مصطفى محمود «المذيع».. «مؤمن» في طريق «العلم»

مصطفى محمود «المذيع».. «مؤمن» في طريق «العلم»
- التلفزيون المصري
- الرئيس السادات
- العلم والإيمان
- الله والإنسان
- بدو سيناء
- جمعية خيرية
- درجات الحرارة
- رحلة الشك
- التلفزيون المصري
- الرئيس السادات
- العلم والإيمان
- الله والإنسان
- بدو سيناء
- جمعية خيرية
- درجات الحرارة
- رحلة الشك
البرنامج يبدأ بموسيقى عميقة عمق البحار والجبال والوديان، تسمع النغم فتستشعر أن حدثا جللا في الطريق إلى سمعك وبصرك، لكن الحدث الجليل كان يظهر جليا في جدية مقدم البرنامج، برابطة عنقه الرمادية ونظارته الوقور، وسمته الذي يغلب عليه العلم والإيمان.
"العلم والإيمان" في كل كلمة تخرج من فم العظيم الراحل مصطفى محمود، كانا محرك البحث في عقول المتابعين، فالكبار والصغار على حد سواء كانوا يشحنون بطاريات التلفاز العتيق، انتظارا للبرنامج، كأنه إحدى حلقات مسلسل "سنبل في رحلة المليون".
مصطفى كمال محمود حسين محفوظ، الطبيب الذي تخرج من كليته في العام 1953، ولد في 27 ديسمبر، الموافق يوم غد من الشهر الجاري، من العام 1921 في شبين الكوم بمحافظة المنوفية، لم تكن بدايته وقورة كنهاية حياته، فقد تعرف على "عبدالعزيز الكمنجاتي والراقصة فتحية سوست، وكانا أصحاب فرقة لإحياء الأفراح والطهور"، كما يقول في مذكراته، واحترف معهما إحياء تلك المناسبات دون مقابل بحثا عن عشقه الأول "عزف الناي".
رحلة العظيم إلى النور لم تكن سهلة، فقد تطلبت منه "ثلاثين سنة من الغرق في الكتب، وآلاف الليالي من الخلوة والتأمل مع النفس، وتقليب الفكر على كل وجه لأقطع الطرق الشائكة، من الله والإنسان إلى لغز الحياة والموت، إلى ما أكتب اليوم على درب اليقين"، كما يقول بنفسه، ذاك الطريق انتهى برحلة نورانية نحو صفاء ملكوت الله، ربما لم ينهيها حتى الآن في عليين.
"العلم والإيمان" البرنامج الذي قدمه محمود على مدار 18 عاما في التلفزيون المصري، على مدى 400 حلقة عامرة بالكمال والجمال في عجائب خلق الله، كان كأنما يرسم به صورة من الإيمان تعوض عليه ما فاته في رحلة الشك، وتعوض على قرائه ما فاتهم من تأملات ربما ضاعت وسط ما كتبه خلال رحلته "من الشك إلى الإيمان".
وفي حلقة من برنامجه تحدث الفيلسوف الراحل عن صحراء سيناء، ملقيا محاضرة كاملة تعد مرجعا للمعايشات كلها عن تلك الصحراء، تحدث فيها عن الجبال وعاين الرياح ودرجات الحرارة وعادات الأهل، حتى صفات النمل فيها، "سينا دي مكان عجيب بيئة غريبة، الجبال هناك ألوان كل جبل له لون يختلف عن التاني"، هكذا تحدث الفيلسوف، مؤكدا أن لبدو سيناء أكلة مفضلة تعادل الجمبري وهي "الجراد المشوي بالزبد".
مصطفى محمود، الذي أنشأ مستشفى باسمه وجمعية خيرية تفيض على الفقراء في ميدان من أكبر ميادين المهندسين، لم يجن من برنامجه مالا، فـ15 جنيها فى الحلقة الواحدة، لم تكن بالمبلغ الكبير، خاصة مع الميزانية التى رصدها التليفزيون وهي 30 جنيها تشمل أجر الفيلسوف الراحل والمادة الفيلمية المستعان بها.
الراحل كما جرب الشك، عاقر الخمر عن تجربة، وقال إنها لم تستهوه ولم يشعر لها بمذاق بل كانت تثقل جسده فكرهها وتجنبها ولم يمسها بعدها، كما جرب الزواج ولم ينجح، كأنما أراد من تجاربه كلها أن يصل إلى أبعد حدود الخبرة، ليتعلم من الحياة دروب الإدارة وفنون التعايش كما تعلمها من تشريح الكائنات وسبر أسرارها.
بعد أن استوى بين العلم والدين، رشحه الرئيس السادات وعرض عليه تشكيل الوزارة لكنه رفض وقال للسادات: "لقد فشلت في إدارة أصغر مؤسسة وهي الأسرة وقمت بتطليق زوجتي فكيف أنجح في إدارة وزارة كاملة"، لكن استواء مصطفى محمود في النهاية، حتى بعد تأرجحه بين الشك والإيمان والسياسة والفشل الأسري والنجاح التليفزيوني، كان مليئا لمريديه بكل معاني "العلم والإيمان" دون شك.