الانتخابات العراقية واللبنانية.. فرصة إيران الذهبية لتعزيز نفوذها

كتب: نادية الدكرورى

الانتخابات العراقية واللبنانية.. فرصة إيران الذهبية لتعزيز نفوذها

الانتخابات العراقية واللبنانية.. فرصة إيران الذهبية لتعزيز نفوذها

«التصدى للتدخلات الإيرانية فى الدول العربية وتقويضها للأمن والسلم العربى»، هكذا جاء عنوان الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب، الذى ترقب الكثيرون أن يصدر عنه للمرة الأولى بيان جماعى يندد باستمرار النفوذ والتدخل الإيرانى بالمنطقة، مؤكدين ضرورة وقف «طهران» دعمها لـ«الحوثيين» فى اليمن و«حزب الله» فى لبنان، والتوقف عن إثارة القلاقل فى البحرين، والالتزام بتطبيق سياسة حُسن الجوار، إلى جانب التأكيد على تضامن الدول العربية كاملة مع السعودية فى كل إجراءاتها.

جذور السعى الإيرانى لمد نفوذه بالمنطقة تعود إلى فترة الصراع الأمريكى الإيرانى ما بعد الثورة الإيرانية عام 1979، فقد استغلت «طهران» تلك الثورة فى محاولة لنشر نظام الملالى الذى أقرته بعد عودة المرشد الإيرانى الأول آية الله الخمينى إلى إيران، وتطبيق نظام «الملالى» بحجة تطبيق الشريعة الإسلامية وإعلان إيران دولة إسلامية.. وقتها عززت إيران محاولاتها لفرض نفوذها على منطقة الخليج العربى، كرد على النفوذ الأمريكى فى المنطقة.

{long_qoute_1}

تسببت ثورات الربيع العربى فى حالة من الارتباك فى المشهد السياسى العربى، وهو ما دفع إيران إلى تركيز محاولاتها لمد نفوذها بصورة غير مسبوقة فى عدد من الدول العربية، أولاها العراق بالطبع، ومن بعدها لبنان وسوريا، ثم البحرين واليمن ودول أخرى عربية أخرى، ومع اقتراب إجراء الانتخابات التشريعية فى العراق ولبنان، فإن «طهران» باتت لديها الفرصة الذهبية للسيطرة على تلك الدول بشكل أكبر، ومن ثم اختراق المنطقة العربية بأكملها. «إيران تسعى إلى السيطرة على الحديقة الخلفية لها، فقد اتخذت وسائل وأشكالاً عديدة لمد نفوذها إلى الدول العربية بشكل غير مسبوق»، هكذا يقول مايكل نايتس المتخصص فى الشئون العسكرية والأمنية للعراق وإيران بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى. ويقول «نايتس»: «عقب تراجع عدد المدن العراقية الخاضعة لسيطرة تنظيم (داعش) أصبح أمام إيران عدد من الأهداف الواضحة فى العراق للمستقبل القريب، أبرزها تشكيل تكتل من الأحزاب السياسية الشيعية بعد الانتخابات العراقية العامة المقرر انعقادها فى مايو المقبل». تهدف إيران، بحسب ما يقول «نايتس»، من هذه الأحزاب أن «تعمل معاً لتشكيل الحكومة، خاصة أن وجود الأكثرية الشيعية فى صميم الحكومة العراقية تطمئن إيران بأن العراق لن يشكل مرة أخرى تهديداً لإيران ذات الأغلبية الشيعية، وما لا تريده إيران هو أن تقسم التكتلات الشيعية دعمها وتبنى تحالفات فردية مع الكتل العربية السنية والكردية والعلمانية لتشكيل حكومة جديدة عابرة للطوائف، وهى فكرة واردة لدى رئيس الوزراء حيدر العبادى والزعيم القومى الشيعى مقتدى الصدر».

«نايتس» يرى أن «إيران ترغب فى أن يكون الوجود العسكرى الأمريكى فى العراق غير مرحب به لدى رئيس الوزراء المقبل، على أن يكون المشهد النهائى الذى تريده إيران هو أن ترى قادة قوات الحشد الشعبى، مثل هادى العامرى، يحكمون العراق، ربما من وراء الكواليس، ويتعاونون بشكل كامل مع (حزب الله) اللبنانى ونظام الرئيس السورى بشار الأسد، على مدى سلسلة من الأراضى الخاضعة للسيطرة الإيرانية والممتدة من آسيا الوسطى إلى البحر الأبيض المتوسط». ويضيف «نايتس»: «فى انتظار إيران مجموعة من العقبات فى مخططاتها السياسية فى العراق، أبرزها موجة المشاعر المعادية لها التى أعقبت اتفاق (حزب الله) الأخير مع تنظيم (داعش) فى سوريا، بعد السماح فى أغسطس الماضى لـ308 مقاتلين من التنظيم وعائلاتهم بإخلاء منطقة (القلمون) على طول الحدود اللبنانية السورية والتوجه إلى بلدة (البوكمال) بالقرب من الحدود العراقية السورية، وتم تنفيذ العملية باستخدام حافلات وسيارات إسعاف أرسلتها حكومة (الأسد) بالتعاون مع حزب الله، وأثار هذا القرار غضب (العبادى) والعديد من الشخصيات السياسية الشيعية والناشطين فى العراق، إذ اعتبروا أن هذا الاتفاق يشكل خطراً على العراق ويهين شعبه».

