إشكالية الغياب المؤقت لرئيس مجلس الوزراء فى مصر ولبنان

فتحى فكرى

فتحى فكرى

كاتب صحفي

تبدى الدساتير اهتماماً بوجود مانع مؤقت لدى رئيس الدولة يحول دونه ومباشرة مهامه، ففى فرض وجود منصب نائب للرئيس، ينهض شاغل هذا المنصب بتبعات الرئاسة، إلى أن يزول داعى منع رئيس الدولة من مباشرة اختصاصاته (الشفاء من مرض - العودة من رحلة خاصة بالخارج.. إلخ)، واتفاقاً مع ذلك قضت الفقرة الأولى من المادة 82 من دستور 1971، وفقاً لتعديل 2007، أنه إذا قام مانع مؤقت يحول دون مباشرة رئيس الجمهورية لاختصاصاته أناب عنه نائب رئيس الجمهورية..».

ونظراً لعزوف دستور 2012 عن تقنين منصب نائب الرئيس، عهدت المادة 153/1 لرئيس مجلس الوزراء بالحلول محل رئيس الجمهورية حال غيابه لفترة ما، وتبنت ذات النهج المادة 160 من دستور 2014، وفى لبنان نصت المادة 62 من الدستور تبعاً لتعديل 1990- بأنه «فى حال خلو سدة الرئاسة لأى علة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء».

والنص بعاليه تناول خلو المنصب بصفة عامة، بما يصرفه للخلو الدائم والمؤقت فى ذات الآن.

وسنقصر الأمثلة على مصر ولبنان، لنضع فى بؤرة الضوء أن الاهتمام بوجود مانع مؤقت لدى رئيس الدولة، فى النموذجين محل المعالجة، لم يعادله اهتمام مقابل بالنسبة لرئيس مجلس الوزراء، وهى الإشكالية التى طُرحت فى البلدين مؤخراً.

ففى مصر سافر رئيس مجلس الوزراء بتاريخ 24 نوفمبر 2017 إلى ألمانيا لإجراء عملية جراحية، وقدرت فترة غيابه بثلاثة أسابيع، وعلى أثر ذلك أصدر رئيس الجمهورية قراره الرقيم 576 لسنة 2017 بتولى وزير الإسكان جميع اختصاصات رئيس مجلس الوزراء لحين عودته لمباشرة مهامه، وهنا يثور السؤال حول السند الدستورى لإصدار رئيس الجمهورية القرار سالف البيان.

ربما تردد أن المادة 146 من الدستور تتيح لرئيس الدولة اختيار رئيس مجلس الوزراء، واعتماداً على ذلك بمكنته أن يحيل مهامه لمن يراه من أعضاء الوزارة عند غياب رئيس الحكومة بصفة مؤقتة، وهذا التخريج -فى اعتقادنا- محل نظر، فقد كان يمكن قبوله فى إطار دستور 1971 قبل تعديل 2007، حيث وسد لرئيس الجمهورية سلطة تقديرية تامة وكاملة فى اختيار رئيس مجلس الوزراء وعزله من منصبه، وهو ما كانت تترجمه المادة 141 بقولها «يعين رئيس الجمهورية رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء ونوابهم، ويعفيهم من مناصبهم»، ولا يغير من هذا التحليل ما قضت به المادة 133 من عرض الحكومة لبرنامجها على مجلس الشعب، فتلك الخطوة لم تكن تتيح للمجلس سوى مناقشة البرنامج دون اتخاذ قرار بشأنه، ولم يعد الوضع كذلك الآن، فاختيار الحكومة، وهو ما ينصرف إلى رئيسها بالضرورة، أصبح شركة بين رئيس الجمهورية والبرلمان ممثلاً فى مجلس النواب، فطبقاً للمادة 146 من الدستور الحالى «يكلف رئيس الجمهورية رئيساً لمجلس الوزراء، بتشكيل الحكومة وعرض برنامجه على مجلس النواب، فإذا لم تحصل حكومته على ثقة أغلبية أعضاء مجلس النواب خلال ثلاثين يوماً على الأكثر، يكلف رئيس الجمهورية رئيساً لمجلس الوزراء بترشيح من الحزب أو الائتلاف الحائز على أكثرية مقاعد مجلس النواب، فإذا لم تحصل حكومته على ثقة أغلبية أعضاء مجلس النواب خلال ثلاثين يوماً، عُد المجلس منحلاً ويدعو رئيس الجمهورية لانتخاب مجلس نواب جديد..»، وهكذا لا يستقر تشكيل الحكومة إلا بموافقة مجلس النواب، وتلك الموافقة تنصرف إلى البرنامج، ورئيس وأعضاء الحكومة، وبعبارة أخرى، فإن البرلمان يبدى الرأى فى السياسات التى ستطبقها الحكومة، والدور المناط فيها بكل عضو من أعضائها، وعلى هذا النحو يبين أن إقرار البرلمان لتشكيل الحكومة لا يتضمن نهوض أحد الوزراء باختصاصات رئيس مجلس الوزراء الغائب مؤقتاً، وربما لو طرح الوزير القائم بعمل رئيس الوزراء على البرلمان كرئيس للحكومة، أو نائباً له، لرفض البرلمان ذلك، وبناء على ما تقدم فإن فلسفة النصوص الدستورية تميل إلى التزام رئيس الجمهورية، حال تكليفه أحد الوزراء بمسئوليات رئيس الحكومة، بعرض الأمر على البرلمان للحصول على موافقته، ولتفادى تلك المشكلة مستقبلاً نطرح أحد تصورين:

