قانون التأمين الصحى.. بين الوهم والحقيقة!

فى حوار مع قيادى مخضرم بوزارة الصحة.. صرح سيادته بأنه لا يعلم شيئاً عن آليات تطبيق قانون التأمين الصحى الجديد.. ولا يملك حتى تصوراً واضحاً لكيفية تفعيله على أرض الواقع بعد أن حمل فى داخله الكثير من البنود المبهمة.. يبدو أن سيادة الوزير وحده هو من يعرفه جيداً.. أو هكذا يبدو!!

والحقيقة أنه ربما يكون محقاً إلى حد كبير.. فقد حاولت فى الفترة الماضية البحث عن من يستوعب القانون بالشكل الأمثل حتى أعرف منه مميزات ذلك القانون السحرى.. الذى جعل سيادة الوزير يصرح بفخر غير مسبوق عقب إصداره.. بأن «المواطن لن يضع يده فى جيبه مرة أخرى ليتلقى علاجاً طبياً».. فى الوقت الذى ارتفعت فيه اشتراكات التأمين الصحى بموجب ذلك القانون إلى أكثر من ثلاثة أضعاف ما كانت عليه!!

لا شك أن التأمين الصحى يعد استحقاقاً دستورياً نبحث عنه منذ زمن بعيد.. ولا شك أن وجود مظلة طبية تشمل كل مواطنى هذا الوطن كان ضرورة ملحة.. ولكننى أتعجب من طريقة تمرير القانون داخل البرلمان.. الذى تجاهل كل الآراء التى أثيرت حوله من كل الهيئات التى تهتم بالصحة فى مصر وعلى رأسها نقابتا الأطباء والصيادلة.. الأمر يبدو وكأن أحدهم كان يريد تمرير القانون سريعاً ليحسب إنجازاً شخصياً له فحسب..!!

المشكلة أن مدة تطبيقه وآلياته التى تم الإعلان عنها لن تعبر فى رأيى عن كفاءة القانون بالشكل الأمثل.. فالدراسة الاكتوارية التى اعتمد عليها القانون -التى قد تم إجراؤها منذ عامين كاملين.. ولم يتم فيها حساب الزيادة التى حدثت على أسعار الأدوية والخدمات الطبية بسبب التعويم- قد تم تقديمها للبرلمان فى خمسة آلاف صفحة باللغة الإنجليزية بحسب تصريح النائب هيثم الحريرى.. دون أن تقدم الوزارة ملخصاً بها.. أى إن القانون تمت الموافقة عليه دون أن يقرأ أحد دراسته الاكتوارية.. وكان مسئولو وزارة الصحة وعلى رأسهم سيادة الوزير يتعمدون أن يمر القانون دون مناقشته مناقشة جدية.. ودون أن يقدموا ضماناً حقيقياً لاستمرارية التمويل!!

لقد مرر مجلس النواب القانون دون النظر إلى أنه ينحاز إلى القطاع الخاص على حساب القطاع الحكومى -المجهول مصير وحداته والعاملين به إذا لم يستوفوا شروط الجودة وأصوله التى هى ملك للشعب المصرى- ووافقوا ببساطة على تحميل المصريين بأعباء ضريبية جديدة لتمويل المشروع بالمخالفة لأنظمة التأمين الصحى فى العالم كله.. فالنظام الإنجليزى على سبيل المثال يموَّل بالكامل من الضرائب العامة فقط ولا يسدد المنتفعون اشتراكات، وفى فرنسا وألمانيا يجمع بين الضرائب والاشتراكات، لكن القانون يحمِّل المصريين اشتراكات وضرائب إضافية ومساهمات يدفعونها عند طلب الخدمة، بما يحرم الملايين من حقهم فى الصحة.

كل هذا فضلاً عن أن القانون قد ترك قرار تحديد غير القادرين المستحقين للتأمين الصحى بيد اللجنة المختصة، دون أن يتم تحديد تعريف محدد حتى الآن لـ«غير القادرين».

لا شك أن قانوناً بهذا الحجم وبهذه الأهمية كان ينبغى أن تتم مناقشته بشكل أكثر وضوحاً وشفافية.. خاصة أنه يتعلق بقضية تعد من أهم أركان الأمن القومى فى مصر.. صحة المواطن!!

فالموافقة على قانون فى بلد متخم بتلك القوانين التى تتحول بمجرد صدورها إلى حبر على ورق ليس مهماً بقدر أهمية توافر الإرادة الحقيقية لتنفيذه.. ويظل المعيار الحقيقى هو التطبيق على أرض الواقع!!

إن تمرير القانون لا يعد نجاحاً أو انتصاراً كما يصرح سيادة الوزير.. ولن يحسب لمجلس النواب أن وافق على قانون يبيع الوهم ويمهد لخصخصة القطاع بهذه الصورة.. بل ربما يخصم من رصيده -القليل بالفعل-!

سيظل القانون الجديد فى رأيى كأن لم يكن حتى نرى آلياته الفعلية.. وحتى يستفيد منه أول مواطن بالشكل الذى يرضيه.. ويتفق مع المعايير السليمة للرعاية الطبية فى العالم كله.. وذلك دون أن يضع يده فى جيبه كما صرح سيادة الوزير.. أو تضع الوزارة يدها بدلاً منه!!