أزمة البابا تواضروس الثانى!

هانى لبيب

هانى لبيب

كاتب صحفي

واجه البابا تواضروس الثانى منذ توليه مهام الكرسى البابوى تحدّياً طبيعياً، سواء بسبب المناخ السياسى المعقّد أثناء حكم المعزول محمد مرسى، أو بسبب المقارنة الذى سيعقدها البعض خصوصاً فى التصرّفات وردود الفعل بينه وبين الراحل البابا شنودة الثالث.

بدأت ملامح شخصية البابا تواضروس الثانى فى العلن أثناء حكم محمد مرسى حينما حاول قدر الإمكان تجنّب الصدام والمواجهة حتى لا تُتهم الكنيسة بما ليس لها، وقبل ذلك كنوع من تجميد شكل العلاقة.. خصوصاً فى ظل المحاولات المستميتة لاستقطاب الكنيسة ضد الإجماع الوطنى المصرى. وترسّخت تلك الصورة فى ردود فعل البابا تواضروس الوطنية.. التى تجلت فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، حينما انحاز إلى بقاء الدولة المصرية واستمرارها دون أى تردّد أو تخاذل فى حق الوطن مثلما فعل آخرون، وهو ما برز بعد ذلك فى تصريحه الشهير «وطن بلا كنائس.. أفضل من كنائس بلا وطن»، وهى المقولة التى أطلقها عقب ثورة ٣٠ يونيو، وتعرض الكثير من الكنائس وملحقاتها للحرق والتدمير على يد جماعة الإخوان الإرهابية.

هاجم بعض المواطنين المسيحيين المصريين البابا تواضروس الثانى، سواء داخل مصر أو خارجها على هذه المقولة التى تحولت فعلياً إلى أيقونة المواطنة المصرية.. فى مواجهة الإرهاب الذى تصاعد تدريجياً ضد الدولة المصرية من جهة، وفى ظل محاولات لتدويل مشكلات وتحديات المواطنين المسيحيين فى مصر من جهة أخرى، سواء بمحاولة التدخّل لإعادة ترميم الكنائس وملحقاتها التى تضرّرت بعد ٣٠ يونيو، أو من خلال طرح مشروع ينتقد ازدياد التعصّب الطائفى والهجمات الإرهابية ضد الكنائس والمواطنين المسيحيين المصريين.

ارتكزت وجهة نظر البابا تواضروس الثانى على ما حدث قبل ذلك، وعلى ما يحدث حولنا فى الدول التى تمكن الإرهاب من البقاء فيها، وقبل ذلك كله على ما يمكن أن يحدث فى المجتمع المصرى، واستغلال (كارت) الكنيسة المصرية للضغط والمساومة والابتزاز للنظام المصرى. وهو الأمر الذى جعل البابا تواضروس الثانى رجل المواقف الوطنية التى اتضح مع مرور الوقت صواب رؤيته ودقتها لأنه لا يمكن أن تبقى الكنائس فى عدم وجود الدولة ككيان واضح المعالم، وتجارب الدول المجاورة نموذج دال على ذلك.

فى نهاية الأمر، أياً كانت الأزمات والتحديات والمشكلات التى يعانى منها المواطنون المسيحيون المصريون وكنيستهم.. يمكن حلها وحسمها قانوناً بشكل تدريجى من خلال الحوار والتفاوض مع مؤسسات الدولة المصرية المستقرة مهما طال الوقت. وهى القاعدة التى جعلت هدفه الدينى والوطنى هو مستقبل الدولة المصرية وبقائها.

نقطة ومن أول السطر..

الكنيسة المصرية.. مؤسسة روحية بالدرجة الأولى، ومواقفها الوطنية محل تقدير واحترام.. وتعبر عن رؤية مستقبلية دقيقة لا لَبْس فيها أو رهان على بقاء الدولة المصرية واستمرارها. وأزمة البابا تواضروس الثانى الحقيقية أنه انحاز إلى الوطنية المصرية للحفاظ على الهوية الدينية فى المستقبل، ولم يستقطب للهوية الدينية وما يمكن أن يحدث من تقسيم طائفى للمواطنين المصريين.