- أن يشتمل التشكيل الوزارى على منصب نائب رئيس الوزراء، مع النص صراحة على توليه مهام رئيس الحكومةحال غيابه المؤقت، علماً بأن المادة 163 من الدستور تشير صراحة لهذا المنصب، وحال تعدد نواب رئيس مجلس الوزراء، يُعين من بينهم النائب الذى سيكلف بعبء رئيس مجلس الوزراء حال احتجابه فترة من الزمن.

- إذا اتجهت النية إلى عدم وجود منصب نائب رئيس مجلس الوزراء -كما هو الوضع الآن- فيتعين الإشارة إلى عضو الحكومة الذى سيمارس مهام رئيس مجلس الوزراء عند غيابه مؤقتاً.

وبهذا التصور سيقر البرلمان مع برنامج الحكومة وتشكيلها، العضو المناط به القيام بدور رئيس مجلس الوزراء حال حدوث أمر طارئ له.

وعانت لبنان من نفس المشكلة فى الآونة الأخيرة، وذلك بمناسبة تقديم رئيس الوزراء فى 4 نوفمبر 2017 استقالته، عبر إحدى القنوات التليفزيونية أثناء زيارته للمملكة العربية السعودية، وظلت هذه الاستقالة موضع جدل حاد، حتى عاد رئيس الوزراء إلى لبنان فى 22 نوفمبر 2017، أى بعد ما يناهز ثلاثة أسابيع، ليعلن أنه عرض الاستقالة على رئيس الجمهورية، الذى دعاه إلى التريث فيها، وإنه استجاب لتلك الدعوة.

ولن نناقش هنا الشكل الواجب تقديم الاستقالة من خلاله، وجواز تقديمها عبر خطاب متلفز بُث من دولة أجنبية فى ملابسات ران عليها كثيف من السحب الضبابية، فلذلك مقام آخر، فالمهم أن هناك استقالة أُعلنت، وظل رئيس الوزراء خارج البلاد لفترة ليست بالقصيرة، وتنبئ الملابسات المعاصرة لها أنها كانت مرشحة للزيادة، لولا جهود حثيثة بذلت من هنا وهناك، فكيف سُيرت أعمال الحكومة فى تلك الفترة؟ وتبرز أهمية هذا التساؤل أن لبنان يميل إلى النظام البرلمانى، ما يفيد تركز جل السلطة التنفيذية فى يد الحكومة، وما يترك لرئيس الدولة من السلطات يتسم -عادة- بالمحدودية، وتعبر عن ذلك بكل وضوح المادة 54 من الدستور اللبنانى الناصة على أن «مقررات (قرارات) رئيس الجمهورية يجب أن يشترك معه فى التوقيع عليها رئيس الحكومة والوزير أو الوزراء المختصون ما خلا مرسوم تسمية رئيس الحكومة وقبول استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة، «أما مرسوم إصدار القوانين فيشترك معه فى التوقيع عليه رئيس الحكومة»، والواقع أن الدستور اللبنانى رجح كفة الحكومة. وبرهن الواقع السياسى، فضلاً عن الوضع الدستورى على ذلك، فقد ظلت لبنان بلا رئيس للجمهورية فترة تربو على سنتين ونصف (مايو 2014 - أكتوبر 2016)، فى حين أنه لا يتخيل أن تختفى الحكومة لفترة أقل من ذلك بكثير، وربما تصور البعض أن المادة 69 من الدستور اللبنانى تسعفنا بالحل بنصها على أن الحكومة تعتبر مستقيلة «(أ) إذا استقال رئيسها»، إلا أن هذا الطرح يعترضه فى الفرض المثار أن رئيس الجمهورية أعلن أن الاستقالة صدرت تحت ضغوط، ما لا يمكن معه الاعتداد بها، ومن ثم قبولها، حتى تكلف الوزارة بتصريف الجارى من الشئون وفقاً للمادة 64 من الدستور، وهنا يعود التساؤل من جديد عن سبيل مباشرة الحكومة لمهامها ورئيسها خارج البلاد منذ إعلانه تخليه عن منصبه؟ فكيف يجتمع مجلس الوزراء إذا اقتضى الأمر ذلك، وما هو المخرج بالنسبة للقرارات العاجلة الواجب إمهارها بتوقيع رئيس الحكومة؟ كل تلك التساؤلات وغيرها كان يمكن تجنبها بتضمين مرسوم تشكيل الحكومة الوزير المناط به مهام رئيس الوزراء عند غيابه المؤقت.

***

قصارى القول إن إيجابية الأزمات التى قد نعرض لها، هى فى التنبه لأسبابها، والاحتياط من تكرارها.