تجريم الإلحاد إنكار معلوم من الدين

عادل نعمان

عادل نعمان

كاتب صحفي

ليس من حق الشعب أن يلوم أعضاء مجلسه النيابى، فهم صفوته واختياره، فإذا طالب أحد أعضائه بمحاكمة نجيب محفوظ عن «الثلاثية» لأنها تحض على الفسق والرذيلة فاعلم أننا لا نقرأ، وإذا تقدم أحد أعضائه بقانون لتخفيض سن الزواج إلى ستة عشر عاماً فاعلم أن العضو مأذون شرعى ويحرض على زواج الصغيرات هروباً من مسئولية تربيتهم تربية سليمة، وإذا تقدم أحد أعضائه بطلب كشف العذرية على البنات قبل التحاقهم بالجامعات فاعلم أننا نفكر فى النصف الأسفل من المرأة، وإذا خرج علينا أحد أعضائه، ولن يكون الأخير، وصرّح، لا فوض فوه، بأن «انتشار ظاهرة الإلحاد بصورة كبيرة فى وسط الشباب يجعل من الضرورى وجود تشريع قانونى لمواجهتها ووضعها فى بند ازدراء الأديان، لأن الملحد لا عقيدة له ويعمل على إهانة الأديان السماوية ولا يعترف بها»، فاعلم أننا سنعيد منصب «مفتش عموم الزندقة» إلى الوجود مرة أخرى، وهو منصب ابتدعه العباسيون للتفتيش فى ضمائر العباد عن الإيمان، للانتقام من خصومهم ومعارضيهم وتشويههم، وكان أولى به للعدل وللإنصاف أن يتقدم بمشروع عقوبة لمن يعترف بالأديان السماوية ويهينها ويزدريها جهاراً نهاراً على منابر المساجد والقنوات الفضائية بما كان سبباً فى تحريض الغوغاء على منع المسيحيين من دخول كنائسهم وإقامة شعائرهم وصلواتهم.ظاهرة الإلحاد يا دكتور «حمروش» ليست مسئولية رجال الدين دون غيرهم، فربما كانوا هم أنفسهم سبباً فى انتشار الظاهرة، وهو الأقرب إلى الحقيقة، وليست جريمة تستحق العقاب، ولا من حقك أو حق رجال الدين التفتيش فى ضمائر الناس، أو شق الصدور لمعرفة ما فى القلوب من الإيمان أو الإنكار، فلربما كان المؤمن أشد خطراً على المجتمع من الملحد الملتزم بالقانون، هل رأيت ملحداً ينحر أو يذبح أو يسبى أو يحرق أو يسرق أو يقذف بالناس من شواهق الجبال فى النار؟ هل رأيت ملحداً فجّر نفسه فى كنيسة أو مسجد من مساجد الروافض أو النواصب؟الظواهر الاجتماعية، يا عضو البرلمان المصرى، لها متخصصون لدراستها، وأحرج هذه الظواهر ظاهرة رفض الأديان والتمرد عليها، والخروج من تحت عباءتها وسيطرتها، ولا أتصور أن سيل الاتهامات الذى يلاحقهم، سواء فئة ضالة أو مجموعة من الجهلاء والأغبياء، أو الملاحدة والزنادقة، سيعيد الأمر إلى نصابه، إلا أنه يحرض العامة على النيل منهم وإيذائهم وربما قتلهم باسم الردة التى لم تثبت بدليل قطعى، بل الملاحظ والأدق أنهم شباب متعلم ذكى مفكر، حائر بين ما تحمله الأديان من دعاوى الخير ونقيضها والسلام والمحبة والحرب والقتل فى سطر واحد، وبين ما تحمله الأديان من دعاوى العلم والبحث والبناء ثم تحمل فى داخلها معاول الهدم، تائه بين هذا التناقض بين العلم والدين، بين العقل والنقل، بين الحداثة وطموحاته وأحلامه وبين ما يمثله الدين من عائق وحاجز، بين ما يراه من تطور وتقدم ونعيم فى دول الكفر، وبين التأخر والفوضى والهمجية والتخلف فى دول الإيمان، وكان المؤمنون أولى بهذا النعيم، فربما يرى ما لا نراه، و يسمع ما لا نسمعه، ويجول بخاطره ما لا يجول بخاطرنا، ويحمل من الأعباء ما لا نقدر عليه، بل ويحمل بين ضلوعه قلباً عطوفاً رحيماً لا نحمله ولا تحمله ولا يحمله غيرك.أقول لك أيها النائب الذى تحسب أنك غيور على دينك، إنك أنكرت معلوماً من الدين بالضرورة، وتعالى أشرح لك وأفهّمك، ألم يقل ربنا: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ»، فلماذا تجادلهم بالعقوبة وبالزجر والنهر؟ ألم يقل ربنا فى كتابه: «فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ»، أليس هذا المشروع بقانون ضد رغبة الله ومشيئته؟ ألم يقل ربنا: «وَلَوْ كُنتَ فَظَّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ»، أليس هذا المشروع غليظ القلب، عنيف الرد، شديد البأس، يفض هؤلاء الشباب عن الدين ويصرفهم عنه، فيتخذون العناد سبيلاً وموئلاً، ويأخذون معهم من الشباب ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، ألم يقل ربنا: «أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ»، أليس فى هذا المشروع إكراه على الإيمان؟ وكيف يكون الإكراه على الإيمان إلا إذا حملنا السيوف وغرزناها فى رقاب الملاحدة للإذعان والاستسلام، كما استسلم أبوسفيان فى فتح مكة ولم يكن أمامه إلا خيار من خيارين، إما أن يهلك أو يؤمن كما آمن غيره، انتظاراً أن تقع الخلافة فى حجره أو حجر أحد أبنائه، وقد حدث وكان سبباً فى شقِّ صف المسلمين وحروبهم الأبدية حتى انتهاء الدنيا وزوالها وليته لم يسلم ويستسلم. أليس الله بقائل: «عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ»، فالزم الأمر، واحفظ نفسك، ودعه لربه، فهذا شأنه. أليس الله بقائل «وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا»، هل تعرف الهجر الجميل؟ إنه تركُ ما لا يعنيك دون أذى الغير، بل الإحسان إليه. أليس الله بقائل «وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ»، لست وكيلاً عن الله، ولا سلطان لأحد على قلوب العباد وإيمانهم وكفرهم أنت أو مجلسك الموقر. مشروعك أيها النائب ينكر معلوماً من الدين بالضرورة، ومعناه «ما لا يسع المسلم أن يجهله، أو ما يجب على المسلم أن يعلمه»، وتدير وجهك لمشيئة رب العباد على العباد من الإيمان أو الإنكار، وترد على الله حكمه، وهو «لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ»، «لسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ».