نقل السفارة.. قرار طائش أم تدبير صادم؟

كنت أنوى الكتابة فى مقال هذا الأسبوع عن الآليات العربية فى مواجهة قرار ترامب بنقل سفارة بلاده لدى إسرائيل إلى القدس. وبعد إمعان النظر فى الموضوع، ارتأيت من المناسب أن نبحث أولاً عن أسباب صدور قرار نقل السفارة فى هذا التوقيت، على الرغم من تأجيله أكثر من مرة، منذ صدور قانون سفارة القدس فى الثامن من نوفمبر 1995م وحتى تاريخه. ووجه التساؤل أن المادة السابعة من هذا القانون تخول للرئيس الأمريكى تعليق إجراءات النقل لمدة ستة أشهر، إذا اتخذ قراراً بهذا الشأن وقدم تقريراً إلى الكونجرس سلفاً بأن هذا التعليق ضرورى لحماية مصالح الأمن القومى للولايات المتحدة الأمريكية. كما يجوز للرئيس أن يقرر تعليق إجراءات النقل لفترة ستة أشهر أخرى عند انتهاء أى فترة كان فيها التعليق سارى المفعول بموجب هذا البند، بشرط تقديم تقرير إلى الكونجرس سلفاً بأن هذا التعليق الإضافى ضرورى لحماية مصالح الأمن القومى الأمريكى. وللجوء إلى هذا الإجراء يجب أن يتضمن التقرير المقدم إلى الكونجرس فى هذا الشأن بياناً بالمصالح المتضررة من حدوث النقل ومناقشة كيفية تأثير إجراء نقل السفارة على هذه المصالح.

وبناءً على الصلاحية المقررة فى هذه المادة، لجأ الرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون إلى تعليق إجراءات نقل السفارة أكثر من مرة، رغم أنه دعا عند توليه مهام منصبه إلى نقل السفارة وعمل بنشاط على إنجاز مشروع قانون سفارة القدس، ولم يستخدم حقه الدستورى فى الاعتراض عليه، ولم يُعَد منه إلى مجلس النواب خلال الفترة المنصوص عليها فى الدستور، الأمر الذى أدى إلى أن يصبح قانوناً رسمياً صادراً دون توقيعه بتاريخ 8 نوفمبر 1995م. وكذلك، تعين على الرؤساء الأمريكيين الذين أتوا من بعده أن يقرروا كل ستة أشهر ما إذا كان سيتم نقل السفارة الأمريكية لدى إسرائيل من تل أبيب إلى القدس. وقد تقرر فى كل مرة، ولأكثر من عقدين من الزمن، الإبقاء على مكان السفارة فى تل أبيب، سعياً لعدم عرقلة محادثات السلام الحساسة فى الشرق الأوسط. ولكن الرئيس الأمريكى الحالى دونالد ترامب أبلغ رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أوائل الشهر الحالى أنه سيعترف بالمدينة المقدسة عاصمة لإسرائيل وأنه سيبدأ بعملية نقل السفارة هناك، بعدما تم التوقيع على وثيقة التنازل بعدم تأجيل هذه الخطوة فى شهر يونيو 2017م.

وهكذا، فإن هذا القرار، الذى تخوف منه الخبراء، بما قد يثير من اضطرابات فى العالم العربى، اختتم عملية التأجيل التى بدأت فى العام 1995م، مع إقرار قانون سفارة القدس فى ذلك العام. وقد يرى البعض أن الأسباب التى تدعو إلى تأجيل نقل السفارة لا تختلف كثيراً عما كانت عليه فى العام 1995م. ففى العام 2017، فإن العواقب المحتملة للاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل لا تزال هى نفسها، وهى: خطر إشعال الاحتجاجات فى العالم العربى وتهديد موقف الولايات المتحدة كوسيط فى محادثات السلام. ولكن الشىء الوحيد المختلف بشأن المناخ السياسى لعام 2017 هو أن هناك «فرصة لم تكن موجودة من قبل»، كما أوضح سفير إسرائيل فى الولايات المتحدة (Ron DERMER) لصحيفة (Politico)، إذ إن الجانبين يتشاطران المخاوف نفسها بشأن إيران.

ويبدو أن هذا هو السبب الذى أدى إلى اتخاذ قرار نقل السفارة فى هذا التوقيت. ولعل ذلك يبدو جلياً من تتبع الأحداث فى الأيام التى تلت صدور القرار. ففى يومى الأربعاء والخميس الموافقين 13 و14 ديسمبر 2017م، سعت الإدارة الأمريكية إلى تسليط الأضواء على الأطماع الإيرانية فى الدول العربية، وذلك من خلال التصريحات الصادرة عن مستشار الأمن القومى الأمريكى والمندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة. ففى يوم الأربعاء الماضى، وجه الجنرال «هربرت ماكماستر» انتقادات حادة لممارسات قطر وتركيا وإيران، مشدداً على أن قطر وتركيا ضالعتان فى دعم الأيديولوجيات المتشددة وتمويلها، مؤكداً ضرورة رصد علاقات الحرس الثورى الإيرانى وتحديد أصحاب الشركات الإيرانية التى لها علاقة بالنظام الإيرانى الراعى للإرهاب. وفى مؤتمر صحفى عقدته بواشنطن، قالت نيكى هيلى: «نعمل بالتنسيق مع المجتمع الدولى لتشكيل تحالف لمواجهة التهديد الإيرانى». وأضافت: «إيران أساءت فهم الاتفاق النووى لأنها تنتهك القرارات وتعزز نفوذها عبر وكلائها فى الشرق الأوسط». وقالت أيضاً: «نسعى لوقف الانتهاكات الإيرانية ولن نقف مكتوفى الأيدى». وأكدت المندوبة الأمريكية أن «الصاروخ الذى أطلقته ميليشيات الحوثى على السعودية مصنوع فى إيران». ولم يقف الأمر عند حد إطلاق التصريحات، وإنما امتد إلى إقرار بعض التشريعات ذات الصلة بمواجهة الخطر الإيرانى. ففى يوم الأربعاء الموافق 13 ديسمبر الحالى، صوت مجلس النواب الأمريكى لصالح مشروع قانون الشفافية حول أصول المسئولين الإيرانيين. وفى اليوم التالى مباشرة، وافق مجلس النواب الأمريكى على مشروع قانون من شأنه تعزيز الرقابة على شراء إيران طائرات تجارية.

وللحديث بقية..