{long_qoute_2}

هذا التوتر، بحسب «نايتس»، طال الشيعة فى لبنان أيضاً، ومن بينهم أنصار «حزب الله»، إذ انتقد بعضهم الحزب بشدة لإبرام هذا الاتفاق مع تنظيم «داعش»، وأدى ذلك بدوره إلى حوار غير عادى على مواقع التواصل الاجتماعى بين الشيعة العراقيين واللبنانيين، فى حين أن إيران أصبحت واثقة تماماً من قدرتها على التأثير على الانتخابات البرلمانية فى لبنان المقرر انعقادها العام المقبل، كما أن فرض إرادتها فى انتخابات العراق يشكل تحدياً أكبر. ويضيف «نايتس»: «يعتمد مستقبل النفوذ الإيرانى فى العراق على نتائج انتخابات العام المقبل، وإذا لم يفز المرشحون المفضلون لإيران ككتلة مهيمنة، فسوف تشعر طهران بالتداعيات فى لبنان كما فى العراق، وإذا بقيت الأحزاب الشيعية منفصلة أو تحالفت مع الكتل السنية أو الكردية أو العلمانية لتشكيل حكومة عابرة للطوائف، فإنها قد تعزز التعاون بين الولايات المتحدة والعراق وتثير نقاشات حول مصير (وحدات الحشد الشعبى) وتزيد من التحديات أمام إيران بشكل عام».

«العراق خط الدفاع الأول لمصالح إيران فى المنطقة».. هكذا وصف الدكتور رائد العزاوى، أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة والمحلل السياسى العراقى، محاولات إيران لبسط نفوذها السياسى داخل العراق، لافتاً إلى أن «هناك 30 ألف عنصر مخابرات إيرانى فى العراق، ولديها علاقات واسعة مع سياسيين عراقيين عرب وأكراد»، ما يسهل سيطرتها على الانتخابات العراقية المقبلة فى مايو المقبل، ويحقق على الأقل طموحاتها فى أن تعود الوجوه المقربة من إيران للمشهد العراقى مرة أخرى. ولفت «العزاوى»، فى تصريحات لـ«الوطن»، إلى أن «السيطرة الإيرانية على الانتخابات العراقية المقبلة تأتى فى صالح الضغوط الإيرانية على أمريكا، على اعتبار أن العراق أصبح الحديقة الخلفية لإيران، وهو وصف ذكره مستشار المرشد الأعلى الإيرانى على لارجانى، ما يطرح تساؤلاً: أين العرب من التدخلات الإيرانية المستمرة؟». وطالب «العزاوى» بضرورة امتلاك رؤية واضحة تجاه المسألة الإيرانية، فى ظل وجود سيطرة واضحة إيرانية على الانتخابات العراقية المقبلة، وتداعيات هذه السيطرة تفضى إلى أننا سنخسر العراق كما خسرنا لبنان واليمن، فى ظل افتقادنا لأوراق ضغط حقيقية يمكن من خلالها حصار النفوذ الإيرانى، فنحن لا نمتلك قوة مسلحة رادعة أو حلفاء سياسيين فى العراق ولبنان أو حتى رؤية واضحة.

على الصعيد اللبنانى، يمتد التأثير الإيرانى على الانتخابات اللبنانية المقبلة، بحسب ما ذكر فادى عكوم، المحلل السياسى اللبنانى، الذى يرى أن «إيران لها تأثير مباشر على المجتمع اللبنانى أو السورى أو العراقى، ما يؤثر بالتبعية على نتائج الانتخابات باستخدام الضغوط السياسية أو المادية أو التهديد والضغط العسكرى من خلال مجموعات الحرس الثورى الإيرانى، خاصة أن «حزب الله» يسيطر على مناطق عديدة من الأراضى اللبنانية». «الأمر معلب ومسيطر عليه».. هكذا وصف «عكوم»، فى تصريحات لـ«الوطن»، سيطرة إيران على الانتخابات اللبنانية من خلال «حزب الله» والأحزاب التابعة للتيار الوطنى الحر الذى ينفذ تعليمات المخابرات التابعة للحرس الثورى الإيرانى، خاصة أن «حزب الله» ليس حزباً لبنانياً بل حزب إيرانى موجود فى لبنان، ما يعطى لهم نفوذاً شاملاً للوصول لكتلة نيابية كبيرة للسيطرة على القوانين والمراسم، وفرض وجودهم على التشكيل الحكومى المقبل، من خلال تكوين أكبر كتلة نيابية التى تعطى للحزب الحق فى المشاركة بالحكومة والحصول على حقائب وزارية.

ويصف «عكوم» الوضع فى لبنان بـ«المتفجر المتجاوز للخطوط الحمراء» بسبب النفوذ الإيرانى ما قبل أو بعد الانتخابات المقبلة، خاصة مع سيطرة الحرس الثورى الإيرانى على قرار المؤسسات الأمنية، ما يضعف أى تحرك مضاد من قبل القوى السياسية اللبنانية، بعد محاولات «حزب الله» وحلفائه الاستفادة من الضعف الذى أصاب حركة 14 آذار. «فرصة ذهبية»، هكذا وصف «عكوم» إمكانية استفادة القوى السياسية اللبنانية من التحرك الأخير لرئيس الوزراء سعد الحريرى، الذى استقال بسبب التدخلات الإيرانية فى المنطقة وتراجعه عن الاستقالة بناءً على طلب من الرئيس ميشال عون، مضيفاً: «كل ما حدث هو فرصة ذهبية لتنظيم صفوف 14 آذار، والحصول على الدعم من الداخل اللبنانى الرافض لسياسة (حزب الله) أو دعم إقليمى ودولى من دول المنطقة مثل مصر والسعودية وفرنسا، على أمل أن يعود قرار الحرب والسلم فى يد لبنان وليس فى يد تنظيم إرهابى، خاصة أن ما حدث كشف عورات إيران ونفوذها على لبنان»، بحسب وصفه.


مواضيع متعلقة