختبار مدى جدية العون، طلب للاستعلام عن مصير شقة بحى 6 أكتوبر، ضمن مشروع إسكان شباب الجيزة، بعد كثير من الأسئلة جاءت إجابة الموظف المنهمك: «روحى وزارة الإسكان، اسأليهم هى الشقة أتأخرت ليه؟»، هنا سقطت «الست خضرة» إحدى النساء الواقفات فى الطابور، أصابتها إغماءة، فأسعفتها سيدة أخرى، وحاولت أن تسحب لها كرسى من كومة كراسى قديمة ضخمة فصرخ فيها أحد الموظفين: هاتوقعيهم علينا وبعدين بتسحبى إيه، دى عهدة ما تسيبيها تقعد فى أى حتة، قالت له السيدة: الست تعبانة والدكتورة بتاعة العيادة اللى هنا ماقامتش من مطرحها تشوفها، ولما طلبت منها كرسى متحرك قالتلى هاتى بطاقتك وبطاقتها الأول.. يرضى مين ده يا عالم؟[Quote_3] إغماءة الست خضرة جزء منها كان تعبا والباقى غضبا من رد الموظف، فلم تصدق السيدة أنها تسمع الإجابات نفسها التى عاشت سنوات طويلة تسمعها من موظفى نظام مبارك، ظنت أن ثمة تغييرا حدث بمجئ مرسى وديوان مظالمه، توجهت من جديد بمساعدة الأخريات للموظف نفسه وهى تبكى، لكنه صرخ فى وجهها بشدة، «إنتى إيه؟ عاوزة إيه؟»، فردت ببؤس «عاوزة أسكن والله» فقال لها: «يعنى حالة قاسية؟» -يقصد قصوى- قالت له: آه والله قاسية، فأحالها إلى غرفة بعيدة، حين ذهبت لها متعكزة على الأخريات قالت الموظفة، دون أن تنظر إليها أيضا- مش عندى يا ماما روحى اسألى الموظف اللى قالك تيجى هنا على المكان الصح؟ فانهارت السيدة وعادت له باكية: «أنا جاية من النهضة لولا ولاد الحلال، مكنتش عرفت آجى» فقال: خلاص يا ماما مواعيدنا انتهت، ابقى تعالى بكرة من الساعة 9 ونص بنفضل قاعدين لحد الساعة اتنين إلا ربع، خلاص الوقت خلص. أنهى الموظف يومه وصرف السيدات من الحجرة الضيقة خرجن جميعهن خاليات الوفاض، فلم تحصل أى منهن على إجابة شافية، وكل إجابات الموظفين لم تتجاوز الثقافة الموروثة «فوت علينا بكره». رصيف الديوان جمعهن، جلسن يسترحن من تعب اليوم، إلى جوار الست خضرة، تبادلن القصص والمآسى، فاكتشفن جميعهن أن الهم واحد، افتتحت خضرة وصلة البكاء: تعبت وريقى نشف، عمرى 64 سنة، ومش راحمين شيبتى، كنت ساكنة فى دار السلام ببيع خضار، صاحب البيت كان بيدفعنى 300 جنيه، عجزت عن دفعها طلعنى بره، سكنت فى النهضة وطلعونى من الشقة برضه، سكنت فى المرج وعجزت عن دفع الإيجار طلعونى، معايا بنت وولد، لكن سابونى معرفش عنهم حاجة، آخر سكن سكنته دفعت فيه 350 جنيه وكان فيه ناس طيبين بيساعدونى، لكن طلعوا علينا البلطجية طردونا وكسرولى حاجتى، السكان جم الحى هنا فاتعاقدوا وادوهم شقق، إلا أنا قاعدة هناك من غير عقد، وهايطردونى تانى وأرجع اتشرد تانى، معرفش مش راضيين يكتبولى عقد ليه، أنا مشتكية من 2005 وطالبة أن شالله أوضة، ومستنية بتوع البحث يجولى، لكن عمرهم ما بييجوا، مرة يقولولى أصل السيدة ولعت وبنسكن الناس هناك، ومرة يقولولى الدويقة وقعت ومفيش حد يعملك بحث دلوقتى استنى، لكن مفيش