«شيرين».. عروس جديدة للنيل على طريقة الفراعنة
- أزمة سد النهضة
- إرادة شعب
- إشعال النيران
- التوك شو
- الثقافى المصرى
- السد الإثيوبى
- السلم الموسيقى
- السيدة عيشة
- الشئون القانونية
- الصحفيين والإعلاميين
- أزمة سد النهضة
- إرادة شعب
- إشعال النيران
- التوك شو
- الثقافى المصرى
- السد الإثيوبى
- السلم الموسيقى
- السيدة عيشة
- الشئون القانونية
- الصحفيين والإعلاميين
لماذا فقدنا نحن المصريين القدرة على التسامح، واستبدلنا بالرحمة حالة من التشفى فى حق المخطئين، حتى لو أخلصوا فى الاعتذار والتوبة.
لقد خرج منا الكثيرون من كل الأطياف فى حملة علنية تتأسف لرئيس مخلوع بإرادة شعبية، تسبب فى تدمير كلى لوطن وشعب طوال 30 عاماً من حكمه، وتسبب فى أخطر أزمة تواجه نهر النيل بسبب تجاهل الملف الأفريقى أكثر من 20 عاماً من حكمه، حتى أفرز تجاهله ورم «سد النهضة» الخبيث.
اعتذر فصيل من المصريين لـ«مبارك»، فيما انساق الجميع لرجم المطربة «شيرين» التى أخطأت فى حق النيل بمزحة «ساذجة»، وتغافلوا عن كونها أيقونة نيلية خالصة، أعادت للأغنية المصرية ذائقتها المفقودة بين صياح وهياج مطربى العضلات، عديمى الموهبة، ومنهم من ساهمت شعبيته الجارفة فى تشويه ذائقة أجيال عديدة من شباب مصر.
وقد لاحظ كثيرون ممن تابعوا تصفية «شيرين»، وذبحها قرباناً باسم «النهر الخالد»، أن هناك حملة لكتائب النجم الفولاذى استهدفت بلا رحمة، تدمير موهبة حقيقية أنجبتها الصدفة وألقت بها فى حضن العشوائية بلا تثقيف أو تعليم أو تأطير يليق بالموهبة ذاتها، وهذه الحملة الشرسة التى تعرضت لها المطربة «المصرية حتى النخاع» بنت حى «السيدة عيشة»، شيرين عبدالوهاب، رداً على «خطئها» الجسيم فى حق النيل، تجاهلت عمداً أن «شيرين» نفسها هى التى أعادت النيل إلى الوجدان المصرى والعربى، بعد أن تعرضت للنسيان أغنية «النهر الخالد» لمحمد عبدالوهاب.
ربما حنَّ الفراعنة الجدد لتقليد أجدادهم فى تقديم أضحية للنيل لإعادة فيضانه، فى ظل أزمة سد النهضة، فكانت المسكينة «شيرين» هى عروس الأزمة، بدلاً من العودة للأصل والتذكير بأن معاناتنا الحالية مع «شربة النيل» سببها التجاهل الأفريقى من طرف الرئيس الذى تأسفنا له.
تلك الهجمة تشبه واقعة شخص تعرض لصفعة على وجهه، فرد على من صفعه بطلقة مسدس، وللأسف لم تكن كردة فعل مفاجئة، لوجود مسافة طبيعية -زمنية ومكانية وإلكترونية - بين صفعة «شيرين» وردة الفعل الإعلامية على حياتها وفنها ورصيدها وتاريخها الأصيل رغم قصر عمره.
نعم، سقطت «شيرين» سقطة مزرية، ووصفت نفسها بالساذجة فى بيان اعتذارها للشعب المصرى عن خطئها، لكن هذا الخطأ يعود بالتأكيد لسهو غير مبرر، كونها -أى شيرين- لم تكن فى وعيها الكامل حين انزلقت بمزحتها السخيفة على خشبة المسرح.
وعلى الرغم من ذلك كله، تعاملنا مع «شيرين» كما فعل العرب فى الجاهلية، صنعوا إلهاً من العجوة، ثم أكلوه عند أول حالة جوع، ونسوا أنها هى التى عالجت كثيراً من آلامهم كمحبين بـ«جرح تانى»، كما ربطت الأجيال التى نشأت على موسيقى «الرزع والخبط» بشربة من نيل مصر، قبل أن تنزلق بخطيئتها.
