طارق شوقى.. صانع الأمل بالمعرفة

هناك أصحاب نهج مستنير وفكر خارج الصندوق يضيفون إلى المجتمعات بصمة مستدامة فى المدى البعيد، لأنهم ببساطة سفراء عطاء لأوطانهم بصرف النظر عن موعد الحصاد فى وجودهم. لقد استنزف التعليم فى مصر المليارات على مدار حكومات متعاقبة وبعوائد هزيلة جعلت مصر تحتل المرتبة 130 من بين 137 دولة فى مؤشر جودة النظام التعليمى حسب تقرير التنافسية الدولية لعام 2017، وتحولت صناعة الاستثمار فى الإنسان إلى البحث عن شهادات ودبلومات، ووقع المجتمع فى أوهام تصنيفات ومصطلحات أضحت جزءاً من الوعى الجمعى التراكمى دون أن تأخذنا للأمام مثل «كليات القمة» و«كليات القاع» وجدلية «التنسيق» وشبح «الثانوية العامة» وغيرها، بعيدًا عن التطوير والمقارنة المعيارية بين تعليمنا الوهمى التراجعى وتعليم آخر متقدم وعصرى يواكب العالم بلغته وأدواته وثورته الصناعية الرابعة. حين متابعتى لعدد من اللقاءات التليفزيونية مع ربان سفينة التربية والتعليم والتعليم الفنى الدكتور طارق شوقى، أدركت أننا أمام استشراف للمستقبل لرجل يدعمه تاريخ يبعث على الفخر أكاديمياً فى مختلف محطاته، ومهنياً فى اليونيسكو ومشروعه المتفرد «بنك المعرفة المصرى»، وتركيزه الشديد على «المرض» المرتبط بالمعلم ورأس المال البشرى. لقد حدد الوزير الموعد الفعلى لإبحار سفينة التعليم بكل عيوبها وتحدياتها وقصور مهارات العديد من البحارة على ظهرها، معلمين وإداريين، لأنه لا خيار سوى حتمية المضى قدماً إلى المحطة التالية وصولاً إلى ميناء تربوى تعليمى أفضل لمصر.

من يتأمل المحاور الثلاثة فى رؤية الوزير، يدرك العزيمة المنهجية الواقعية للانتقال الآمن من مربع الوهم المعرفى والقشور إلى مربع أكثر إشراقاً يليق بمكانة مصر على المدى الطويل لصعوبة الحصاد على المدى القصير، والعودة إلى الجذور والاستثمار فى العقول والرهان على الإنسان المصرى ومحفظة استثمارية تضم نحو 22 مليون سهم من الطلبة والطالبات، إضافة الى «الكامن» من مواهب وقدرات وإبداعات. ففى المحور الأول يحتل «المعلم» المصرى الأولوية بتمكينه بأحدث المهارات وأفضل المزايا ليفتخر بأنه يشغل أعظم وظيفة، لأنه يؤثر فى أهم منتج حضارى وهو «الإنسان». فالمعلم المعرفى هو الذى صنع الفرق فى صناعة القامات المصرية التى أبهرت العالم فى عصور سابقة ليست ببعيدة، وهو الذى يحظى بمكانة أهم من القاضى فى اليابان.

أما المحور الثانى، فهو «الجهاز الإدارى المترهل» من أصحاب البيروقراطية وعشاق الدرجات الوظيفية دون قيمة حقيقية فى ديوان الوزارة والمديريات، حيث يتم استقطاب أصحاب الجدارات والمهارات والإنجازات من الشباب والقيادات المتميزة، ليكونوا قلب فريق العمل وقاطرة التطوير. وتطمئن على المستقبل حين تعلم أن المحور الثالث هو الاستخدام الأمثل لتكنولوجيا التعليم التى ستوفر على الدولة مليارات كانت تضيع فى تلال من الكتب والمطبوعات يمكن توفيرها إليكترونياً وبمحتوى أفضل، مع تعزيز الشراكات مع المتميزين من أصحاب النجاحات داخل مصر وخارجها لكى تصل السفينة إلى مرفأ آمن ومزدهر.

أيها السادة.. لديكم وزير يملك صناعة الأمل التعليمى بأدوات المعرفة، ورصيد من ممارسات ناجحة وفاعلة، وبيننا رقم جديد فى المعادلة التنموية التى تراهن على الإنسان قبل المكان، والجذور قبل القشور، وعلاج المرض وليس العرض. فإما أن تشغلوه بالتناحر الوظيفى والبت فى الشكاوى الكيدية والمشكلات التراكمية، ممن لا يعنيهم مستقبل الوطن ولصوص أغلى سلعة تحتاجها مصر وهى الوقت والعمر التنموى، وإما أن تدعموه وفريق عمله مع عدم تسرع الحصاد لأنه يحتاج سنوات، ليصنع لنا من جديد أملاً طال انتظاره وهو استعادة دورنا الريادى كأصحاب علم وحضارة بجدارة.