«كردستان».. تجربة فاشلة أطاحت بصاحبها

كتب: محمد حسن عامر وأكرم سامى

«كردستان».. تجربة فاشلة أطاحت بصاحبها

«كردستان».. تجربة فاشلة أطاحت بصاحبها

فى الخامس والعشرين من سبتمبر الماضى توجه الأكراد فى العراق لاستفتاء مثير للجدل، وتكونت جبهة واسعة ضد نتائجه التى ذهبت لمصلحة الاستقلال بأغلبية ساحقة، إلا أن شيئاً لم يتحقق من نتائج الاستفتاء على أرض الواقع، بل على العكس، خسر إقليم كردستان العراق كثيراً من الامتيازات التى كان يحصل عليها فى الفترة الماضية، بجانب خروج قواته «البيشمركة» مما يسمى «المناطق المتنازع عليها» مع الحكومة العراقية وذلك تحت وطأة التحرك العسكرى للحكومة الاتحادية، وذهبت الأمور إلى السيناريو الأسوأ حتى لمؤسس فكرة الحكم الذاتى للأكراد فى العراق، والسياسى الذى تبنى مشروع الاستفتاء وحشد له، مسعود بارزانى، رئيس إقليم كردستان، فتحت ضغط الفشل الذريع لمرحلة ما بعد الاستفتاء أعلن عدم الاستمرار فى منصبه المنتهية ولايته بالأساس إلى حين إجراء انتخابات مقبلة، واتخذ البرلمان قراراً بتوزيع صلاحياته على سلطات الإقليم الثلاث: البرلمان والحكومة والقضاء.

{long_qoute_1}

منحت تجربة الاستفتاء فى كردستان ونتائجها الفاشلة إلى الآن مزيداً من الدعم السياسى الداخلى والخارجى لحكومة حيدر العبادى فى «بغداد»، التى كانت تعانى بالأساس فى مواجهة حكومة «أربيل»، كما دبت الخلافات داخلياً بين الأحزاب الكردية، وقدم «بارزانى» جملة من المبررات للذهاب نحو الاستفتاء، وعلى رأسها: اتهام الحكومة العراقية بالطائفية وتهميش الأكراد، بجانب عدم حصول الإقليم على نصيبه من ميزانية العراق، وفق ما صرح به المسئولون الأكراد الداعمون للاستفتاء، بينما نفت «بغداد» تلك الاتهامات.

ومن جهته، قال الخبير فى الشئون الآسيوية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، محمد فايز فرحات، فى اتصال لـ«الوطن»: «فى تقديرى كان هناك خطأ بالحسابات لدى إقليم كردستان، فأولاً أساس المشكلة يعود إلى تجربة إعادة بناء العراق بعد الغزو الأمريكى عام 2003»، وأضاف «فرحات»: «أعلت من التكوينات العرقية والطائفية فى الدولة بشكل أحيا المشروعات السياسية ما دون الدولة، وكثير من النظم السياسية والدول يبنى فيها نظام للمحاصصة الطائفية والعرقية وبعضها ناجح بشكل كبير، لكن فى الحالة العراقية التجربة فى رأيى لم تكن ناجحة إلى حد كبير، لأسباب متعلقة بطبيعة الارتباطات الخارجية للمكونات العرقية»، وتابع: «لو كنا افترضنا أنه تم عمل صيغة فى العراق على أسس عرقية وطائفية لكن بحيث تستوعب كل هذه الكيانات فى دولة وطنية موحدة، وبالتالى كان من الممكن أن تحقق تلك التجربة الاستقرار، المشكلة أن العلاقات الخارجية لهذه المكونات أقوى بكثير من علاقاتها بالحكومة المركزية أو الدولة العراقية».

{long_qoute_2}

وقال الخبير بـ«مركز الأهرام»: «المكون الكردى مرتبط بالولايات المتحدة وقوى دولية أقوى لدرجة شجعت هذا المكون وأدخلته فى حسابات خاطئة، خاصة فيما يتعلق بالاتجاه نحو الانفصال، كما وقعت أخطاء منها إسناد أدوار للمكونات العرقية فى بعض القضايا، كتولى الأكراد دوراً فى محاربة تنظيم داعش الإرهابى»، وأضاف: «دفع المكون الكردى فيما يتعلق بطبيعة دوره فى المنطقة وعلاقته مع الحكومة المركزية، وحسابات خاطئة كذلك فيما يتعلق بطبيعة الدعم المتوقع له من القوى الخارجية، ونفس الأمر بالنسبة للقوى الشيعية وليس المكون الكردى فقط»، وتابع: «من حيث المبدأ كان من الممكن بناء نظام سياسى يستوعب كل هذه المكونات ويحافظ على طابعها الدينى أو المذهبى أو العرقى دون أن يكون ذلك على حساب الدولة الوطنية الموحدة، الأخطاء حدثت بالعراق وجزء كبير منها يعود إلى حسابات القوى الإقليمية والدولية تجاه المكونات العراقية».

وقال الكاتب الصحفى الكردى، محمد أرسلان، فى اتصال لـ«الوطن»، إن تجربة «بارزانى» على صعيد الكرد فى المنطقة لن تؤثر عليه كثيراً، وإنما تأثير تجربة «بارزانى» ينحصر داخل كردستان العراق وفى المناطق التى لدى «بارزانى» نفوذ فيها فقط، وأضاف «أرسلان»: «وعلى صعيد المواطنين الكرد فى كردستان، بالتأكيد فإنهم يشعرون الآن بهزيمة نفسية جراء ما آلت له الأوضاع بعد الاستفتاء، وشعورهم بتبخر حلمهم نحو دولة كردية، وشعورهم أن الحلم الذى يمتد لنحو 100 عام قامت خلالها نحو 28 ثورة وانتفاضة سياسية، وللأسف كل الثورات التى حدثت كانت تنتهى بالقبض على قادتها واعتقالهم وإعدامهم»، وقال «أرسلان»: «أما بالنسبة للخلافات الداخلية فى كردستان بين الحزبين الرئيسيين: الاتحاد الوطنى الكردستانى والحزب الديمقراطى، فهذا هو الأمر الطبيعى، الحزبان لم يتفقا أبداً فى تاريخهما لولا الضغط الأمريكى ووزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس التى لعبت دور العراب للتوافق بين الحزبين، والخيانة لن تنتهى أبداً داخل كردستان»، وأضاف: «حالة الإقليم الكردى فى العراق ومصير بارزانى الآن، ليست وليد اللحظة وإنما هى نتاج جملة من التراكمات والخلافات، فقط الاستفتاء كان بمثابة القشة التى قصمت ظهر بارزانى وليس الاستفتاء وحده»، وتابع: «الأكراد الذين يتبعون فكرة بارزانى ولجوئه إلى الاستفتاء أقلية جداً فى تركيا وإيران وسوريا، ولا تأييد لفكرته، خاصة بعد هذه النتائج العكسية لتجربته سيكون من الغباء تكرارها فى سوريا أو إيران أو تركيا، التى كان الغريب فيها أن بارزانى راهن على دعم تركيا رغم أن أنقرة هى العدو الأول للأكراد أكثر من أى دولة أخرى فى المنطقة».


مواضيع متعلقة