انتحار شيرين

طارق سعد

طارق سعد

كاتب صحفي

(....... هذا وقد أطلقت الفنانة "شيرين" على نفسها من الكلمات رصاصتان أودت بحياتها الفنية فى الحال على أحد مسارح الشارقة)!

إنه المختصر المفيد فى الجريمة التى ارتكبتها "شيرين" فى حفلها بالشارقة بعدما طالبتها إحدى الحاضرات من الجمهور بغناء أغنيتها الشهيرة "ماشربتش من نيلها" لترد عليها مباشرة "هيجيلك بلهاريسيا" بل ونصحتها بشرب إحدى أنواع المياه المعدنية الفرنسية فى وصلة جديدة من "الاستظراف" الذى تعودت عليه فى حفلاتها المباشرة مع الجمهور الذى أصبح مع كل إعلان لها عن حفل جديد ينتظر "مصيبته" وما ستكون هذه المرة.

"شيرين" تسير بمبدأ "كل نفسك أحسن ما حد ياكلك" فهى تنفذ عملية تآكل نجوميتها وشعبيتها بنفسها وبيديها دون أن تترك هذه المهمة لأعداءها أو حتى منافسيها بل وتوفر عليهم عناء ذلك.. ففى كل مرة تقف "شيرين" فى مواجهة جمهور لأحد النجوم التى تتطاول عليهم لتعود وتعتذر ثم تعيد فعلتها فى اتجاه آخر ثم تعود وتعتذر وتخسر هذا الجمهور وذاك.. لكن هذه المرة تقف أمام جمهور "مصر" بأكمله وهى تسئ لصورة بلده و"شريان حياته" من على أرض إحدى البلدان الشقيقة لينتفض مارد الـ 100 مليون "إلا واحدة" بمختلف التوجهات بغيرته وحميته على بلده وصورتها من حالة الـ "لا وعى" الذى تغرق فيه المطربة التى من المفترض أن مهمتها الأولى هى اختيار الكلمات!

لم تعد "شيرين" تكتسب أى تعاطف حتى من الذين احترفوا الدفاع عنها وخلق مبررات وأعذار ويتحملون الآن ذنب مصيرها.. فعند مصر الخط الأحمر العريض الملتهب والذى يحرق من يحاول تخطيه ولم يعد يفلح وصفها بالعفوية والتلقائية لأنه أصبح ذنباً وليس عذراً.. فإن كانت نجمة فى وضعها تزاحم أفضل أصوات الوطن العربى لا تستطيع أن تعِ ما تقوله وأن تتحمل مسئوليتها كممثلة لبلدها فلتتفضل بالجلوس فى منزلها الأنيق – نتاج نجومية صنعتها لها بلدها – تستمع لمطربيها المفضلين وتشاهد حفلاتهم وحضورهم وثباتهم على المسرح وتستقل سيارتها الفارهة – نتاج نجومية صنعتها لها بلدها – وتتنقل بين أماكنها المفضلة تستمتع بوقتها.. ولا مانع من أن تذهب للعيش فى البلد التى تراها أفضل من بلدها التى صنعت لها نجوميتها!

الحقيقة أن سقطة "شيرين" من هذه النوعية لم تكن الأولى فسبق وأن تنصلت من أغنية "ريسنا" التى قدمتها قبل أحداث 25 يناير للرئيس "مبارك" عقب عودته من رحلة علاجية حرجة ودقيقة وبعد تقلب الأحداث فى مصر ادعت أنها قدمت هذه الأغنية "مغصوبة" فى سابقة تاريخية ستكتب اسمها وحيدة فى صفحة "الغناء بالغصبانية" مما دعا صناع الأغنية لتكذيبها ومهاجمتها بل وتأكيد إصرارها على غناءها ولكن لم ينتبه نسبة كبيرة من الجمهور لذلك مع سخونة الأحداث السياسية فى ذلك التوقيت والانقسامات بين مؤيد ومعارض ومخرب لتقفز "شيرين" بنفسها من المركب بحثاً عن الجانب الآمن لها وتؤكد فى فترة تالية أنها ستغنى لـ "مرسى" بل وسترقص له بشرط أن ينجح فى إدارة البلد وأنها متوقعة أنه سينهض بها.. مرسى؟! كل ذلك دون أن تنتبه لتسجيلات التاريخ وتسريباته!

"شيرين" ستواجه الآن سؤالاً صعباً وهو "لماذا غنيتى ماشربتش من نيلها طالما لوثتيه وتنصحين الجمهور خارج بلدك بمياه معدنية فرنسية؟!".. وهو ما ستجد صعوبة بالغة فى الرد عليه خاصة أن الجيل الجديد قد لا يعرف معنى كلمة "بلهارسيا" التى وصمت مياه النيل بإصابتها بها نظراً لاختفاء هذا المرض منذ سنوات طويلة وانتهائه بعد نجاح الدولة بجهودها الطبية فى القضاء عليه وهو بالمناسبة كانت تنتقل عدواه من مياه "الترع الملوثة" وليس "النيل" ولا تصيب من الشرب ولكن من اختراق الدودة للقدم ووصولها للدم إلا أن الجهل وانعدام الوعى للأسف كانا أقوى من إلمامها بهذه المعلومات!

فعلة "شيرين" - التى تنتمى لمدرسة "أحمد الفيشاوى" - هذه المرة لم تسئ لها فقط ولا لأشخاص.. بل إساءة لصورة مصر والتأثير على أمنها القومى المتمثل فى أحد أعمدته "السياحة" وهو ما سيجعل من غير المقبول منها بعد ذلك غناءها لمصر أو فى مناسبة وطنية أو حتى لشهداء – لاقدر الله – لن يقبلها الجمهور ولن يقتنع بها ولن ينفع هذه المرة الأسف والاعتذار ولن تجرؤ على إعادة فيلم الاعتزال مرة أخرى.. وحتى إن أوقفتها نقابة الموسيقيين وحققت معها لن يمحى ذلك طبعها.. فالطبع دائماً يغلب التطبع ولكنها تحتاج لرد فعل قوى يجعلها تعيد حساباتها 1000 مرة قبل أن تتفوه بكلمة فهذه المرة طفح كيل الجمهور الذى تحمل الكثير وقرر ألا يتحمل أكثر من أسلوب حولها من مطربة مميزة لـ "عبء".

حالة الانتحار الفنى التى تعيشها "شيرين" وتفريطها فى هدايا ومنح الله لها والإصرار على الخسارة دون أن تتعلم بقدر ما يصيبك بالغضب إلا أنه يصيبك بـ "الحسرة" ليتوقف الكلام........

حتى الكلام أصبح خسارة!