"القدس".. ملحمة مستمرة في رسائل مبدعي فلسطين

كتب: ماريان سعيد

"القدس".. ملحمة مستمرة في رسائل مبدعي فلسطين

"القدس".. ملحمة مستمرة في رسائل مبدعي فلسطين

"لنذهبْ إلى غدنا واثقين".. قالها محمود درويش في قصيدته "طباق"، المهداة للمفكر الفلسطيني إدوارد سعيد، الذي ربطت بينهما صداقة من نوع خاص، مثّلها التقاء بين قطبين فلسطينيين، جمعت بينهما الغربة وتشابه الأفكار.

يقول إدوارد سعيد إنه أكثر من مرة "يكتشف نفسه متلبسا بأفكار درويش"، ورغم أن "درويش" عرف بشعره وإدوارد عرف بكتاباته الأكاديمية عن الاستشراق، فإنهما كانا يلتقيان في "الهوية الكونية" كما يقول "سعيد"، مفضلا الكونية على العالمية فهي في أجمل تجلياتها هي أن تكون ابنا للكون.

قرأ كل من "درويش" و"إدوارد" واقعهما السياسي والإنساني في مرآة "الآخر"، فجسّد "درويش" الألم الإنساني بشكل عام كما ناقش "سعيد" القضية العربية بإنسانية.

يقول الروائي ناجي الناجي، المستشار الإعلامي للسفارة الفلسطينية بالقاهرة، لـ"الوطن"، إن درويش لم ينفصل عن قضيته الأم حتى وهو يكتب عن الحب أو عن القضايا الإنسانية المجردة، فألقى القضية من خلال إنسانيتها فكان دائما يعتقد أن الإنسانية هي الأكثر تعبيرا عما يحدث في المخيمات وما يعانيه الفلسطينيون، كما كتب في قصيدته "أحمد الزعتر" مصورا صراعه الداخلي بين اللاجئ الفلسطيني والإنسان الذي يسعى من أجل الحياة.

وفي رسالته الأخيرة للشاعر الفلسطيني "سميح القاسم" قال له: "بين عاصفةٍ وعاصفة، قد نجد مَقعدا للحنين أو للوداع. طوبى لهذه السُّكنى القصيرة المُسَوّرة بالرّيح"، شاكيا لصديقه "آه من قلّة الزاد، وطول الطريق، وبُعد السفر"، وأمره بأن "اشرحْ صبرك، أو فاشرحْ ضيقَ صبرك".

يقول الناقد يسري عبد الغني، لـ"الوطن" إن المتابع للكثير من قصائد محمود درويش يلمس عمق الشعور بالوحدة والاغتراب الذي عاشه في سنواته الأخيرة، فرغم الشهرة التي حققها والترحيب المفعم بالحب والاحترام في أي مكان يذهب إليه، كان يقاسي من الإحساس بأن كل شيء لم تعد له قيمة، فأصبح في أيامه الأخيرة نسيج من الألم والمرارة فقصائده توشك أن تكون كالرسائل الأخيرة التي تصدر عن رجل ينتظر تنفيذ حكم الإعدام لكنه يراوغ الموت.

"لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي".. مؤكدا أن دوره في القصيدة لا يتعدى دور الشاعر الملهم أو الوسيط بين ربة الشعر "الوحي"، ويقول "عبد الغني" لـ"الوطن": "عند درويش ليس الموت هو موت الفقيد بل هو موت الشاعر الذي يؤبن، فمن خلال رثائه لراشد حسين وأحمد الزعتر وإبراهيم مرزوق وعز الدين قلق وماجد أبو شرار وآخرين نجده يرثي الزمن الذي لعبت أقداره دورا في جعل الفلسطيني يموت غدرا في أجل ليس أجله ومكان ليس وطنه وبدن ليس بدنه..

“يا أحمد العربي قاوم/ لا وقت للمنفى/ وأغنيتي ستذهب في الحصار".

"نحن في لحم بلادي.. وَهْيَ فينا".. هكذا عبر عن وطنه في قصيدة مهداة للشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان، ورفض غربته مؤكدا انتماءه الدائم "آه يا جرحي المكابر.. وطني ليس حقيبة.. وأنا لست مسافرا.. إنني العاشق، والأرض حبيبة".

ويضيف "عبد الغني"، أن لدرويش فضلا كبيرا في الخروج بقصيدة الرثاء من النمط التقليدي الذي يكتفي بالبكاء وذكر مناقب الراحل وتعظيمه، إلى موقف يندمج فيه الشاعر بالمرثي، فهو يرثي نفسه والفقيد في آنٍ، ويتحول الموقف من البكاء إلى التحريض ثم الثورة وإلى مساءلة الوجود عن الحياة والموت والهوية والوطن والنفي والعودة وحق الإنسان في أن يكون حرا في بلاده بلا سجون أو قيود، أي أن المرثية باتت على يديه قصيدة كونية تعبر عن رؤيته للعالم وليس مجرد نواح كالذي عرف في طقوس الندب الشعري.

ورغم كل الارتحال قال "درويش": "أحنّ إلى خبز أمي.. وقهوة أمي.. ولمسة أمي.. وتكبر في الطفولة.. يوما على صدر يوم.. وأعشق عمري لأني إذا متّ.. أخجل من دمع أمي!".. كثيرا ما كتب "درويش" عن أمه، وكثيرا ما ارتبط بها، ويؤكد "الناجي" أن علاقته بأمه من أقوى روابطه الإنسانية، فهي كانت الوطن والأم والحبيبة، مشيرا إلى أنها لم تطق الحياة بعد وفاته ورحلت بعد فترة قصيرة لا تتخطى الثمانية أشهر.


مواضيع متعلقة