فلسطين أرض الأنبياء والبطولات

فلسطين هى أرض الأنبياء، فمعظمهم عليهم السلام عاشوا وماتوا عليها، واستُشهدوا فيها، فقد هاجر إليها إبراهيم الخليل من «أور» بالعراق إلى فلسطين، ويُسمّى مع قومه بالعبرانيين، أى الذين عبروا من العراق إلى فلسطين.

وسكن إبراهيم مع زوجته سارة هناك، ثم هاجرا معاً إلى مصر ثم عادا مرة أخرى إلى فلسطين، ثم أنجب يعقوب الذى استوطن مع أسرته فلسطين، ثم جاءوا إلى مصر بعد أن سبقهم إليها يوسف بن يعقوب الكريم ابن الكريم ابن الكريم.

وبذلك عاش أحفاد إبراهيم من يعقوب فى مصر، وهم المعروفون ببنى إسرائيل، ثم بُعث سيدنا موسى وتنزّلت عليه التوراة فى سيناء، ثم هاجر بنو إسرائيل من بطش فرعون مصر، متجهين إلى سيناء، ومنها إلى القدس، لكن بنى إسرائيل جبنوا ولم يطيعوا نبيهم سيدنا موسى، فحرموا من فتح القدس، فعاشوا فى التيه أربعين عاماً.

ولهذا لم يقدر بموسى، عليه السلام، فتح القدس، لكن فتحها تلميذه النبى «يوشع بن نون»، ثم تتابع الأنبياء على هذه الأرض المقدّسة، مئات الأنبياء، منهم من قص الله قصته، ومنهم من لم يقصص.

ومن أهم الأنبياء العظام الذى حكم فلسطين هو نبى الله داود الذى أعطاه الله الحكم والنبوة، وكان كثير الذكر والتسبيح، وكان صاحب صوت جميل رائع، وكانت الجبال والطير تُردّد مع تلاوته لجمال صوته «وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِى مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ».

وورث ملكه ابنه الملك والنبى العظيم سليمان الذى سخّر الله له الجن والطير والإنس، والذى دله الهدهد على مملكة سبأ وملكتها بلقيس التى كانت تعبد غير الله، فأسلمت على يد سليمان، وأعجبت بملكه وتديّنه، وأعجب بذكائها وفطنتها وتزوجها فى أرجح الأقوال.

كما ضمّت هذه الأرض المباركة سيدنا زكريا عليه السلام، زوج أخت السيدة مريم العذراء، الذى بشره ربه بعد أن بلغ من الكبر عتيا «يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا».

وقد تآمر الأشرار على زكريا، النبى الكريم، فطاردوه، فدخل شجرة، فلم يتوقفوا عند هذه المعجزة ونشروه مع الشجرة بالمنشار.

أما ابنه «يحيى» الذى اشتُهر عند المسيحيين فى التوراة والإنجيل باسم «يوحنا المعمدان»، وهو ابن خالة المسيح، عليهما السلام، فقد قدمت رأسه مهراً لغانية من قِبَل أحد الحكام، وهكذا الأنبياء والصالحون فى كل زمان، دماؤهم وأرواحهم وأعراضهم لا تساوى عند البعض شيئاً.

وولد المسيح، عليه السلام، بآية من الله فى بيت لحم فى هذه الأرض المباركة بمعجزة عظيمة من غير أب، فوهبه الله أن يكلم الناس فى المهد صبياً، وأن يُبرئ الأكمه والأبرص ويحيى الموتى بإذن الله، والأكمه: هو الذى وُلد أعمى.

ولما خافت عليه أمه من بطش الرومان والكهنة اليهود هاجرت به إلى مصر، ثم عادت إلى فلسطين، حتى أتمّ الله رسالته، ونجّاه من كيد الكائدين.وفى هذه الأرض المباركة أسرى برسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهناك فى القدس وإلى جوار قبة الصخرة صلى بالأنبياء جميعاً، فلم تشهد بقعة من الأرض مشهد اجتماع هؤلاء الأنبياء جميعاً مثلما شهدتها القدس المشرفة.

فلسطين حوت قبور معظم الأنبياء، فقبر «إبراهيم» فى مدينة الخليل على سبيل المثال، وكبار الصحابة والمجاهدين العظام أمثال خالد بن الوليد، وصلاح الدين الأيوبى، وأبوعبيدة بن الجراح، ووقعت فيها أعظم المعارك الحربية الكبرى التى شرف أصحابها بالبذل والجهاد، مثل مؤتة وتبوك واليرموك.

وفى فلسطين، المسجد الأقصى الذى بناه سيدنا آدم على أرجح الأقوال، أو سيدنا «إبراهيم» فى أحدها، وبينه وبين المسجد الحرام فى تاريخ البناء أربعون عاماً، فهو ثانى مسجد على ظهر الأرض، وفيها كنيسة القيامة أقدم كنيسة على ظهر الأرض.

وقد قال «عيسى» عن أرض فلسطين «بوركت الأرض التى أنا عليها»، وهو من الناصرة أصلاً قُرب بيت لحم، وفلسطين تحتوى على أربعة مناخات هى: الساحلى والصحراوى والجبلى والأغوار، ومن الصعب أن يوجد ذلك فى مساحة صغيرة مثل مساحة فلسطين.

وأرض فلسطين هى الأكثر تعرّضاً للغزوات فى تاريخ البشرية كلها، وقد وُلدت دولة فلسطين قبل أن يوجد بها الإسرائيليون، والفلسطينيون أول من اكتشف التمر والبرتقال والليمون والشمام، وأول سور وُجد فى العالم هو سور أريحا، التى هى أول مدينة فى العالم.

وعلى أرض فلسطين يكون المحشر والمنشر، فقد قيل للنبى، صلى الله عليه وسلم، أفتنا فى بيت المقدس، فقال: «أرض المحشر والمنشر»، سيحميها الله إن تقاعس الخلق جميعاً عن نصرتها.

يا ابن الوليد ألا سيف نؤجره.. فكل أسيافنا قد أصبحت خشبا