فايدة، أنا هابات هنا على الرصيف، لأنى لو روحت مش هاعرف أرجع تانى. «ربنا ينتقم من اللى عمل الإيجار الجديد.. خرب بيوتنا الله يخرب بيته» قالتها بهية سيد إسماعيل بحرقة، عمرها 42 سنة، لم تستطع منع دموعها وهى تحكى مأساتها، قالت: أنا اتطلقت من 3 سنين، جوزى كان وجوده زى عدمه، قولت أشتغل أنا، وأصرف على البيت، ونزلت اشتغلت فعلا، ولادى ماشاء الله بنت فى كلية العلوم، بتدرس الفيزيا، والكبير عمره 22 سنة، وابنى الصغير عمره 10 سنين، مأساتى فى الدنيا هى الإيجار الجديد، مرتبى 600 جنيه، والإيجار 400 جنيه، صاحبة الشقة زودتها خمسين جنيه، مقدرتش أتحملهم ولاد الحلال بيدفعوها. «أنا حاسة إنى غريبة فى بلدى، كأنى مهاجرة، كل سنة أعزل من مكان للتانى، أمنية حياتى سكن مستقر، وسقف يسترنى أنا وولادى» قالتها بهية وواصلت: دوخت على المعاش وكل يوم الموظفين يقولولى ابقى تعالى اسألى، روحت رئاسة الوزرا قدمت شكوى من حالى وإنى محتاجة شقة، ادونى رقم وقالولى تابعى على موقع المجلس على الإنترنت، بعت جواب بعلم الوصول لمحافظ القاهرة، لكن لا حس ولا خبر، معايا دبلوم تجارة لكن مالقتش بيه شغل، وكانت المصيبة لما اكتشفت إنى عندى أورام فى صدرى، زودت الطينة بلة وبقيت بجرى على وزارة التضامن عشان المعاش ومجلس الوزار والمحافظة عشان الشقة ومعهد الأورام عشان التعب اللى فى صدرى، كل اللى بتمناه من الدنيا شقة إن شالله أوضة وصالة، تسترنى تحت سقفها أنا وولادى. أمل سيد إسماعيل شقيقة بهية بدورها تعانى من الإيجار الجديد جاءت تشكو للديوانين، ديوان محافظة القاهرة وديوان المظالم، أيهما أقرب تقول: قاعدة فى إيجار جديد وبعانى الأمرين، وليا شقة المفروض استلمها فى مساكن المقطم، الموظفين كل ما أروح أسأل يقولولى شقكم احتلها البلطجية، استنوا لما رئيس ييجى، محدش قادر يخرجهم، ولما الرئيس جه برضه المشكلة زى ما هى، البلطجية نفسهم لما روحت شوفت شقتى قالولى ادفعى ألفين جنيه ونديكى الشقة، لكن طبعا ما ينفعش، لأن مفيش عقود، ولو بيت بره بيتى ليلة واحدة هارجع ألاقى حاجتى اتباعت، وناس تانية سكنوا مطرحى، ده حتى المستشفى المهجورة اللى عندنا فى القطامية، البلطجية ركبوا لها شبابيك وسكنوها، هانعمل إيه بقى؟! نشتغل بلطجية إحنا كمان عشان نعرف ناخد حقنا. ظلت الست أم طارق -فاطمة عبدالظاهر سليمان- صامتة كثيرا استمعت للأخريات، ثم أخذت تسرد مأساتها الشخصية، عمرها خمسون سنة لكنها تبدو أكبر كثيرا، قالت: أنا ليّا شقة فى «مساكن الاحتلال»، إحنا مسمينها كده، لكن اسمها الحقيقى مساكن الصعيد فى النهضة، مقدمة عليها من 2005، ولسه ماجتش، العماير اتبنت وخلصت وفضلوا مخليينها عشان الموظفين يدوها للمحاسيب والحبايب، لكن البلطجية سبقوا واحتلوها، بنروح من وقت للتانى نبص عليها يمكن البلطجية يكونوا سابوها، مفيش فايدة، كانوا زمان ياخدوا 500 جنيه ويدوا الشقة للى يدفع، دلوقتى عاوزين