شيرين «قيثارة النيل» تخضع حالياً لحملة تصفية، كرد فعل مكين من جمهور المطرب إياه، على خطئها السابق فى حق نجمهم المفضل الذى لقبته ظروف غير موضوعية بلقب «مطرب»، وصنعت شعبيته الجارفة حالة من التردى للأغنية المصرية مع تراجع السينما والمسرح وضعف المشهد الثقافى المصرى العام.
للأسف، لا أعلم لماذا نحن متطرفون، فنحب حتى النخاع دون مبرر أحياناً، ونكره حتى الكفر بالحبيب عند أول سقطة، لتنهال السكاكين على رقبته.
والعجيب المزرى فى هذه الواقعة، مزايدة بعض الصحفيين والإعلاميين بأسلوب رخيص، متناسين للأسف أنهم تسببوا فى أخطاء مهنية كانت لها آثار سلبية لا تقل ضرراً عن سقطة «شيرين»، وربما لا تُبرر أبداً، ورغم سقطاتهم الموثقة على «يوتيوب»، لم يتواروا خجلاً أو ينطفئوا أو يقرروا الاعتزال الضوئى، بل يستمرون كأدوات مضللِة ومطبلة للباطل.
معظم الإعلاميين فى برامج التوك شو، استجاروا بنقيب الموسيقيين هانى شاكر والملحن عمرو مصطفى، لضمان إشعال النيران فى جثة «شيرين» بعد ذبحها وسلخها، ولتصعيد مؤشر المزايدة عليها، حتى دفعت نقابة الموسيقيين للاتجاه لشطب النغمة الأكثر التزاماً بالسلم الموسيقى، وإطفاء الأيقونة التى أعادت الأغنية المصرية مرة أخرى للصدارة، بعد أكثر من 40 عاماً من دهسها تحت أقدام «الزاعقين».
الكرم النفسى والأخلاقى لنقيب الموسيقيين المطرب الرزين الكبير هانى شاكر لقن الإعلاميين المتآمرين درساً فى الموضوعية برده المناسب للحالة، حيث كان حاسماً وغير متراخٍ فى شأن العقوبة التى يجب أن تنالها شيرين، ومع ذلك أكد أنه ينتظر رأى الشئون القانونية فى النقابة.
ولأن هانى شاكر لم يشف غليل الإعلاميين بشرخ النغمة الحنونة «شيرين»، بُهِتوا برأى الملحن النزيه عمرو مصطفى ملحن أغنية شيرين «ماشربتش من نيلها»، الذى اكتفى بالتأسف على المطربة، وإعلانه حالة الحزن عليها ولها، متمنياً أن تتجاوز محنتها، وذلك على الرغم من خلاف شديد سابق بينهما، وأيضاً رغم إنهاء العلاقة الفنية بينهما كطرفين أصيلين للأغنية.
الحملة المدبرة بتخطيط جهنمى مأجور، كانت أقوى من احتمال جمهور «شيرين» ومحبيها، حتى إنهم لم يستطيعوا التعامل مع سقطة نجمتهم الحنونة الموهوبة، بقانون «حبيبك يبلعلك الزلط»، لأن الخطيئة هنا فى حق الوطن ولذا يصعب معها الغفران، أو البلع دون عقوبة أو اعتذار يساوى الخطأ.
الذى لم يلتفت إليه السادة الزامرون، هو وقت تمرير هذه السقطة لمطربة تمزح مع جمهورها على المسرح، حيث تواكب الأزمة الجديدة لسد النهضة الإثيوبى، ما يؤكد أن تمريرها استهدف التغطية على جهود الدولة ووعيدها الحاسم فى التصدى لهذا الملف، والهدف كما أظن تدشين صفحات وهاشتاجات إلكترونية للهجوم على الدولة والرئيس ذاته، للسخرية من النتائج المتواضعة السابقة فى ملف «السد الإثيوبى» الأعلى خطراً على المصريين منذ بدء الحياة.
لا تقتلوا «شيرين»، فقد أصبحت فينا وبيننا رمزاً من رموز الوطنية المصرية، ويكفى أن تصادق عربياً من الخليج إلى المغرب العربيين، فيسألك عن عادل إمام وشيرين، كنموذجين للقوة الناعمة الداعمة لروابط الشعوب، فى وقت تراخت فيه الثقافة عن القيام بهذا الدور.