ألفين جنيه، ويدوهالنا نقعد فيها، باجى وزارة الإسكان أسأل عن معاد التسليم لعل وعسى الشرطة ولا الجيش يخرجوا البلطجية ويسكنونا فى ملكنا، لكن كل ما آجى يقولولى تعالى اسألى الأسبوع الجاى، وكترت الأسابيع من 2005 لحد دلوقتى باجى أسأل ومفيش فايدة، قاعدة عند ابنى المتجوز مع ولادى الاتنين لكن كل يوم ومشاكل وبلاوى، والبنى آدم تقيل، محتاجين شققنا اللى من حقنا. «مكناش نتصور إن هو ده باب الشكاوى اللى بيقولوا عليه» قالتها السيدات الخمس معا، بعد الإجابات غير الشافية التى حصلن عليها، هنا سأل أحد المارة: هو ديوان المحافظة بابه من أنهى اتجاه؟ ليكتشفن معا أنهن كن فى الديوان الخطأ ويتوجهن للديوان الحقيقى، الواقع فى نهاية شارع الشيخ ريحان، فى الحديقة المقابلة للقصر وعلى مرأى ومسمع من رجال الأمن وقف رجل بحقيبة جلدية سوداء، يبيع نماذج مطبوعة لورق الشكوى، الورقة وحدها بجنيه، أما الكتابة فبثلاثة جنيهات، نصها: بسم الله الرحمن الرحيم، معالى السيد الأستاذ الدكتور محمد مرسى رئيس الجمهورية، مقدم التظلم فلان الفلانى، المقيم فى كذا، رقم قومى كذا، موبايل كذا، نص الشكوى كذا، اشترت كل واحدة نموذجا للشكوى بجنيه واحد فقط، وقدمته كل منهن على باب القصر فى اللحظات الأخيرة قبل الثانية والنصف، بعد محايلة ورجاء للضابط الواقف على الباب، وافق على استقبال الشكاوى، وحصلت كل منهن على ورقة زرقاء صغيرة مكتوب عليها رقم ساخن لاستقبال الشكوى ورقم خاص لكل شكوى، وقال الرجل: إبقوا اتصلوا بعد 10 أيام على الرقم المكتوب هنا عشان تعرفوا شكوتكم حصل فيها إيه».. الرد كان مريحا ومنطقيا، لكنهن تبادلن النظرات الحزينة، ضحكن وهن يغادرن المكان عندما قالت إحداهن: «يا مستنى السمنة من بطن النملة عمرك ما هاتقلى». أخبار متعلقة جوه ديوان المظالم بيحكى محكوم لحاكم.. عن الليالي الكحيلة موظفو «ديوان القبة»: من نعيم زكريا عزمى إلى مظالم «ديوان مرسى» ديوان قصر عابدين: فتحه المخلوع لتلقى الشكاوى.. لكنه لم يعمل إلا فى عهد مرسى من سوهاج والمنيا والبحيرة والإسكندرية إلى ديوان المظالم بحثا عن «العدل والحل» عسكرى الدورية أمام باب الديوان: «اللى يشوف بلاوى الناس تهون عليه بلوته» نائبون عن أبنائهم وأشقائهم جاءوا ليشكوا «الخط الساخن» لأنه أصبح «باردا» «هبة» أصغر بائعة لاستمارات التظلم أمام الديوان: «نفسى فى عروسة بتتكلم» «طريف» جاء ليزور أقاربه.. فأصبح «عرضحالجى ديوان المظالم» عبد العزيز وزوجته.. مطلب واحد وجهتان للشكوى «تهانى» رضيت أن يكون راتبها 40 جنيها.. فاستكثرت الحكومة الرقم وقررت إيقافه جاء يقدم شكواه وجلس ينتظر الرد.. وبالمرة يسترزق خالد حمل صورة ابنته ضحية الإهمال الطبى واشترط: محاكمة الأطباء وضم ابنتى للشهداء خاف على ابنيه من «البطالة» التى عانى منها 16 سنة.. فأخرجهما من المدارس وعلمهما صنعة «عاليا» رحلة 30 سنة من البحث عن مأوى.. وحياة